IMLebanon

لبنان معني بما اكتشفته قبرص في المياه

انزعجت بعض الأوساط من التوصيف الذي منحه قبل فترة، مايكل هايدن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، للبنان بالقول انه دولة فاشلة تقريباً. لكن الوقائع تُثبت ان هايدن كان مهذباً، أو حذراً أكثر من اللزوم، باستخدام عبارة تقريباً، لأن البلد دخل مرحلة الفشل اليقين.

قبل اسبوعين تقريبا، زار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبرص حيث التقى نظيره القبرصي نيكوس أناستاسياديس. الخبر الذي لم يستوقف السلطات اللبنانية، بسبب الانهماك بملفات داخلية، كان في النتيجة يعني لبنان لجهة الثروة النفطية الموجودة مبدئيا في قعر البحر.

وقد ركّزت المحادثات القبرصية-الاسرائيلية على التنسيق والتعاون في استغلال الثروة الغازية. وليس من المستبعد ان يكون الطرفان قد اتفقا على خطة لاعادة احياء فكرة انشاء مصنع لتسييل الغاز في قبرص، ومد انابيب لتصدير الغاز الى اوروبا.

هذا التطور، تُضاف اليه مؤشرات أخرى يوحي بأن الحكومة اللبنانية الغارقة في النفايات، غير قادرة على متابعة ملفات حيوية مثل ملف استخراج الغاز والنفط.

اضافة الى هذا الجانب التقني، والذي قد يقضي على الجدوى الاقتصادية للغاز اللبناني، هناك مؤشرات اخرى ينبغي ان تتم متابعتها بدقة. اذ يبدو ان المعلومات التي تسربت حتى الان عن اعمال التنقيب التي تقوم بها السلطات القبرصية لآبار يُفترض ان تكون غنية بالغاز في مياهها الاقتصادية، تشير إلى أنّه تبين اليوم للشركة التي تتولى أعمال الحفر انها شبه جافة، ولا توجد فيها كميات كافية للاستغلال التجاري. وبالتالي، صُرف النظر حتى الان عن بئرين كانت السلطات القبرصية تعوّل عليهما لاستخراج الغاز.

ويعرف من يتابع قضايا النفط، ان هذا النوع من المفاجآت غير السارة وارد دائما، رغم المؤشرات الايجابية التي تكون قد أعطتها الشركات المتخصصة التي تجري المسوحات الاولية. وبالتالي، فان هذه النتائج المخيبة هي عنصر اضافي سوف يُثقل كاهل ملف النفط اللبناني في حال وصلنا الى مرحلة تقديم العروض لاستقطاب شركات تتولى التنقيب والاستخراج.

الى ذلك، هناك نقطة ثالثة ليست في مصلحة الغاز اللبناني تتعلق بعودة ايران الى الحظيرة الدولية بنتيجة الاتفاق النووي. هذه العودة، وفي حال تكرست من خلال تصديق الكونغرس الأميركي الاتفاق في ايلول المقبل، تعني على المستوى النفطي ان طهران سوف تستأنف تنشيط عمليات تصدير الغاز الى العالم.

ومن المعروف ان ايران تمتلك كميات كبيرة من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي. واللافت اكثر، ان طهران أعلنت على لسان مسؤوليها، وبُعيد توقيع الاتفاق النووي، انها ستعطي الاولوية في موضوع النفط، لزيادة تصدير الغاز .

وبالتالي، فان حظوظ لبنان في التمكّن من استخراج الغاز تصبح ضعيفة وضعيفة جدا. اذ ان اسرائيل سبق وعقدت اتفاقاتها مع دول المنطقة ومن ضمنها مصر والاردن لتصدير الغاز اليهما.

وهي تواصل التخطيط للتصدير الى اوروبا عبر الانابيب. وسوف تتولى ايران تغطية اي ثغرة اخرى في المنطقة تحتاج الى استيراد الغاز. وفي هذه الحالة، الى اين يمكن ان يُصدّر لبنان غازه في حال قرر ان يستخرجه؟

السؤال الآخر المطروح، وفي حال تمّ تجاوز قضية المرسومين العالقين في متاهة المصالح السياسية، والحسابات الضيقة، كم هو عدد الشركات الذي يستطيع لبنان استقطابها الى مناقصات استخراج النفط، خصوصا بعدما تبين في التجربة القبرصية، ان بعض الآبار التي تم تشخيصها قد تكون جافة.

في التجربة الاولى نجح لبنان في جذب اهتمام حوالي 45 شركة عالمية واقليمية، ولكنه في المرة المقبلة، وقياسا بالظروف والمعطيات القائمة، لن يتمكن من جذب سوى نسبة ضئيلة من هذا العدد، وربما لن يجذب سوى شركات درجة ثانية، ولن تكون العروض المقدمة مغرية كثيرا.

وهنا تنبغي الاشارة الى ان اسعار النفط والغاز قد تستمر في التراجع عالميا، والتقديرات التي يتم تداولها حاليا تشير الى ان السعر المنخفض سوف يستمر لسنوات طويلة، وبالتالي، لا يمكن الرهان على عودة الاسعار الى الارتفاع قريبا.

في هذا المناخ القاتم، جاءت نتائج المسح البري الذي أجرته شركة «نيو جيو سولوشن» Neos GeoSolutions الاميركية مُشجعة في شأن وجود ثروة نفطية في البر اللبناني أيضا. وقد وصف رئيس الشركة جيم هوليس النتائج بأنها أظهرت توفر امكانات هائلة للنفط والغاز في البر الذي جرى مسحه.

كل هذه النتائج لا تجدي نفعا، والمشكلة ليست في الثروات بل في العقليات، والدول التي تعاني المصاعب ليست الدول الفقيرة في ثرواتها، بل الفقيرة في عقول من يديرها. والامثلة كثيرة مثل فنزويلا، العراق، بورتوريكو، اليونان… ولبنان طبعا.