IMLebanon

القوات في زحلة تحت «الحصار»: مطلوب مرشحون كاثوليك وموارنة!

لا يخلو حزب في لبنان من مشاكل داخلية ــ تنظيمية، ولو بنسب متفاوتة. مشاكل القوات اللبنانية ــ زحلة «بسيطة» إذا ما قورنت بمشاكلها في أقضية أخرى أو ببقية الأحزاب. هي أشبه بـ «صراع ديوك» حول نفوذ محلي. لكن نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة لم تكن على قدر توقعات سمير جعجع. قوات زحلة تعاني من نقص في الكوادر الكاثوليكية والمارونية لترشيحها إلى الانتخابات النيابية، ما يجعل المعركة النيابية صعبة في ظل «حصار» مطبق عليها من تيار المستقبل، حزب الله، الكتلة الشعبية، حزب الكتائب (حتى الساعة) وآل فتوش

لا تُشبه زحلة أي منطقة لبنانية أخرى. من بعيد، تظهر وكأنها ذات طبيعتين. الأولى اجتماعية ــ دينية كونها مدينة «الكثلكة»، على رغم أن أقدم كنيسة فيها أرثوذكسية، وأنّ أرقام «الموارنة» (14577 ناخباً) بدأت تُنافس أرقام «الكاثوليك» (19755 ناخباً).

الطبيعة الثانية سياسية، ومفادها أنّ «زحلة قوات لبنانية». وهذه شبه قناعة رسّختها «بروباغندا» الحرب الأهلية والسنين في الوجدان العام، و«ملاحم» حصار زحلة و«صمودها» في وجه الجيش السوري، وتقديم أكبر عدد من «شهداء المقاومة اللبنانية».

الانتخابات البلدية الأخيرة كانت محطة في هذا المسار. ففيها، تمكنت القوات اللبنانية ــ من معراب ــ من نسج التحالفات، فارضةً مرشحاً كان حتى الأمس القريب محسوباً على آل سكاف (أسعد زغيب)، وكانت النتيجة لصالحها، ولو في الشكل. لكن هذا «الانتصار» الحزبي على آل سكاف وفتوش، لم يُثلج قلب رئيس الحزب سمير جعجع الذي كان يتوقع «نسبة مشاركة قواتية أكبر»، كما ينقل عنه مسؤولون قواتيون زحلاويون سمعوا منه انتقاداً وتقييماً للانتخابات. كل الحجج عن «رشوة الناخبين» وتشطيب المرشحين القواتيين «من السنّة والشيعة»، لم يُقرّش في معراب التي تحدثت عن «مشكلة في إيصال الرسالة إلى الناخبين». هنا برزت أول ثغرة سياسية. الثغرة الثانية هي «وجود أزمة في اختيار الأشخاص الموارنة والكاثوليك. هناك مشكلة أسماء، خاصة إذا ثُبت التحالف النيابي مع التيار الوطني الحر واختير سليم عون عن المقعد الماروني»، استناداً إلى مصادر متابعة في مدينة الكرمة. تضاف إلى ذلك، محاولات سابقة لعزل منسق القوات في زحلة ميشال التنوري من قبل قواتيين زحلاويين، قبل أن يحسم الاستفتاء القواتي النتيجة لصالحه.

قوة القوات التجييرية في قضاء زحلة، استناداً إلى مصادر رسمية، هي «12 ألف صوت، منها 7000 في المدينة. أما بالنسبة إلى المنتسبين فهم قرابة الـ1500 في القضاء و900 في المدينة». هناك 27 مركزاً حزبياً في القضاء، إلا أن الثقل في مدينة زحلة هو في أحياء حوش الأمراء، المعلقة، المدينة الصناعية ووادي العرايش «حيث هناك أغلبية مارونية». لا تذكر المصادر هذه المعلومة «لغايات طائفية»، بل للإشارة إلى أن «الملعب الكاثوليكي، الذي يُشكل هوية المنطقة، لا يزال عصياً على الأحزاب. ليس للأمر علاقة فقط بالقوات، فطبيعة أبناء هذا المذهب أن يكون ولاؤهم للزعيم أو العائلات التقليدية». يبرز هذا النقص أيضاً داخل منسقية القوات «حيث لا وجود لأعضاء كاثوليك». لا ينفي المصدر المسؤول في المنسقية «وجود نقص في هذا المجال، ونحن نعمل على حلّه لأننا بدأنا نسمع انتقادات في هذا الشأن».

على خريطة توزع المناطق «القواتية»، تأتي زحلة في المراتب الأولى. المعلومات المتداولة في الشارع الزحلاوي تفيد بأنّ «(النائبة) ستريدا جعجع تريد مد جسور بين بشري وزحلة لتعزيز نفوذها وفرضه»، خاصة بعد وفاة النائب السابق الياس سكاف والحديث عن «تشتت» زعامته. لتأكيد الكلام، يعودون بالذاكرة إلى فترة المفاوضات التي سبقت «البلدية» وزيارة السيّدة ميريام سكاف لمعراب «حيث سمعت كلاماً واضحاً عن أن الاتفاق في بلدية زحلة مرهون بإقناع والدها النائب السابق جبران طوق الوقوف إلى جانب ستريدا في بشرّي. وها هي اليوم تستعين بسيدات زحلاويات لمساعدتها في مهرجانات الأرز». زحلة «بالنسبة إلينا مهمة من النواحي كافة»، يقول مسؤول قواتي وهو يجلس في مكتبه الخدماتي «المتواضع». لا يُفكر قبل أن ينفي ما يُشاع: «تصوير الأمر وكأنه تصفية حسابات بين ابنتي العم (ستريدا وميريام طوق) هو تبسيط للأمور. القوات فكر وحزب وتاريخ نضالي، وليست ستريدا من تديره، خاصة أن لكل منطقة خصوصيتها».

الانتقادات التي تسمعها القوات هي «الشح الخدماتي». التحجج بأن «الإعلام ضعيف ونحن خارج منظومة الدولة»، لم يعد يرضي الزحلاويين «الذين يسألوننا: شو نحنا الأم تيريزا؟»، خاصة أنهم يلمسون في المقابل «اهتمام» الوزارات بخدمات نائبَي بشرّي. في زحلة «هناك تنافس على احتكار الخدمات وكل فريق ينسبها إليه. مثلاً طريق الفرزل نحن الذين طالبنا بها، قبل أن يأتي من يعتبرها من فضله».

الانتخابات البلدية كانت المختبر الأول للقوات، بعد وفاة سكاف والخلاف السياسي مع تيار المستقبل والتحالف مع التيار الوطني الحر لتُثبت بأنها عن حقّ «كرمة زحلة». حصلت لائحة زغيب المدعومة من القوات والتيار والكتائب على معدل 10587 صوتاً، وحلّ مرشحو القوات في المراتب الخمس الأخيرة. تقول مصادر «وسطية» في زحلة إن «أرقام القوات في البلدية لم تكن جيّدة خاصة إذا ما تمت مقارنتها مع الدورة السابقة. فأين هي القوة التجييرية؟ وأين هم قرابة الثلاثة آلاف ناخب جديد على لوائح الشطب، لا سيّما أن القوات تزعم أنها تستقطب الجيل الجديد؟». الحجج القواتية جاهزة. أولا، «تسويق أسعد زغيب لم يكن سهلاً بالرغم من كونه رجل مشاريع. أهل زحلة يعرفون كيف يُحاسبون». ثانياً، «المعركة لم تُكلفنا أكثر من 800 ألف دولار، في حين أن المال الانتخابي كان خيالياً لدى اللائحتين المنافستين». وثالثاً، «مرشحو القوات حلوا في المراتب الأخيرة لأننا شُطبنا من السنّة والشيعة». أما بالنسبة لأصوات الجيل الجديد، «فهي تشتتت بين المرشحين الـ63، وهناك عامل القربة والصداقة الذي لعب دوراً». هل هذا يعني أن الشارع القواتي مُستعد أن يقبض المال من منافسي القوات؟ مصادر عملت في ماكينات انتخابية منافسة للائحة زغيب تؤكد ذلك. أما المصدر المسؤول في القوات، فيستدرك موضحاً: «عندما تحدّثنا عن المال الانتخابي، كنا نقصد الكتلة الوسطية».

بعد الانتخابات البلدية «عاتبتنا قاعدتنا بأننا قدمنا الكثير من التنازلات فيما نحن المحرك الأساسي». أما على صعيد القيادة، «فالنقاش كان مفتوحاً. كان ثمة رأيان. رأي ــ يتبنّاه جعجع ــ اعتبر أن اللائحة التي تضم هكذا تحالف كان الحري بها أن تستقطب عدداً أكبر من المقترعين وأنه لو اجتمع خصمانا لكانا ربحا (استناداً إلى دراسة الباحثين ملحم شاوول وشربل سكاف المنشورة في «النهار» يوم 11 حزيران 2016، حصلت لائحة الأحزاب على معدّل 10587 صوتا، ولائحة سكاف 7955 صوتاً، ولائحة فتوش 6017 صوتاً). في مقابل رأي آخر يرى أن النتيجة في ظل الظروف التي رافقت الانتخابات جيدة وأكدت سيطرة القوات».

يجلس المتابع «المحايد» لشؤون زحلة في أحد مقاهي الشارع التجاري، قائلاً: «زحلة أقل ضرراً على القوات من أقضية أخرى وكحزب وضعه أفضل من غيره». لا ينفي ذلك وجود «ثغرات» تنظيمية ولكن المشكلة الأكبر هي في السياسة «وبكيفية خوض الانتخابات النيابية في غياب أسماء بارزة تطل بها وبوجود تحالف مع العونيين ومحاصرة من قبل تيار المستقبل».

جعجع قال كلمته: خلص!

نهاية عام 2015 وبداية العام الحالي، زادت «النقمة» الداخلية ضد منسق القوات، ميشال التنوري، ابن الكَرَك وأستاذ الرياضيات الذي يُدرّس 35 ساعة أسبوعياً في مدرستين للراهبات. تزامن ذلك، مع انتهاء ولايته (ثلاث سنوات) ومجاهرته بعدم رغبته التجديد لنفسه. «رؤوس» الفريق المعارض، أي مرشح القوات عن المقعد الكاثوليكي في زحلة جورج سماحة ومسؤول قطاع رجال الأعمال السابق جهاد النداف ومسؤول المراكز السابق نضال صليبا، «حاولوا الإضاءة على سيئات التنوري والتسويق لسماحة كمنسق جديد»، استناداً إلى مسؤول في منسقية زحلة. في البداية، اقتنعت معراب بخيار سماحة «باعتبار أنه أحد مرشحيها المفترضين إلى النيابة وعمل في تنظيم الانتخابات سابقاً، كما أن التنوري لم يكن يريد المنصب من جديد». تحوّل الأمر إلى نوع من «التحدي بين التنوري والقواتيين والصحافيين الزحلاويين الذين يدعمونه وبين جبهة المعارضين لخطه»، فعادت شهيته إلى تبوّء المنصب من جديد. «حُرق» اسم سماحة عبر انتشار خبر تعيينه قبل أن يُحسم الأمر في معراب وتولّى بعض القواتيين إيصال اعتراضاتهم إلى القيادة القواتية. نتيجة «القيل والقال»، أجري استفتاء في زحلة «نال على إثره التنوري 89٪ من الأصوات». عند هذا الحد «أُقفل الملف. لم يكن لهذا النزاع الصغير تأثير كبير على التنظيم لأن لكل شيء في القوات حدوداً. حين يقول سمير جعجع كلمته، خلص!».

سليم عون مرشح القوات اللبنانية

لا تزال كلمات سمير جعجع في عشاء مصلحة الطلاب منذ أسابيع تتردد في سماء زحلة. يومها، لمّح جعجع إلى أن عضو تكتل التغيير والإصلاح سليم عون سيكون هو المرشح عن المقعد الماروني في زحلة. رسالة استفزت الأقربين (بول شربل وابراهيم الصقر) والأبعدين (النائب إيلي ماروني). تُقلل مصادر القوات اللبنانية من أبعاد كلام جعجع، كون الحديث عن النيابة «لا يزال مُبكراً». لا تنفي أن رجال الأعمال المحسوبين عليها والموعودين بالنيابة «سيحردون إذا ما تم فعلاً الاتفاق على عون، ولكن الأهم هو الحفاظ على التحالف المسيحي ــ المسيحي». وبالنسبة إلى الملتزمين حزبياً، «الالتزام يكون بالقرار ولا يترك الشخص ويُغادر حين لا يتوافق القرار مع مصالحه. المشاعر ما بتمشي بزحلة». تُدرك المصادر جيداً «صعوبة الانتخابات النيابية حتى الساعة. فالشيعة ضدنا. وخسرنا السنة بعد تحالفنا مع عون، ولا يمكننا الجزم بقدرتنا على التعويض في الشارع المسيحي في القضاء». ولكنها تُعول على «عدم التزام جمهور تيار المستقبل بخياراته».

يهم جعجع في الانتخابات المقبلة عدم تكرار تجربة رئيس الكتلة طوني أبو خاطر الذي لا يفوت مناسبة من دون أن يُجاهر بأنه ليس عضواً في القوات اللبنانية. أو تجربة النائب جوزف المعلوف الذي لم يُفعل نشاطه سوى مع إعلانه عن «تقاعده» النيابي. فلم يبق في الميدان سوى حزبي وحيد، فخور بانتمائه، هو النائب شانت جنجنيان. «هناك مشكلة كادرات»، تقول مصادر «محايدة». والأسماء التي برزت لا يبدو أنها ستُعتمد قواتياً: «ميشال الضاهر توقف عن زيارة معراب في وقت يُحاول أعضاء في المكتب السياسي الكتائبي التقرب منه، ابراهيم الصقر غير مقبول زحلياً، مشكلة القاضي جورج عقيص أنه متطرف في معارضته للعماد ميشال عون، وأسعد نكد توقف عن زيارة معراب بعد المرة الثالثة».