IMLebanon

لبنان بين الهول والتهويل

يعيش لبنان مرحلةً من الهول والتهويل من تداعيات التطوّرات الإقليمية السياسية والميدانية عليه، ما خَلق جوّاً من الهَلع السياسي مخافة أن تنتقلَ الأزمات المتفجّرة إلى ربوعه. فهل هذه المخاوف في محَلّها.

يَجزم أكثر من رأي سياسي وديبلوماسي وعسكري أنّه ما لم تَطرأ تطوّرات دراماتيكية مفاجئة في سوريا من قبيل سقوط دمشق أو حمص وتأثيرهما على العمق والواقع اللبنانيين، فإنّ الستاتيكو القائم سيستمرّ، ويستمرّ طويلاً، في ظلّ استبعاد حصول تطوّرات من هذا النوع في المدى المنظور، إلّا في حال وجود قرار دولي-إقليمي بتغيير المعادلة في سوريا وتسريع الحلّ، الأمر الذي لا يبدو أنّ ظروفه قد نضَجت بعد.

وتتقاطع الآراء السياسية والديبلوماسية والعسكرية عند رفض تضخيم أحداث القلمون، واستطراداً عرسال، وتهديدات السيّد حسن نصرالله بأنّ الأهالي سيتكفّلون بمهمّة «دحر» الجماعات السورية في حال لم تتحمّل الدولة مسؤولياتها، واضعةً هذا الموقف في السياق المبدئي لا أكثر ولا أقلّ، خصوصاً أنّ الحزب لن يجازفَ بضَرب المتنفّس الوحيد له وللنظام السوري في لبنان طالما إنّ الأمور في سوريا ما زالت تحت السيطرة.

فلبنان سيبقى بمنأى عن التطوّرات العسكرية في حال لم تتّخذ القوى الإقليمية بغطاء دوليّ قرارَ محاصرة النظام السوري تمهيداً لإسقاطه، حيث إنّ الردّ الإيراني سيكون في لبنان بإسقاط الحكومة وفرض أمر واقع أمني-عسكري انطلاقاً مِن معادلة بيروت مقابل دمشق، ولكن في حال لم يَشهد الواقع السوري انقلاباً نوعياً وبقيَت الأمور ضمن الكرّ والفَرّ وحتى في ظلّ تقدّم المعارضة التكتي لا الاستراتيجي، فالوضع في لبنان سيحافظ على استقراره.

والمقصود بالاستقرار ليس الأمنيّ فقط، بل السياسي أيضاً، بمعنى أنّ الحكومة لن تسقطَ على وقع الخلاف حول التعيينات العسكرية، لأنّ القرار باستمرارها هو نفسُه الذي كان وراء تأليفها، ولا مؤشّرات إلى تبَدّل في الموقف الإيراني ولا السعودي ولا الدولي بطبيعة الحال، وبالتالي قرار إسقاط الحكومة أو تعليق عملِها هو قرار خارجي لا محَلّي، ولذلك حدود اللعبة السياسية وسقوفُها ومناوراتُها ستبقى ضمن الخطوط الحمر الدولية-الإقليمية المرسومة، فلا خوف على هذا المستوى.

كما أنّ الحوار بين «حزب الله» و»المستقبل» سيتواصل ضمن حَدِّ الردود المتبادلة وتوازن الرعب وحدّ «الجلوس معا» في إشارة إلى أنّ الأمور في لبنان لن تنزلقَ مِن المواجهات السياسية إلى العنفية، خصوصاً أنّ الحزب باتَ على يقين أنّ انفلاتَ الأمور يعني سقوط الحواجز أمام دخول «داعش» إلى لبنان، فلا شيء يَحول دون تحوّل لبنان إلى نسخة مكرّرة عن سوريا والعراق إلّا التقاطع المشترَك بين «حزب الله» و»المستقبل» برعاية دولية-إقليمية على تجميد الوضع في لبنان وحمايته.

ومِن هنا الحزب لن يُكرّر تجربة إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري طالما إنّ خطرَ سقوط النظام السوري ما زال مستبعَداً، لأنّه يدرك أنّ كلفة أيّ خطوة من هذا النوع ستكون الفوضى والفتنة.

وأمّا على المستوى العسكري فالجيش لن يسمحَ باختراق الحدود اللبنانية، وقد وضَع التحصينات اللازمة وعزّزَ حضورَه بالشكل الذي يَمنع أيّ اختراق من هذا النوع، فلا خوفَ إطلاقاً على هذا الصعيد، وهو يَحظى بغطاء دولي وإقليمي ومحَلّي، فيما أيّ مهمّة خارج إطار الإجماع الوطني لن يقدِمَ عليها لا في عرسال ولا لجهة التنسيق مع الجيش السوري، وهذا الأمر أيضاً متفاهم عليه على رغم محاولات شَدّ الحبال السياسي، وهناك تقاطع على التنويه بالإدارة العسكرية الحكيمة لأخطر وأدقّ مرحلة منذ العام 2005.

وقد ساهمَ التوافق السياسي على قضية الاستقرار والضبط العسكري على الحدود في تشديد القبضة الأمنية في الداخل التي نجحَت في ضرب الخلايا الإرهابية ومنع أيّ محاولات لهزّ الاستقرار في الداخل.

وفي موازاة الصورة العسكرية-الأمنية لا تتوقّع الأوساط السياسية والديبلوماسية والعسكرية أيّ انفراج في الانتخابات الرئاسية التي ستبقى معلّقة إلى حين نضوج التسويات الخارجية والتي على عكس غبار المعارك يمكن أن تشهدَ خروقات في اليمن ولبنان في مرحلة غير بعيدة، والمقصود تسوية يمنية تعيد المختلفين إلى طاولة الحوار تحت السقف السعودي، وانتخابات رئاسية في لبنان تساهم في تعزيز الوضع السياسي.

وشَدّدت الأوساط أنّه ما لم تُجرَ الانتخابات الرئاسية فلا تعيينات عسكرية، وذلك لسبَبين أساسيَين: الأوّل، لأنّ سببَ التمديد العسكري هو الفراغ الرئاسي، فيما لو جرَت الانتخابات الرئاسية في توقيتها لكان التعيين تمَّ بشكل تلقائي، وبالتالي لا يجوز تجميد الرئاسة والدعوة لتحريك المواقع الأخرى، خصوصاً إذا كان الهدف ليس التعيينات بقدر إزاحة أحد المرشّحين الأساسيين. والسبب الثاني، لأنّ طبيعة المرحلة العسكرية في القلمون واستطراداً عرسال لا تسمح بأيّ تغيير في هذه المرحلة.

وقالت الأوساط إنّ الجميع في الداخل والخارج وصلَ إلى قناعة باستحالة انتخاب رئيس يشَكّل نقزة لدى السُنّة والشيعة، وأنّ المطلوب في هذه المرحلة استنساخ تجربة الرئيس تمّام سلام في رئاسة الجمهورية.

فعنوان المرحلة هو إدارة الأزمة التي تحوّلت هذه المرّة إلى مصلحة لبنانية، لأنّه خلاف ذلك يعني الدخول في الأزمة، لأنّ الحلول الكاملة والنهائية ما زالت مستبعَدة.

وختاماً قالت الأوساط إنّ هناك منحىً لإخضاع اللبنانيين لمقدارٍ كبير من الهول والتهويل لأسباب بمعظمها معلومة، فيما الأمور كانت وستبقى تحت السيطرة.