IMLebanon

لبنان بين حِراك البنك الدولي والحِراك المدني

تظاهرة الأحد الماضي ضدّ فرضِ ضرائب جديدة، قرأتها أوساط سفارات غربية في بيروت على أنّها مشهد متصل بتظاهرات الحراك المدني التي حدثت العام الماضي على خلفية أزمة النفايات. والسؤال يركّز على كيفية تحرُّكِ الحكومة لاستيعاب طفرة الشارع الجديدة، وفي المقابل هل يتبع الحراك هذه المرّة تكتيكات جديدة تتجنّب أخطاء المرّة الماضية؟

يرى متابعون غربيون وعرب للحراك انطلاقاً من سفاراتهم في لبنان، أنّ سلميته أثناء تظاهرات العام الماضي تعرّضت للمس، ما هدَّد الاستقرار، وهو أمر لا يريده المجتمع الدولي. وأيضاً أخطأ الحراك في المرّة الماضية، حينما سعى إلى «حرق المراحل»، وسمّى انتفاضته المطلبية بـ«ثورة»، وهي تسمية غير مقبولة.

وأخطأ مرّة ثالثة، فبدل أن يجذب إليه القواعد الاجتماعية للطوائف عن طريق عدم استفزاز ثوابتها المعنوية ورمزية أشخاص في أحزابها، فإنه تحدّاها، ما قاد الحراكَ الاجتماعي إلى أن يجد نفسَه في مواجهة شوارع النعرات الطائفية والمذهبية، وذلك في أكثر من مشهد وواقعة.

وتقول معلومات إنّ ورشة مراجعة لتجربة الحراك، شارَك فيها بعض رموزها، جرَت الصيف الماضي، بإشراف جهة غربية، وخلصَت إلى استخلاص الملاحظات المبينة أعلاه.

ويفيد سياق المعلومات عينه، أنّ تجربة «لائحة بيروت مدينتي» التي ترشّحت باسم المجتمع المدني خلال الانتخابات البلدية الأخيرة عن مدينة بيروت، يجري الآن بإشراف الجهة الغربية عينِها، تحضيرٌ لتعميمِها على كلّ مناطق لبنان أو بعضِها على الأقلّ.

وتشير هذه المعلومات إلى اجتماعات تعقدها أسماء نخبوية من كلّ مناطق البلد وطوائفه، لدرس إمكانية تأطيرها في لوائح انتخابية تكون على وزن «لائحة بيروت مدينتي»، لتشاركَ في أكثر من دائرة انتخابية.

وشرط نجاح هذه التجربة، في رأي معِدّيها، هو أن تجري الانتخابات النيابية ضمن مناخ نهوض الحراك المدني مجدّداً. واللافت أنّ المتابعين لهذه المحاولة يشيرون إلى أهداف متعدّدة ومتضاربة خلال تفسيرهم للهدف الذي يحدو جهاتٍ غربية إلى إعطاء زخم جديد لتجربة الحراك المدني وتحويله مناخاً سياسياً سلمياً في الشارع، يمكنه عبر المشاركة في الانتخابات النيابية، إحراز حضور معتبَر في معادلة السياسة الداخلية اللبنانية.

وهناك رأي يشير إلى أنّ هدف المشجّع الخارجي للحراك هو «ضرب الفساد»، ورأي آخر يقول إنه يضمر أجندة سياسية تستهدف في العمق «حزب الله» وتجعله في مواجهة قاعدة اجتماعية شيعية ولبنانية من نوع آخر.

وأصحاب هذا الرأي رسَموا إشارةَ استفهام وراء حادثة اشعال مجهولين اعتراضاً على الضرائب، إطارات لقطع طريق مدخل الضاحية من جهة كنيسة مار مخايل، ثمّ فرّوا قبل وصول قوى الأمن!

ورأي ثالث يَزعم بأنه دولياً بات مطلوباً، هزُّ شجرةِ الطبقة السياسية في لبنان. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه خلال تقويم نِسَب مشاركة الطوائف في حراك العام الماضي، تبيَّن أنّ الشيعة جاؤوا أوّلاً، ثمّ الدروز ثانياً، والمسيحيون ثالثاً.

كذلك بدا أنّ مشاركة النسوة الشيعة والدروز كانت لافتةً بالمقاييس النسبية لمجمل المشاركة. ومن وجهة نظر أصحاب هذا الرأي فإنّ حراك العام الماضي كان «بروفا»، وإنّ خلاصاته قد تُستخدم الآن دليلاً يرشِد الحراك الجديد ويوجّهه نحو أهداف محدّدة.

وفي مقابل الحراك المدني الذي أطلّ برأسه مجدّداً وهو مثقل بتكهّنات عمّا إذا كان توقيته أبعد من أنه انعكاس طبيعي لاحتقان اجتماعي موجود، بل له ايضاً مطالب سياسية خارجية وداخلية، وأيضاً أبعاد على صلة بنزاعات اقتصادية ومالية واجتماعية، هناك من يلفت إلى وجود حراك آخر يتفاعل في الظلّ في البلد، وهو مزوّد رؤية مالية واقتصادية وسياسية إصلاحية، ويقودها البنك الدولي.

واستناداً إلى مصادر التقت أخيراً بموفدين من البنك الدولي زاروا لبنان، يمكن إدراج الملاحظات الآتية التي توضح ما هو معروض دولياً من مساعدات على لبنان، لكي ينقذ نفسَه من محنة اقتصادية واجتماعية مقبلة، وضمن أيّ اعتبارات وشروط ولأيّ غايات:

أوّلاً – جوهر الفكرة المعروضة من البنك الدولي، تطرح أنّ الأخير مستعدّ لخفضِ تصنيف لبنان من دولة «b –» أي «ب سلبي» كما حاله الآن، إلى دولة فقيرة. مفاد مزايا هذا العرض يقع في أنّ مجرّد تصنيف لبنان دولة غير فقيرة، تَجعله لا يستأهل تقديمَ قروض له من البنك الدولي بفائدة صفر أو بنسَب على جمام الصفر، بينما خفضُ تصنيفِه ليصبح دولة فقيرة يؤهّله لنيل هذه القروض المعفية من الفوائد لتمويل عمليات إصلاح قطاعات البنى الأساسية اللبنانية ( كهرباء واتصالات، الخ…).

بحسب تعريفات البنك الدولي، فإنّ البلد الذي لا يتعدّى معدّل دخلِ الفرد السنوي فيه الألفي دولار يصنَّف دولة فقيرة، بينما تصنيف معدّل دخل الفرد في لبنان المعتمد هو ثمانية آلاف دولار سنوياً. لذلك كانت القروض له تخضع لمعدّلات فائدة معيّنة.

ثانياً – يضع البنك الدولي شروطاً لتقديم تمويله من دون فوائد على أساس لبنان دولة فقيرة، أبرزُها تمويل مشاريع إصلاح شامل في القطاعات وليس إصلاحات جزئية.

ثمّة مثلٌ مطروح يفسّر المقصود بالإصلاح الشامل: ففي قطاع الكهرباء مثلاً يصل العجز السنوي إلى ملياري دولار، وفي حال تمّ إصلاح حلقة الإنتاج فقط في هذا القطاع من دون الحلقتين الأُخريين فيه (التمديد والجباية)، فإنّ العجز سيتضاعف لـ4 مليارات دولار، لأنّ كلفة الإنتاج ستزيد وسيتضاعف في مقابلها الهدر بمستوى يناسبه في الحلقتين الأخيرتين اللتين ستبقيان على اهترائهما.

ثالثاً – البنك الدولي يريد تمويلاً مشروطاً بإخضاع قطاعات الدولة لخصخصة جزئية، ويقوم هو بتمثيل أسهمِ الدولة داخل الخصخصة، ما يخوّله فرض لائحة شروطه عن عدد موظفي كلّ قطاع وسبل مكافحة الفساد في داخله.

رابعاً – يبدو لافتاً أنّ ما هو معروض على لبنان لجهة خفضِ تصنيفه لدولة فقيرة، معروض أيضاً على الأردن، وكلاهما بسبب أنّهما يواجهان أزمة استضافة مكلفة للنازحين السوريين، وخطرَ التشظّي من الإرهاب في جوارهما.

وفي الخلاصة فإنّ كلّاً مِن بيروت وعمّان مدعوّتان إلى «وظيفة إقليمية وسطية» داخل حريق المنطقة، وعليه، هناك اتّجاه دولي لهندسة المسرح الداخلي لأوضاعهما على نحو يَخدم هذه الوظيفة.