IMLebanon

لبنان غير موجود على الخريطة الجيوسياسية

لا تسويات. لا تنازلات. لا تفاهمات. لا مفاوضات. لا صفقات.

هذا هو واقع المرحلة الراهنة في الشرق الأوسط، في انتظار جلاء نتائج الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية الشهر المقبل، ثم انشغال واشنطن لشهور، في تشكيل الإدارة الجديدة وإعادة هندسة سياستها الخارجية بما يُحقّق مصالحها الإستراتيجية.

لهذا السبب، تعثّرَ تفاهُم كيري – لافروف، واجتازت روسيا جانباً من الخطوط الحمر في سوريا، من دون التعرُّض للمصالح الإسرائيلية أو التركية.

ولهذا السبب، تندفع موسكو لتحويل المناطق التي يسيطر عليها معارضو النظام السوري في حلب الى جهنم حقيقية، بعدما كانت، قبل فترة قصيرة، تنادي بالحل السياسي، وتروِّج لوقف العمليات الحربية بالإتفاق مع واشنطن. وها هي اليوم تتّجه الى حسم عسكري سريع قبل أن تستعيد واشنطن وعيَها الرئاسي وتوازَنها الدولي والسياسي.

ولهذا السبب، تُسارع روسيا الى توسيع قاعدتها العسكرية البحرية في طرطوس وتنشر أحدث منظوماتها للدفاع الجوي فوق سوريا، لتضمن لها حضوراً فاعلاً وطويل المدى في المنطقة، وعلى البحر الأبيض المتوسط.

في الواقع، تستغلّ روسيا هذا «الوقت الأميركي الضائع» لتجمع أكبر عدد من أوراق القوة، وتفرض أمراً واقعاً على الإدارة الأميركية المقبلة، قبل أن تعود الى الجلوس معها على طاولة المفاوضات والمقايضات.

في المقابل، لا تملك الديبلوماسية الأميركية غير الإنسحاب من المفاوضات مع روسيا على المستوى الإستراتيجي، من دون أن تقطع خطوط التواصل معها.

لكن سيّد الكرملين لن يقف متفرّجاً، بل سيجعل الأميركيين يدفعون ثمن خفض المحادثات مع موسكو، وذلك من خلال زيادة الدعم العسكري للنظام السوري من جهة، و»التشويش» على العمليات العسكرية التركية من جهة أخرى.

وتؤكد معلومات ديبلوماسية أن التهديدات الأميركية رداً على «الإجتياح الجوي» الروسي، ليست جدّية، وإنما تدخل في إطار التسريبات والمناورات.

في ظل هذه الأجواء والمعطيات، يستمر منسوب الإشتباك الإقليمي بين السعودية وإيران في الإرتفاع الى مستويات غير مسبوقة. ولن تهادن إحداهما الأخرى، ولن تقدّم لها لا هديةً ولا تنازلاً، وبالتالي لن ينعكس ذلك على الإستحقاق الرئاسي في لبنان برداً وسلاماً.

وفي مقابل كل هذه المعطيات، يتقاذف اللبنانيون إتهامات بتعطيل إنتخابات الرئاسة، ولا يتعب كثير من الأفرقاء السياسيين من المراهنة على إمكان تمرير خيار رئاسي بمعزل عن الحسابات والتعقيدات الإقليمية.

إنها مرحلة إنتظار، لا يملك فيها اللبنانيون صنع القرار. إنها مرحلة تجميع أوراق لا خلط أوراق، وليس فيها تنازلات ولا هدايا في سلّات.

واللافت أن تقريراً غربياً مهمّاً صدر أمس يتحدّث بالتفصيل عن توقعات جيوسياسية للمرحلة المقبلة في السياستين الأميركية والروسية في الشرق الأوسط، وعن كل دولة وتنظيم في المنطقة، إلّا لبنان، إذ لم يأتِ على ذكر أي شيء يتعلق به، وكأنه غير معني أو غير موجود على الخريطة السياسية.