IMLebanon

إقالة كومي واعتباطية دونالد ترامب

انشغلت واشنطن هذا الأسبوع بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف. بي. آي)، جايمس كومي، في خطوة أعادت نزعة الاعتباطية لدى الرئيس دونالد ترامب إلى الأذهان بعدما بدا أنه تأقلم مع رصانة الرئاسة ومع الحكم المنسَّق والمدروس عبر إدارته. رافق قرار الإقالة استذكار كلمة «العزل» أي impeachment والمقارنة بين إقالة ترامب لجايمس كومي مع طرد الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون المدعي العام أرشيبالد كوكس عام 1973 وما لحق ذلك من عزل نيكسون عن الرئاسة. صلب القلق من أسباب إقالة كومي يعود إلى الشكوك والتحقيق في ارتباطات بعض رجال ترامب بروسيا أثناء الحملة الانتخابية واستمرارها بالرغم من تحذير المكتب الفدرالي، كما حدث مع مستشار الأمن السابق مايكل فلين، بأنه قد يخضع لابتزاز روس نتيجة تصرفاته قبل الانتخابات الرئاسية وبعد تسلم إدارة ترامب السلطة. وهنا بالذات تتوسع دائرة الخوف والتساؤلات عما إذا كان لدونالد ترامب نفسه علاقات وارتباطات مع روسيا تجعله مرشحاً للابتزاز، فأهمية المسألة لا تقتصر على مشاعر الغضب والاحتجاج على فكرة تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية وإنما المسألة تتعلق بالأمن القومي الأميركي إذا كان كلام اختراق روسيا للرجل الأول في البيت الأبيض صحيحاً. أميركا منقسمة في تقويم صحة هذه الافتراضات، جزءٌ منها يتأهب لمحاسبة وربما محاكمة ترامب اقتناعاً منه بأنه متورط جداً، وجزءٌ آخر يسخر من مثل هذه الادعاءات ويشير إلى الأجواء الروسية ذات الأعصاب المشدودة في إطار العلاقات الروسية– الأميركية التي تُصنع حالياً. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي كان في واشنطن يوم إقالة ترامب لجايمس كومي أجاب الصحافيين مستهزئاً وساخراً لدى سؤاله عن كومي وعلاقة تحقيقاته بروسيا وكأنه يقول أنه يحمل إلى محادثاته مع نظيره ريكس تيلرسون ومع الرئيس دونالد ترامب مسائل أكبر وأهم من السذاجة السياسية الأميركية –في نظر روسيا– لأن العلاقات المصيرية بين البلدين ذات أبعاد استراتيجية تمر في البوابة الأوروبية والشرق أوسطية والآسيوية ولا تتوقف عند مكتب التحقيقات الفدرالي.

قبيل الانحراف عبر الإقالة، كانت إدارة ترامب في خضم صياغة سياسات فائقة الأهمية تمتد من استراتيجية ضخ الزخم الأميركي المباشر في محاربة الإرهاب بمشاركة الحلفاء الأوروبيين والخليجيين في تغطية الكلفة المالية وكذلك في تقديم بعضهم تلك «الأقدام على الأرض» التي تحتاج إليها استراتيجية الزخم العسكري Surge في العراق وسورية وأفغانستان.

زيارة الرئيس ترامب إلى السعودية هذا الشهر لن تتناول العلاقات الثنائية المهمة فحسب وإنما ستتحول إلى قمة عربية –أميركية– إسلامية ستكون سابقة في أكثر من مكان. فمن قمة الرياض ستنطلق العلاقة الأميركية– الخليجية بجديدها، أو بتجديد الضمانات الأمنية التقليدية. إعادة ضبط موازين العلاقات الأميركية الإقليمية إلى ما كانت عليه قبل أن ينفذ الرئيس السابق باراك أوباما سياسة الانخراط مع إيران ستكون مادة دسمة للمحادثات، وربما أيضاً للتأويلات. إنما من الضروري عدم الإفراط في ترجمة مواقف إدارة ترامب بما يناسب الذين يتمنون لها تلك الترجمة، ذلك لأن تداعيات ذلك خطيرة.

وعلى سبيل المثال، لنأخذ ذلك «الفيل في الغرفة» كما يقول المثل، والكلام عن إيران المتوقع لها أن تغيب عن القمة العربية– الإسلامية– الأميركية في الرياض التي يستضيفها الملك سلمان بن عبدالعزيز ويحل دونالد ترامب ضيفاً مميزاً عليها. إيران ستكون حاضرة في أكثر من حديث بدءاً بالموازين الأمنية في منطقة الخليج، مروراً بالعراق وسورية واليمن ولبنان وبدورها في المسألة الفلسطينية، وصولاً إلى علاقاتها الأميركية.

يخطئ مَن يقرأ مواقف إدارة ترامب الحازمة مع إيران بأنها ضوء أخضر إما لقلب النظام في طهران أو لمواجهة عسكرية مع إيران. أقطاب إدارة ترامب واضحون بأنهم ليسوا في صدد إعداد خطط الحرب مع إيران، وهم يقولون إن المطلوب من إيران هو فقط العودة إلى داخل حدودها بدلاً من التوغّل في أراضي الغير والامتداد في العراق وسورية ولبنان واليمن وتبني سياسات تخريبية وأدوات إرهابية. فإذا لم تفعل، هناك أدوات عديدة لدى الولايات المتحدة وحلفائها غير إدارة الحرب. أما طبيعة النظام، إن واشنطن واثقة إن حكم الملالي و «الحرس الثوري» سيؤدي إلى القضاء على نفسه بنفسه، من دون معونة أميركية مباشرة، عاجلاً أم آجلاً، فلا لزوم للتورط والانزلاق إلى حروب مرفوضة شعبياً وأميركياً.

أحد الاستراتيجيين الإيرانيين قالها بصورة أوضح، قال: «لن تكون إيران رابحة طالما حدودها قد امتدت إلى داخل سورية وأفغانستان والعراق ولبنان». فضبط الحدود المتنقلة ليس ممكناً مهما برع النظام في تصوّر مشروعه ومهما وظف من «حرس ثوري» أو ميليشيات. لذلك، لا لزوم للغرق في معادلة مَن هو الخاسر أو الرابح، مَن هو المنتصر أو المنهزم. لا لزوم لفتح الحديث عن الداخل الإيراني طالما أن التركيز الفعلي يقع الآن على اليد الإيرانية الطويلة الممتدة إلى خارج إيران. هي ذي السياسة الأميركية الجديدة، وليس سياسة التهديد العسكري وقلب النظام داخل إيران.