IMLebanon

لبنان والهواجس الرئاسيّة!

»لا رئيس لا في 8 شباط، ولا في 6 شباط ولا في 14 شباط، لا رئيس ولا رئاسة، والأرجح أنّ خيار حزب الله هو لا جمهوريّة لبنانيّة أيضاً» كان هذا رأينا الذي سقناه في هامش حمل عنوان «خارطة طريق الرئاسة» في  17 كانون الثاني الماضي أي بفارق ثلاثة عشر يوماً على كلمة أمين عام حزب الله حسن نصرالله في 29 كانون الثاني الماضي والتي قطع بعدها سياسيّو اللحظة اللبنانية «الضائعين» في متاهة توهّم إنجاز الاستحقاق الرئاسي، حتى خلصت تصريحاتهم خلال الأيام الماضية إلى أنّ حزب الله مصرّ على تعطيل الرئاسة!!

وبصرف النّظر عن ادّعاء حسن نصرالله «الرّبح السياسي»، في محاولةٍ لإيهام جمهوره على الأقل المرهق بفعل الدّماء المراقة في سوريا، والضيق المادي الذي أرخى بظلاله عليهم على مستوى الضائقة التي يمرّ فيها لبنان منذ العام 2006 بفعل تعطيل حزب الله دورة الحياة الاقتصادية فيه، وبفعل الضائقة التي تعصف بالحزب، فموارده تضيق والخناق يطبق عليه بفعل تجفيف موارده من تبييض الأموال وتجارة المخدّرات التي يُنكر أي صلة له بها، وهذا الحصار مرشّح أن يضيق أكثر فأكثر، ولا يُراهننَّ أحدٌ على تغيير ما في سياسة حزب الله، لأنّ التغيير الحقيقي لا بُدّ آتٍ من إيران التي ستشرّع أبوابها على اضطراب حقيقي مع اللحظة الأولى لإعلان نبأ وفاة الخامنئي حيث ستبدأ الصراعات الداخليّة على وراثته، وللمناسبة علينا هنا أن نلفت القارىء إلى أنّ العمر الإفتراضي لـ»الجمهوريّة الإسلامية» انتهى، وعاجلاً أم آجلاً سيضطرّ الحرس الثوري الإيراني ومعه حزب الله إلى ترك بشّار الأسد لمصيره والإنسحاب من سوريا باتجاه إيران نفسها هذه المرّة، لتأمين استمرارية الحكم الديني القمعي، والمعادلة هنا بسيطة، أكبر إمبراطوريات التاريخ آلت إلى الانحلال والدمار بعد أربعة قرون أو خمسة أو ستة في أحسن الأحوال، وما كان يُقاس بالقرون في الزمن القديم يُقاس اليوم بالعقود، وإذا كانت خارطة منطقة الشرق الأوسط بأمها وأبيها لم تعش أكثر من خمسة أو ستة عقود منذ خمسينات القرن الماضي، مع هكذا قياس نستطيع أن نقول إنّ عمر إيران «ثورة الخميني» الإفتراضي شارف على نهايته، وكلّي ثقة بأنّنا سنرى قول الله يتحقّق في إيران: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُون* أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [النحل/46 ـ 47].

لم يتفاجأ اللبنانيون بالأمس بهرطقات النائب وليد جنبلاط الرئاسيّة «التويتريّة» عن «رئيسنا المستقبلي سيأتي على سجادة ايرانية»!! اعتاد اللبنانيّون هذا «الشؤم» الذي يوزّعه يمنة ويسرة، خصوصاً وأنّهم اكتشفوا منذ العام 2008 أنّ جنبلاط لا يملك لا رادارات ولا لواقط ولا أنتنات، وجلّ ما في الأمر أن جنبلاط يميل بحسب ميْل الرياح، سبق وجرّبناه يوم تسبّب بـ 7 أيار وكوارثه، وجرّبناه في العام 2009 بعد الانتخابات النيابيّة ـ وقبل تويتر ـ عندما أخبرنا أنّه «يحنّ إلى الشام»، واستعجل الذهاب علّه يحجز له مكاناً تحت وطأة زيارة الرئيس سعد الحريري لدمشق من ضمن سلّة المصالحة التي سعى إليها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز…

وجه جنبلاط بالأمس سهامه إلى الجيش اللبناني وقائده العماد جان قهوجي ـ الموجود في زيارة أميركية ـ من بوابة العميل الإرهابي ميشال سماحة، وهذا كلام «نكوزة» أو «نقزة» للبيك لسبب سيتضح لاحقاً، إلا أنّ ما لم يعد مسموحاً أبداً لهرطقات النائب جنبلاط هو بعث الأسى والاستسلام وبثّ سموم أفكاره التوهميّة من قبيل تنظيره غير المسؤول بتوقعه «عودة الهيمنة السورية بشكل مباشر الى لبنان، من دون أن تشمل عودة للقوات السورية»، ونظرية جنبلاط «العبقريّة» ركبت تحت عنوان «سوريا المفيدة»، فطلع معه أنّ «لبنان قد يصبح محافظة جديدة في «سوريا المفيدة» التي يسعى المحور السوري الإيراني إلى إقامته، والتي تمتدّ من درعا الى طرطوس واللاذقية، وتشمل لبنان أيضاً»!! لا أحد يستطيع أن يجاري الأوهام الجنبلاطيّة في خبريّة لبنان «المحافظة السوريّة»، وليد جنبلاط يؤمن بما يُسمّيه «تقيّة» القدر، نحن نؤمن بالله ونثق بقدرته على الجبابرة والفراعنة والأكاسرة، ونؤمن بلبنان الذي لم «يغلبه غلاب» منذ كان لبنان بكلّ المحتلّين الذين مرّوا عليه وآخرهم «الهيمنة السوريّة» التي يخوّفنا بها وليد جنبلاط، وبالرئيس الآتي على السجادة الإيرانيّة!!

لا يعنينا التشاؤم ولا التفاؤل الجنبلاطي، الرجل فقد كل «بواصل» اتجاهاته، وهو يمضي وقته في التغريد عبر تويتر، ويا ليته تغريد بـ»عازة»، الأفق الرئاسي اللبناني مسدود حتى إشعار آخر، والزمن السوري لن يعود إلى الوراء، ولا الزمن الإيراني سيبقى مقيماً بقدرة صواريخ حزب الله ـ وهي للمناسبة ترسانة صواريخ ستصدأ وسيبلّها الحزب ويشرب ميّتها وربما يطلب المساعدة للتخلّص منها ـ لبنان عاش عشرين عاماً من الحرب بمجلس نيابي انتخب في العام 1972 واستمر يمدّد لنفسه حتى العام 1990 وأقر تعديلات الطائف، عاش برؤساء حكومة ومن دونها يستقيلون يعتكفون يغتالون، عاش من دون رئيس جمهورية عامين مدمّراً محطّماً ومع هذا بقي لبنان برغم كلّ ما مرّ عليه من «فراعنة» و»فرعنة» لم تستطع أن تكسره، اسمحوا لي أن أقول إنّ من يلعب اليوم دور فرعون أو كسرى المنطقة، سنشاهد فيه قول الله الحقّ يتحقّق ورأي العين: {وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ* كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر/ 41 ـ 42]، أما بثّ تغريدات التخويف المشينة بحقّ أصحابها، لم تعد منذ زمن بعيد تخيف اللبنانيين!!