IMLebanon

لماذا يدفع خامنئي بجنرالاته إلى الأمام مجددًا؟

 

هل يساور المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي القلق بأن انتخابات مجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء المقبلة سوف تسبب انقسامًا بين صفوف الحرس الثوري الإيراني؟

لا يعد ذلك السؤال أكاديميًا.

ظل الكثير من القادة العاملين والمتقاعدين بالحرس الثوري الإيراني مواظبين، عبر العام الماضي، على الظهور في مختلف وسائل الإعلام بصورة شبه يومية لتعزيز مواقفهم المتنوعة حيال عدد من القضايا السياسية ذات الأهمية، وفي مقدمتها جهود الرئيس حسن روحاني للتقارب مع الولايات المتحدة.

من الزاوية النظرية، لا ينبغي على الحرس الثوري الإيراني التدخل أو الانخراط في السياسة، وهو الموقف الذي شدد عليه كثيرًا الإمام الراحل آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

مع ذلك، ظل الحرس الثوري الإيراني من الأذرع السياسية للنظام الحاكم أكثر من كونه ذراعًا عسكرية لذات النظام. ويحدد دستور الجمهورية الإسلامية في إيران دور الحرس الثوري الإيراني من حيث الدفاع عن النظام السياسي في حين العمل على «تصدير» مبادئ الثورة الخمينية كلما كان ذلك ممكنًا.

ودائمًا ما استخدم النظام الإيراني الحاكم الحرس الثوري في قمع المعارضة، وتجنيد العناصر الإرهابية في الخارج، وحين الحاجة، «ترتيب» الانتخابات للخروج بالنتائج المرغوبة من قبل «المرشد الأعلى».

لأول مرة منذ نشأة الجمهورية الإسلامية في إيران نرى الحرس الثوري يتحدث بلغة مختلفة، وفي بعض الأحيان، تعلو من بين جنباته الأصوات المتنافرة.

أحد الأسباب وراء ذلك هو موقف خامنئي الغامض حيال بعض القضايا الرئيسية. فلا يزال خامنئي محتفظًا برهاناته الخاصة بالاتفاق النووي، على سبيل المثال، حتى اللحظة الأخيرة، وأنه قد أرسى «خطوطًا حمراء» باهتة المعالم، ورغمها رفض سحب البساط من تحت قدمي روحاني عند تجاوزه لمثل تلك الخطوط.

ولم تلعب السياسة، في نظام الخميني، دورها الحقيقي في خضم متاهة الفروق الدقيقة التي يرسيها النظام. فهو نظام (إما / أو)، أو مقايضة (الربح أو الخسارة)، مع رؤية وجودية لِطيْف الأبيض والأسود بلا ثالث لهما. وبالنسبة لحكام نظام الخميني المتغذين على تلك الآيديولوجيا السقيمة، فإنه يصعب تمامًا تفهم أو استيعاب مقايضة «الربح للجميع» التي يروج لها السيد روحاني برفقة «زمرة نيويورك» العازفة معه، فضلاً عن تبنيها والدفاع عنها.

إثر ذلك، هناك حالة من الارتباك نالت جنرالات الحرس الثوري الإيراني، حيث يأمل البعض في إغلاق إيران لفصل الثورة الإسلامية من تاريخها الحديث بغية التحول إلى دولة طبيعية يعمل الجيش فيها على الاضطلاع بدوره الطبيعي من حراسة البلاد والدفاع عن أمنها وسلامتها مع اكتساب الخبرات والوصول إلى أحدث نظم الأسلحة المتاحة، في حين يخشى البعض الآخر من أن التطبيع قد يؤدي إلى بروز المطالب بحل وإلغاء الحرس الثوري الإيراني، أو على أدنى تقدير، دمج قواته مع القوات المسلحة النظامية.

بعد كل شيء، إذا ما استوعبت آلية الدولة كيان الثورة ومقدراتها فما الحاجة حينئذ إلى وجود قوة مستقلة لحماية الثورة. (كانت مخططات توحيد قوات الحرس الثوري الإيراني مع القوات المسلحة النظامية قيد الطرح والمناقشة على جدول أعمال النظام الإيراني منذ فترة الثمانينات).

لدى الحرس الثوري الإيراني مصلحته في بقاء إيران رهينة تلك الحالة البغيضة من الهستيريا الثورية. وفي مثل تلك الحالة، يستطيع الحرس الثوري الإيراني المطالبة بوضعية خاصة من حيث المعاملة، مثالاً بتلك الزيادة المقدرة بنسبة 30 في المائة من ميزانية الحرس الثوري. كما يُسمح للحرس الثوري كذلك بالانخراط في كل أنواع الأعمال عبر أكثر من 400 شركة ومؤسسة تعود بأرباح تُقدر في مجموعها بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

كما أن عضوية الحرس الثوري الإيراني تمنح صاحبها فرصة ذهبية على طريق الترقي السريع.

فور تقاعد أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني يمكنه وعلى الفور الاستفادة من الوظائف المميزة في الخدمة المدنية أو السلك الدبلوماسي، أو يصير عضوًا في البرلمان المصطنع، أو وزيرًا في مجلس الوزراء، أو يؤمن لذاته مكانًا بين حكام الأقاليم، أو عمداء المدن الكبرى، أو احتلال مقعد القيادة على رأس إحدى الشركات العامة. كما ينصب جنرالات الحرس الثوري الإيراني أعينهم كذلك على اعتلاء سدة رئاسة البلاد في يوم من الأيام. (تقدم لذلك المنصب من جنرالات الحرس الثوري ثمانية مرشحين حتى الآن لم يحالف أيهم الحظ).

يرتبط سبب آخر من أسباب حالة النشاز الحالي لدى الحرس الثوري بالتقارير المستمرة، وفي كثير من الأحيان غير الدقيقة، حول صحة علي خامنئي المتدهورة.

إذا ما عاش خامنئي ذات المدة التي قضاها الخميني على قيد الحياة فلا يزال أمامه 14 عامًا أخرى على رأس السلطة. والآن، ليس من احتمال يوحي بخروجه من المشهد السياسي الإيراني إثر تصويت يأتي من ناحية مجلس الخبراء.

ومع ذلك، تبحث الفصائل المتناحرة في إيران عن خلفاء لخامنئي منذ الآن. كما يأمل الحرس الثوري الإيراني في أن تكون له كلمة كبيرة ومؤثرة في اختيار خليفة المرشد الأعلى أو تكوين قيادة جماعية على نحو ما يقترح البعض.

يساور الفصيل الموالي لرفسنجاني، ومن بين أعمدته الرئيس روحاني و«زمرة نيويورك» المرافقة، الكثير من القلق حيال إقصاء الحرس الثوري الإيراني خارج المعادلة السياسية قبيل انعقاد الانتخابات المقبلة في مارس (آذار) 2016.

يقول الرئيس روحاني في آخر خطاب له «إن تدخل الحكومة، أو الحرس الثوري الإيراني، أو شبكة الإذاعة والتلفاز الحكومية، أو المحافظ لصالح ذلك المرشح أو ذاك ليس إلا تسميمًا لنزاهة الانتخابات».

يزعم منتقدو روحاني، رغم ذلك، أنه نفسه كان عضوًا من أعضاء الحرس الثوري الإيراني منذ فترة طويلة، وكان مديرًا لإمبراطورية الحرس الثوري التجارية الرئيسية، وأن الانتخابات التي فاز بها ليعتلي رئاسة البلاد جرى تنظيمها بواسطة الحرس الثوري وفقًا لأوامر خامنئي شخصيًا.

من الواضح، أن خامنئي ينظر إلى الحرس الثوري الإيراني باعتباره الأداة الأولى للسلطة، وهو عاقد العزم على تأكيد سلطانه وتشديده عليه.

الأسبوع الماضي، حذر آية الله علي سعيدي، مبعوث خامنئي الخاص إلى الحرس الثوري الإيراني، وهو نوع من التفويض الديني – السياسي، جنرالات الحرس الثوري من «الحديث خارج الإطار المرسوم».

وتابع يقول: «يتعين على كل أعضاء الحرس الثوري الإيراني العمل ضمن الأطر المحددة والمرسومة من قبل القيادة العليا. وإذا خالفوا ذلك فإنهم مفتقدون للشرعية كأعضاء في قوات الحرس الثوري».

إن التهديد بفصل الضباط العصاة أو إجبارهم على التقاعد من مناصبهم يأتي في وقته المناسب تمامًا وقبل شهور قليلة من حركة الترقيات السنوية المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وللتشديد على تلك النقطة، أعلن سعيدي أنه من الآن فصاعدا لن يتم الترقي من رتبة عقيد إلى رتبة لواء إلا بموافقة شخصية من المرشد الأعلى. وحتى هذه اللحظة، لم يكن المرشد الأعلى يتدخل في الترقيات إلا من رتبة عميد فما أعلى (نجمة واحدة).

وفقا لسعيدي، فإن المفوضين الدينيين للحرس الثوري الإيراني سوف يعملون الآن مثل «مجلس صيانة الدستور» الذي يقرر من يمكنه الترشح للانتخابات ومن الذي يعتبر فوره في الانتخابات مقبولاً. وبعبارة أخرى، ليست المؤسسة العسكرية فقط هي من تقرر ترقيات ضباطها. ويمكن للمرشد الأعلى من خلال مبعوثه الخاص ترقية من يشاء إلى أية رتبة داخل صفوف الحرس الثوري الإيراني.

كما أعلن آية الله كذلك عن توسيع لدور المفوضين الدينيين داخل الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك «الإشراف على الأمور الأمنية وشبه الأمنية».

إن خطوة خامنئي الأخيرة لإعادة فرض الانضباط على الحرس الثوري الإيراني لها بعدها السياسي كذلك، فهي تحذير غير صريح ضد دعم وإسناد «المرشحين المشكوك في ولائهم» خلال انتخابات مارس المقبل، حيث دعا سعيدي إلى «دعم المؤمنين الصادقين».

واستطرد قائلا: «إننا لا نريد التدخل في الانتخابات. كل ما نقوله هو: صوتوا للمؤمنين الصادقين. ولا يعني ذلك التدخل في الانتخابات بحال. إن للآخرين أجندتهم السرية للتصويت لصالح أولئك البعيدين كل البعد عن النظام».

وواصل آية الله سعيدي كيل الاتهامات للفصائل المتنافسة والساعية لتقويض مركز المرشد الأعلى للثورة، حيث تابع يقول: «هناك جهود كثيرة لتحويل المجلس الأصولي إلى كيان آخر. ولسوف يكون ذلك خيانة وتهديدًا لمثل الأئمة، وللمرشد الأعلى، ولمصالح النظام الرئيسية».

يشعر خامنئي بالقلق. ولديه الأسباب الكافية لذلك. والتاريخ الإسلامي حافل بالأمثلة لحراس الخلفاء الذين تمكنوا من الاستيلاء على السلطة لأنفسهم.