IMLebanon

اللبناني الذي لم يستشهد أمس!

هونيك، بهيديك الضيَع الحدوديه… هونيك في ناس لبنانيي مش حاملِين بجيابن إلّا هويّه وحده، ومَنُّن من اللبنانيي يلّي بيحملو جنسيتين وبيتركو الباسبور الأجنبي دايماً مخرطَش عَ خصرن.

هودي الناس إزا ما دافعو عن لبنان بيصيرو بَلا بلاد وبلا شرف، وهنّي بيرفضو يفلّو لأنّن متل ما بيخافو على حياتن بيخافو عَ البيوت والبقرات والشجرات والأرض ما حدا يسرقلن ياها… ولأنّن ما عم يفلّو قادرين نحنا نضلّ ببيوتنا.

بالأمس، غافَل الإجرام الديك قبل أن يوقِظ شمس 27 حزيران 2016 ودخل بلدة القاع الحدودية على متن أحزمة ناسفة يلبسها زبائن الحوريات وتسلّل إلى داخل أمان البلدة ليوقظ أهلها على صوت الإنفجارات ورائحة الأشلاء وتأوّهات المصابين… وفي الليل عاد وتسلّل خسيساً إلى قلب البلدة ليغتال السهر في عيون الساهرين على أمن عائلاتهم.

لم تكن حصيلة الشهداء فظيعة والربّ لطفَ بأهل البلدة والبقاع ولبنان بفضل همّة أبناء القاع واندفاعهم لحماية شرف بلادهم، وإلّا لكُنّا ما زلنا نحصي شهداء حتى هذه الساعة.

لحظة المجازر كان الجميع مواطنين ومن ثمّ تحوّلوا إلى شهداء أو جرحى والباقي شهود عيان، وكان المعتدون إرهابيين يريدون العبثَ بأمن الوطن… ولدى وصول الإعلام، اكتسَب الإرهابيون أسماء وجنسيات وانطلقت التحريضات، وعندما وصَل السياسيون وأفرَغوا ما في جوفهم مباشرةً على الهواء، أفقدوا الشهداء بُعدهم الوطني بفضحِ مذاهبهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية… وضاعت الطاسة كما العادة مع سياسيّينا الذين يهوون الاصطياد في كلّ البرك، الطاسة نفسها التي نضعها على رأس كلّ خبر فنُفقده بُعدَه الوطني ونزجّ بالضحايا في خانات دينية وسياسية تعكّر صفوَ تضحياتهم العابرة للطوائف.

في لبنان كلّ الطوائف مقاومة، وليست حِكراً على طائفة واحدة… وهناك عنفوان يَسري في عروق أبناء القرى اللبنانية، عنفوان يضفي إحمراراً إلى لون دمائهم ويجرّدهم من التعليبات التي يوضعون داخلها… صَدقوني لا تهمّ أبداً طائفة اللبناني الساكن على الحدود ولا حتى توجُّهه السياسي ولا إسم قريته، لأنّه لحظة الخطر لن يحرّك سوى انتمائه إلى الوطن وغريزته للدفاع عن الأرض والعرض… فالإلغاء يخيف الشيعي بقدر ما يخيف السنّي والمسيحي والدرزي، ويتساوون جميعُهم بتعلّقهم برائحة التراب الأحمر ودفاعِهم عنه وعن كلّ من يسير عليه.

والانتحاريّ سواء كان سورياً أو لا، ومهما كانت جنسيته، لا يجوز لنا مهاجمة السوريين القابعين في مخيمات اللاجئين أو تهديدهم والطلب بترحيلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشنّ حملات شعواء عليهم، فلعلّ مأساتهم أعظم من مآسينا وحالهم أقبحُ من أحوالنا، وهم مثلنا ضحايا للإجرام عينِه… ولكنّنا نطلب من دولتنا أن تضبط التحرّكات من وإلى خارج المخيمات، ونناشد اللاجئين أن يبادلونا كرَم الضيافة ويخافوا على أمن لبنان مثلما يخافون على أمن منازلهم وصحّة أولادهم، ونريد منهم أن يتحلّوا بالوعي الكامل لصدّ كلّ التحرّكات المشبوهة وعدم السماح للإرهاب بالتغلغل بينهم والتلطّي خلف وضعِهم الاجتماعي والإنساني، حتى نحافظ على أمن هذا الوطن الذي يحتضننا جميعَنا على أرضه، ولو مرحليّاً.

في الأمس افتدت عائلات مسيحية لبنان بكلّ طوائفه بأبنائها الأعزاء في أكثر من 9 هجمات إنتحارية خسيسة، وغداً لا سَمح الله يمكن أن يكون دور عائلات من طوائف أخرى.

ولذلك، لا بدّ أن نتحلّى جميعُنا بحسّ وطنيّ وانتماء شمولي غير موجّه، حتى نتمكّن من تثبيت رُكَبِنا عندما يضرب الإرهاب مجدّداً، لأنّ غسلَ الأدمغة يجرّد الانتحاريين من القدرة على التفريق بين المسلِم والمسيحي، ويحوّل أبناءَ آدم جميعاً إلى مشاريع أشلاء، لأنّ اللحم يصبح المادة الأساسية لبناء جسور الوصول إلى أحضان الحوريات.

حرام الانتحاري… فهو، غير أنّه بلا ثقافة وبلا أخلاق، لا يَعلم شيئاً عن تاريخ لبنان القديم والحديث، ولا يعرف قصصَ الطوائف اللبنانية الفولكلورية مع المقاومة والصمود التي بدأت منذ مئات السنين واستمرّت حتى اليوم.

حرام الانتحاري… فهو لا يَعرف عددَ الجيوش والدول والمؤامرات التي سَقطت في لبنان، ولا يعرف أيضاً أنّ اللبنانيين منقسمون على كلّ شيء، حرفياً كلّ شيء، باستثناء حبّهم لوطنهم واستعدادهم للموت من أجله.

نعم، نحن لدينا عسكر وقوى أمن، لكنّنا جميعاً جنود ولحمُنا عاسي ومخّنا فجّ مِتل الصخر… واللبنانيين الذين لم يستشهدوا في القاع هم مثال عن جميع اللبنانيين الذين يريدون الصعود من القاع.