IMLebanon

لبنان تحت المظلة الأميركية وليبيا تحت الضوء

ما ان وصل الرئيس الاميركي دونالد ترامب والوفد المرافق الى واشنطن مختتماً زيارته الخارجية الاولى حتى تيقّن عمق المأزق الذي يُهدّد استمراره في البيت الابيض على رغم الانتصار المالي الكبير الذي حقّقه في المملكة العربية السعودية أولى محطاته الخارجية.

كان الرئيس الاميركي يأمل بلا شك في انتصارات سياسية الى جانب انتصاراته المالية، لكنّ العقبة الاسرائيلية بدت له معقّدة أكثر ممّا توقع، فاكتفى بتكليف مبعوثه الخاص جيسون غرينبلات البدء بجولة مفاوضات جديدة هذا الاسبوع تحت إشراف صهره جاريد كوشنر، وهذا الاخير هو الذي يسيطر على الفريق الرئاسي، ويقال إنه هو الذي وقف وراء ابعاد المستشار القوي ستيف بانون عن مجلس الأمن القومي.

وفيما نصح خبراء سابقون في ملف التفاوض الاسرائيلي – الفلسطيني ومن بينهم دنيس روس بأنّ ليس ثمة أفق للنجاح لأنّ ترامب وفريقه لم يقدّما حلولاً عادلة وغير تقليدية يمكن البناء عليها، فإنّ غرينبلات لا يزال يأمل في استعادة مشاريع التسوية القائمة على المراحل الثلاث:

الاول، وقف بناء المستوطنات من الجانب الاسرائيلي والعنف وشرعية المقاومة من الجانب الفلسطيني، والثانية تحديد جغرافية الدولة الفلسطينية وهيكليتها، والثالثة فتح ملفات فلسطينيّي الشتات.

لكنّ وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان عاجَل مهمّة غرينبلات قبل ان تبدأ حين قال: «لا تستطيع الولايات المتحدة الاميركية أن تُملي علينا وقف بناء المستوطنات».

لكنّ فريق ترامب يراهن على ورقة التطبيع المغرية بين دول الخليج العربي خصوصاً واسرائيل، بعدما أظهرت الحالة العدائية لإيران وهاجس توسّع نفوذها تقليصاً للمسافة بين بعض الدول العربية واسرائيل.

لكنّ المشكلة الداخلية التي تطوّق البيت الابيض تبعث القلق داخل فريق ترامب، فالتحقيقات وصلت الى كوشنر نفسه. صحيح أنه لا يخضع لهذه التحقيقات كمتّهم، لكنّ الإشارة كبيرة والملفات المفتوحة حساسة جداً.

فماذا يعني وجود تقارير عن اتصالات عرض خلالها كوشنر على السفير الروسي إقامة قناة تواصل سرية وآمنة مع الكرملين مقترحاً استخدام مبان ديبلوماسية روسية لهذه الغاية؟ وماذا يعني وجود تقارير أخرى حول رهان للمخابرات الروسية على قدرة بول مانافورت مدير حملة ترامب ومايكل فلين المستشار السابق للأمن القومي على تكوين آراء ترامب وتشكيلها في شأن روسيا!

الاشارة الابرز في هذا الملف أنّ اجهزة الاستخبارات الاميركية الفاعلة باشرت حربها على ترامب، وهي بدأت تخلق له المتاعب لتصويره مرة كرئيس صنعته روسيا، ومرة أخرى كمسؤول غير أهل للموقع الذي يشغله نتيجة فضائح الكشف عن مصدر خرق «داعش» وعن تهور إدارته في التعاطي مع التعاون البريطاني إزاء هجوم مانشستر.

واذا كان العداء معروفاً بين ترامب والـCIA، فإنّ الـ F.B.I انتقل الى ضفة محاربة ترامب بعد قرار إقالة مديره المحبوب جيمس كومي.

وعلى رغم التحسن الكبير الذي يطاول القطاع الاقتصادي الاميركي والذي سيزيد منه ما تحقّق من عقود خلال زيارته للسعودية، فإنّ الواقع الداخلي الصعب فرضَ إعادة صوغ اسلوب ترامب مثل اقتراح إنشاء فريق من المختصين لمراقبة رسائل ترامب عبر «تويتر» قبل نشرها.

كذلك لفت تحديد مدة إلقاء كلمات المشاركين في مؤتمر دول حلف شمال الاطلسي ما بين دقيقتين واربع دقائق بسبب ترامب وعادته في الخروج عن النص والتسبّب بمواقف مرتجلة تؤدي في الغالب الى أزمات.

ولأنّ ملف التسوية الاسرائيلية – الفلسطينية سيأخذ وقتاً وجهداً اكبر ممّا يستطيع ترامب تحمّله، فإنّ الرئيس الاميركي يعزز اندفاعته للانتصار على «داعش» يمنحه استثماراً داخلياً قوياً.

وفي المقابل، يُصعّد التنظيم الارهابي من مستوى حربه وعملياته أولاً لتخفيف الضغط الهائل الذي يطاول «دولته» في العراق وسوريا والذي يُنذر بنهاية قريبة لها، والثاني مع حلول شهر رمضان المبارك ما يشكّل حافزاً لعناصره وكوادره.

وفي هذا الاطار جاءت عمليتي مانشستر ومصر التي يتزايد فيها النشاط الارهابي لـ«داعش» في وقت يتراجع نفوذ التنظيم وقدرته في العراق وسوريا. وعدا أنّ مصر تشكل هدفاً «ملحّاً» كونها الحصان القوي الذي يراهن عليه ترامب في الشرق الاوسط، فإنّ لـ«داعش» دوافع أخرى مثل السعي لإرهاب المسيحيّين لإخراجهم من مصر وهزّ التعايش في البلدان التي تشهد جانباً من جوانب الطائفية.

ويقول الباحث الاميركي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى ايريك تراجر إنّ جماعة «الاخوان المسلمين» ليست مسؤولة مباشرة عن هذه الهجمات، لكنّ التحريض ضد المسيحيين يساهم في خلق بيئة تمنح الشرعية للعمليات الارهابية.

ويضيف تراجر: «العمليات الارهابية ليست عنفاً عشوائياً، بل هي جزء من استراتيجية «داعش» الذي يرى أنّ إرهابه للمسيحيين سيزعزع مصر كما أدت الهجمات ضد الشيعة في العراق الى ضرب الاستقرار».

لكنّ اللافت أنّ هجوم مصر الذي تزامن مع هجوم مانشستر سلّطا الضوء على ليبيا كنقطة انطلاق ومركز قيادة جديد لـ»داعش» مع تحضيرات واسعة وقدرات لوجستية كبيرة وتخطيط مع متّسع من الوقت.

وما من شك في أنّ مصر ستباشر دوراً جديداً لها داخل ليبيا بمباركة اميركية – اوروبية مشتركة. وهذا الدور سيكون مساعداً لتثبيت سلطة جديدة في ليبيا ستكون وفق نظام عسكري وديكتاتوري في المراحل الأولى أو بمعنى أوضح إعادة استنساخ نظام القذافي مجدداً، ولكن وفق أسس الاندماج في السياسة الدولية.

لذلك فإنّ السعي الاميركي للبدء بإنجاز تسوية في اليمن حيث تجد التيارات الارهابية في بيئتها الحالية أرضاً خصبة للنمو والتصدير.

وفيما لفت تحييد سلطنة عمان خلال انعقاد القمة الاسلامية في الرياض، تحدث البعض عن نية لاستعادة السلطنة نشاطها التفاوضي بعيداً من الاضواء بين ايران والسعودية.

وقد يكون ذلك يتعارض شكلاً مع الصفقات العسكرية التي عقدتها السعودية مع واشنطن، لكنّ الجرح اليمني بات خطيراً. أضف الى ذلك، أنّ الهدف من هذا السلاح دفاعي كما تبيّن من معظم أنواعه اضافة الى أنه يشكّل طمأنة للداخل السعودي وتأميناً للاستقرار ولتركيز السلطة مستقبلاً. مع الاشارة الى انّ الاوساط الديبلوماسية الاميركية وصفت خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بـ»المعقول والذكي والمدروس جداً».

وفي لبنان ستبقى المظلة الأمنية الاميركية قائمة بدليل إبقاء لبنان ضمن لائحة الدول المستفيدة من المساعدات العسكرية الاميركية، أضف الى ذلك استمرار التعاون الامني والاستخباراتي. وقريباً سينتهي جرح عرسال بعضه بالتفاوض والذي يتولّاه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وبعضه الآخر عسكرياً، لكنّ ذلك لن يعني ضمان الاستقرار المطلق للساحة الأمنية اللبنانية. فالخلايا النائمة موجودة، ولبنان بتنوّعه الديني ومشاكله السياسية الطائفية يشكل ساحة جذب وإغراء للإرهابيين.