IMLebanon

الأحزاب اللبنانية والإقبال الأنثوي المتصاعد (1)

لم تتفرَّد واحدة من السيّدات اللواتي تبَوّأنَ مراكز السلطة السياسية في لبنان أو حتى نساء السياسيين بإطلاق بناتها لتوريثهنّ المناصبَ السياسية التي تَوارثتها العائلة، فعقدةُ الذكورية لم تُلازم فقط عقولَ الرجال، بل إنّ السيّدات لم يتجرّأنَ على دفعِ بناتهنّ لخوض غمار السياسة، واكتفَين بإطلاقهنّ في غمار العمل الاجتماعي، وترَكنَ العمل السياسي والمناصبَ السياسية من نصيب أولادهن الذكور، حتى لو لم يكونوا أكفّاء. لذلك لا يمكن إلقاءُ اللوم على الرجال في لبنان، واتّهامُهم دون سواهم بعقدة الذكورية. لكنّ العهد الجديد في مشهده العام بدأ يعكس إشارات تغيير برَزت من خلال اندفاعةٍ أنثويّة لافتة للانخراط في الأحزاب اللبنانيّة وفق الإحصاءات الأخيرة.

قد يكون «الكتائب» من الأحزاب الرائدة التي تنشط في مراجعة نظامها الداخلي من خلال العمل على تطويره و تحديثه، ولا سيما بعد التعديل الذي ثبّتَ الكوتا النسائية فيه، فأصبحت 20 في المئة، لتنضمّ 4 نساء الى المكتب السياسي بفِعل هذه الكوتا.

هذا الأمر دفعَ الكثير من الكتائبيات الى الترشّح بعدما لمَسن هذا التغيير الذي رفع من حظوظ فوزهنّ. كما أنّ الرجال اصبحوا مجبَرين على التصويت لـ 20 في المئة من النساء، الأمر الذي خلق دينامية داخل الحزب. فأصبح عدد السيّدات المنتخبات أربع، وخامسة هي نادين الخوري رئيسة مصلحة شؤون المرأة، وهي حكماً عضو في المكتب السياسي.

باب الانتساب الى الحزب بدأ ينشط بعد العام 2009، أي بعد مجيء الكتلة النيابية الجديدة التي عملت على إقرار مشاريع عدة، من أبرزها تعزيز حقوق المرأة وإقرار الكوتا النسائية.

48.9 في المئة هو عدد السيّدات المنتسبات الى حزب الكتائب، والعدد الكبير منهنّ تقارب أعمارهنّ 50 عاماً، ويُعتبرنَ نساءَ جيل الحرب. أمّا البقية فهنّ ما دون الثلاثين.

مصادر مطّلعة في الحزب كشفَت لـ«الجمهورية» أنّ كثافة الانتساب هي للأعمار التي تتراوح بين الـ 18 و30 سنة، فيما باب الانتساب مفتوح دائماً. أمّا السيدات المنتخبات في الهيئة فهنّ: ميرا واكيم، ندى خوري، ريتا بولس، وعيدا أبو جودة.

على المستوى الوطني، رشَّح حزب الكتائب نساءً على صعيد النقابات، الأمر الذي حمّس السيّدات على الانتساب وعلى العمل، ويشهد الحزب اليوم انتسابَ خرّيجات جامعيات متحمّسات الى بلوغ اهدافهنّ عبر الدعم الحزبي.

مستشارة رئيس الحزب لشؤون مجلس النواب ومجلس الوزراء لارا سعادة تقول إنّ الأولوية هي للنساء اليوم في حزب الكتائب، لافتةً في حديثها لـ«الجمهورية» إلى أنّ خيار الحزب تعيينها في منصبها الدقيق خيرُ دليل على ثقة الحزب بقدرات المرأة.

تقرّ سعادة أنّها فعلياً من موقعها تتعاطى في كلّ شؤون الوطن الحسّاسة، بدءاً من قانون الانتخاب وصولاً الى بقية القوانين المتعلقة بحقوق الانسان وقوانين النقابات، مشيرةً إلى وجود رئيسات مصالح رائدات في الحزب، منهنّ رئيسة مصلحة التخطيط الاستراتيجي.

وتشدّد على أنّ حزب الكتائب أتاح للمتخرجين عدمَ التفكير بالانتساب الى الجمعيات، واللجوء فوراً الى الحزب والمشاركة في صوغ القوانين والتحكّم بالقرار، لذلك بدأ عدد المنتسبين يتزايد، ولا سيّما عدد المنتسبات.

وتذكّر سعادة بعدد القوانين التي أقرَّها الحزب والمتعلّقة بحقوق الإمرأة، منها: الكوتا النيابية والبلدية، إلغاء جريمة الشرف، دعم مكافحة العنف الأسري، وإطالة إجازة الأمومة.

«القوات اللبنانية»

بلغ عدد المنتسبين الى «القوات اللبنانية»، الذين يملكون بطاقات حزبية حتى اليوم، حسب الإحصاءات الأخيرة 28 ألف منتسباً، وهو في تزايد، مع الإشارة إلى أنّ أعداد المتطوّعين أو المتطوّعات كبير، لكنّ ظروف عملهم والنظام الداخلي لعملِهم يمنعهم من الانتساب الى الحزب الذي يوالون.

الأمينة العامة الجديدة لحزب «القوات» السيدة شانتال سركيس تركت مهامها كمستشارة للمنسق الخاص لمكتب الأمم المتحدة وفضّلت تسلّمَ الأمانة العامة لحزب «القوات».

تَصف سركيس قرارَها بأنّه خيار، وقد فضّلت تسلّم هذا المنصب لأنّها تُفضّل أن تقدّم قدراتها لخدمة بلدِها وهي تؤمن بأنّه ومن خلال حزب «القوات اللبنانية» يمكنها إحداث هذا التغيير المرجوّ على المستوى السياسي وتأمين الاستمرارية للأجيال المقبلة وحمايتها، ولهذا هي تعمل بشفافية مطلقة لأنّ هدف «القوات» بناء الدولة، وهذه الشفافية هي التي جعلتها تكشف لـ«الجمهورية» عن أعداد المنتسبين بمن فيهم المنتسبات الى «القوات اللبنانية».

30% من حاملات البطاقات… «قوّاتيات»

في وقتٍ تُسلّم القيادة بطاقات الانتساب الى «القوّاتيين» الجدد، تتسلّم بدورها طلبات انتسابٍ جديدة من المناصرين. أمّا عدد النساء المنتسبات الى الحزب، فبلغ نحو 8 آلاف منتسبة، أي بمعدل 30 في المئة من إجمالي المنتسبين. علماً أنّ الحزب فتح باب الانتساب منذ نحو عامين فقط، لذلك لا يمكن مقارنة العدد الإجمالي اليوم بأعداد المنتسبين الى الحزب في الماضي، أو حتى لا يمكن مقارنتها مع بقية الأحزاب، فالنظام الداخلي الجديد وُضع منذ عامين فقط، لذلك يمكن اعتبار الأعداد الحالية بمثابة انطلاقة جديدة لحزب جديد ذي رؤية عصرية جديدة وفتيّة تواكب العصر.

ترى سركيس أنّ نسبة المنتسبات تُعتبر مرتفعة جداً بالنسبة إلى حزب مُسلّح مِثل «القوات اللبنانية» كان ولا يزال يدافع عن القضية اللبنانية المحقّة، وأن تبلغ نسبة الانتساب النسائية الى صفوفه 30 في المئة فهذا أمر ملفِت ومهم ويُعتبر نسبةً عالية، لأنّ النساء في مفهوم المنطق البشري يهربنَ من كل أمر يذكّرهنّ بالحرب والأحزاب والتسلح. لذلك تلاحظ سركيس أنّ النظرة النسائية إلى حزب «القوات» اليوم هي نظرة إيجابية تَعتبر أنّ الحزب «وقت الحرب قوات ووقت السلم قوات».

أمّا على مستوى المراكز في الحزب، فتقول سركيس إنّ أعداداً لا يُستهان بها من النساء المنتسبات يتولّين مراكز مهمّة على صعيد رؤساء الأجهزة والمصالح، وهي تقارب الـ 20 في المئة، منها: رئيسة جهاز الشؤون الاجتماعية أنجليك خليل مسؤولة مكتب العلاقات مع الأحزاب الخارجية التي حقّقت إنجازاً منذ فترة بعدما أدرجت بجهودها حزب «القوات اللبنانية» عضواً بارزاً في الـEuropean people parliament EPP.

كما تبرز سفيرة الإعلاميات المستشارة القديرة لرئيس الحزب السيدة انطوانيت جعجع. ورئيسة جهاز تفعيل دور المرأة السيّدة مايا الزغريني، وعدد لا بأس به من الصيادلة السيّدات ورئيسات المصالح، والحزب هو اليوم في إطار التحضير للمؤتمر العام للانتخابات الحزبية المقبلة.

وفي السياق، تؤكّد مصادر «القوات» أنّ نسبة القواتيات المنتسبات في تصاعد تدريجي، ولا سيما المتخرّجات الجامعيات، بعدما أيقنَّ أنّ المدخل الأساس والأهمّ للوصول هو عبر الانتساب الى الأحزاب. فالنجاح في الحقول العامة وفي الانتساب الى الجمعيات لا يكفي وحدَه لتحقيق الهدف.

«التيار الوطني الحر»

بدورها، تكشف مسؤولة قطاع المرأة في «التيار الوطني الحر» السيدة جوسلين الغول، لـ«الجمهورية»، عن عدد المُنتسبات اللواتي يَحملن بطاقات وقد بلغ حتى اليوم وفق الإحصاءات الأخيرة نحو 7 آلاف منتسبة، أي ما يقارب 34 في المئة من عدد المنتسبن الإجمالي الى صفوف «التيار». وفي ضوء ما كشفَته، من المفترض أن يُقارب عدد المنتسبين الإجمالي الى صفوف «التيّار الوطني الحر» الـ 20 ألف منتسب، على أساس العملية الحسابية المئوية للسيّدات.

وتلفت الغول إلى أنّ «التيار يضع هدفاً موحّداً ومحدّداً لعمله، يسعى من خلاله الى رفعِ هذه النسبة الى 37 في المئة في أوائل آذار المقبل». وتكشف عن عمل اللجنة الخاصة للتحضير للانتخابات المقبلة التي تحاول وتسعى لإقناع المؤيدين بالانتساب، لكنّها تشير في الوقت نفسه الى أنّ نسبة الانتساب تصاعدية بمعدّل 3 و 4 في المئة حتى اليوم، آملةً أن ترتفع أكثر في المستقبل.

«بطاقة مؤيّد»

«غالبية مناصري «التيار الوطني الحر» هم من السيّدات»… مَن مِن اللبنانيّين لم يَسمع هذه العبارة؟ عبارة ليست بعيدة عن الحقيقة حسب الغول، إذ إنّ المعنيّات في «التيار» أعدّوا «بطاقة مؤيّد»، إلى جانب بطاقة المنتسب، والتي يَملكها الكثير من المناصرين، والتي تسمح لهؤلاء بالتعبير عن آرائهم من خلال الانتخاب والاقتراع داخل «التيار»، لكنّها في المقابل لا تُخوّلهم الترشّح الى لجنة مركزية أو هيئة وطنية وما شابَه. واللافت أنّ النّظام الداخليّ لـ«التيار» يمنع تشكيلَ أيّ لجنة لا تشارك فيها نساء.

علماً أنّ هناك ثلاثَ نساء فاعلات في الهيئة السياسية للتيار وفي المجلس الوطني للنساء وفي المجلس التنفيذي الذي تتولّى رئاستَه الغول بصفة رئيسة لجنة. وهي تكشف في هذا السياق أنّ النساء يُشاركن في كلّ لجان «التيار»، إنْ عبر مراكز أمانات السر أو عبر «الموارد البشرية» ومناصب أخرى مختلفة.

وتُشدّد الغول على أنّ هناك سيّدات ناشطات في «التيار الوطني الحر» منذ العام 1988، «كنّ وما زلنَ حتى اليوم يُثابرن وبالنشاط نفسِه لأنّهنّ يؤمنَّ بدورهنّ في المجتمع وبقدرتهنّ على التغيير».

بابُ الانتساب الى حزب «التيار الوطني الحر» مفتوح دائماً، أمّا العونيات المنتسبات فيؤكّدن أنّ وصولَ العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية سيَدفع بالكثيرات إلى الانتساب إذا أرَدن تحقيقَ أهدافهنّ بعد تأكّدهنّ من أنّ نضاله لم يذهب سدىً.

«المردة»

يضمّ تيار «المردة» 3500 منتسبة، أي نحو 30 في المئة من النسبة الإجمالية لحاملي بطاقة الانتساب، والبالغ عددهم حسب الإحصاءات الاخيرة 12 ألف منتسب. من الواضح أنّ تيّار «المردة» بدأ بإعطاء الفرصة للسيّدات المنتسبات الى صفوفه للإنخراط اكثر وبشكل محترف في الحقل السياسي ولاحتلال الواجهة السياسية في البلد من خلال المناظرات التلفزيونية، وإشراكهنّ في عملية تطوير الأداء السياسي للحزب.

وتكشف القيادية في تيار «المردة» السيّدة ميرنا زخريا التي نشَطت إعلامياً في الفترة الأخيرة، أنّ انتساب الذكور في التيار هو الأكثر ارتفاعاً كان ولا يزال، وأنّ التصاعد هو ذكوري أكثر، أمّا نسبة النساء المنتسبات فقد حافظَت على معدّلها الذي بلغَ 30 في المئة وبقيَ مستقرّاً حتى اليوم.

وتلفت زخريا إلى دور المرأة المهم في الماكينات الانتخابية والذي لم تشِر إليه بقية الأحزاب. أمّا في تيار «المردة» فقد كان رائداً بحيث تتسلّم «المردوية» مسؤولية الماكينة. ويسجّل أيضاً حضور نسائي لافت في عضوية المكتب السياسي، بالإضافة إلى المراكز القيادية التي تتولى زخريا أحدها.

وتجدر الإشارة الى رئاسة موقع تيار «المردة» الّذي تتولّاه السيّدة فيرا يمّين الناشطة السياسية والإعلامية والعضو في الهيئة القياديّة، وهي كان لها مواقف بارزة في «المردة» وفي المشهد السياسي العام هذه السنة.

وفي السياق، أعِدّ مشروع قانون في ضوء اجتماع نساء الأحزاب في فندق «فينيسيا» لم يعلَن عنه، ويحتاج الى دراسة اكثر، وهو مؤيّد للمرأة وليس ضد الكوتا، إذ في حال لم تُقرّ، فقد أجمعت النساء الممثّلات لكلّ الأحزاب على فكرة مشروع قانون يُسهّل تطبيقَ الكوتا، بحيث أيقنّ أنّ أكثر ما يعوق تطبيق الكوتا النسائيّة في دولة لديها 18 طائفة مِثل لبنان هي الكوتا الطائفية. لذلك خلصَت النساء المنتسبات الى الأحزاب لاستنتاج أنّهن يَحتجنَ للانتساب الى الحزب عوَض الانتساب الى الجمعية، وبالتالي اختصار الطريق.

تابعوا غداً تيار «المستقبل»، وحركة «أمل» والحزب التقدمي الاشتراكي و«حزب الله».