IMLebanon

رئاسة لبنان في جدول أعمال البابا فرنسيس وأوباما؟

الفاتيكان يؤكد أن المنطقة «تشهد حرباً عالمية ثالثة مجزأة»

رئاسة لبنان في جدول أعمال البابا فرنسيس وأوباما؟

هل حضر الملف اللبناني في مباحثات البابا فرنسيس مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض الأميركي، أمس، وهل من مفاجآت يمكن ان تحملها هذه الزيارة التاريخية التي تعمّد الحبر الأعظم ان تكون كوبا مفتاحها الأساس؟

وصل البابا الى السدة البابوية وهو في عمر 76 سنة وتوقع كثر ان تكون حبريته قصيرة وهو نفسه عبّر عن هذا الشعور، ونقل عنه البعض انه لا يحب السفر، ولكن بعد سنتين من اعتلائه السدّة البابوية، فاجأ العالم كله بنمط العيش الذي يسلكه في الفاتيكان وبحجم الإصلاحات التي يقوم بها، وبأهمية التواصل مع الناس وخروجه عن النصوص التي تعدها دوائر الفاتيكان.. وصولا الى ارتجال عظات وكلمات بدت أكثر تأثيرا في الناس، وفاجأ الجميع بزيارات متتالية الى عدد كبير من الدول وآخرها كوبا والولايات المتحدة التي قال رئيسها إنه معجب بـ «الفكر الفريد» لفرنسيس.

تكمن اهمية زيارة البابا فرنسيس الحالية الى كوبا والولايات المتحدة الأميركية، في كون الحبر الأعظم من صلب القارة الاميركية ويعرف مشاكلها والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين شمالها الغني بمعظمه وجنوبها الفقير الذي يعاني بمعظمه من ديكتاتوريات عسكرية فرضتها عليه الولايات المتحدة لعقود من الزمن.

للبابا اليد الطولى بإنهاء الحصار والقطيعة المفروضة من قبل الولايات المتحدة على كوبا منذ ستينيات القرن الماضي. صحيح ان البابا يوحنا بولس الثاني هو الذي خرق هذا الحصار للمرة الاولى وتحدى الولايات المتحدة ووضع كوبا على سكة التحرر حين زارها للمرة الاولى في العام 1998 وتبعه البابا بنديكتوس السادس عشر، إلا ان ما قام به البابا فرنسيس شكل إنجازا لحبريته، خصوصا بزيارة لم يسبقه اليها أي حبر رسولي الى هولغوين إحدى نقاط انطلاق المسيحية في كوبا ومسقط الاخوين كاسترو (عقد خلوة تاريخية مع فيديل كاسترو).

وتتميز المحطة الأميركية التي بدأت أمس الأول، بمواقف أبرزها الآتي:

1ـ وجوب تعلّق المواطنين بأرضهم وبيتهم وعملهم، وعلى الدول المساهمة في تأمين ذلك لهم كحقوق مقدّسة.

2 ـ وجوب الاعتراف بأن الدول بحاجة الى تغيير جذري في طريقة التعاطي مع بعضها البعض، على ان يكون هذا التغيير حقيقيا وشاملا للنظم السياسية القائمة، بحيث لا تستمر الدول الغنية في استغلال الدول الاكثر فقرا وحاجة واعتبارها مرتعا لها يمكن ان تقوم فيه بما تشاء.

3 ـ إرساء ثقافة اللقاء بين الشعوب والدول على قواعد جديدة، خلاقة وحقيقية.

4 ـ شمول التغيير المطلوب الانظمة الاجتماعية بحيث يوضع الاقتصاد في خدمة الشعوب ويتم رفض الاقتصاد القائم على اللاعدالة والإقصاء.

5 ـ اعتبار ان السلام يقوم ليس على احترام حقوق الانسان وحسب بل على أساس احترام حقوق الشعوب بالحياة والاستقلال، من اميركا اللاتينية الى فلسطين ورفض كل شكل من أشكال الاحتلال الظاهر والمقنّع ورفض كل أشكال الاستعمار القديم والحديث.

6 ـ اعتبار انه لا يمكن السكوت أمام الرعب الذي يعيشه أبناء الشــرق الاوسط وقــــوله «ما يجري في هذه المنطقة هو حرب عالمية ثالثة مجزأة، وهناك ـ وأشدد على الكلمة ـ إبادة يجب ان تتوقف».

في زيارته الاخيرة الى اميركا اللاتينية في تموز الماضي، خاطب البابا الولايات المتحدة بصورة غير مباشرة، لكن كل كلمة قالها مباشرة، سواء في احتفالية البيت الأبيض الضخمة، أمس، أو تلك التي سيقولها اليوم أمام الكونغرس وفي الخامس والعشرين من أيلول أمام الأمم المتحدة وفي اللقاء الديني المشترك بين مختلف الاديان في موقع سقوط البرجين في نيويورك، لن تخرج عن سياق وضعته دوائر الفاتيكان للخطاب الأميركي الذي يتمحور حول الآتي:

ـ ضرورة احترام الخليقة البشرية ومساهمة الدول الكبرى صاحبة القرار بمبادرات عملية فاعلة سياسية واقتصادية وعسكرية لحماية الشعوب والدول، خصوصا المستضعفة منها.

ـ اعتبار ان الأديان ليست في حال تصارع مطلقا، وهذا ينسف النظريات الاميركية المصدر عن صراع الاديان والحضارات، وحضّ الدول صاحبة القرار وفي طليعتها الولايات المتحدة على عدم تغذية الاختلافات الدينية لتشكل نواة حروب في دول ومناطق من العالم بحيث تكون الولايات المتحدة قد استبدلت الصراع الذي كان قائما بين الرأسمالية والشيوعية في القرن الماضي، متخذة من نفسها صفة قائدة العالم الحر التي تحارب «امبراطورية الشر»، ما أدى الى حروب كبرى من فيتنام الى لبنان الى تأجيج حروب الشرق الاوسط وصولا الى صراع الحضارات اليوم وإخفائه بعباءة نشر الديموقراطية.

ـ التأكيد على أن الديموقراطية هي وليدة الشعوب ذاتها ولا يمكن فرضها من قبل الاقوياء على الضعفاء عبر الحروب. فموقف الفاتيكان ثابت بالرفض المطلق للحروب كوسيلة لإحداث تغيير أو لفرض سلام.

ـ اعتبار تهجير الشعوب على أسس تطهير عرقي أو ديني هو من أبشع مظاهر «الحرب العالمية الثالثة المجزأة» التي نشهدها حاليا في منطقة الشرق ويدفع ثمنها أبناء المنطقة من مختلف الاديان، ولا سيما المسيحيين، وباتت تشكل حكم ضمير يجب أن يحرك القادة في مختلف دول العالم.

وتشير أوساط لبنانية قريبة من الدوائر الفاتيكانية الى انه يؤخذ أحيانا على البابا فرنسيس انه أهمل الأهمية التي كان يعطيها أسلافه للبنان والتي بلغت ذروتها مع البابا يوحنا بولس الثاني الذي اعتبر لبنان رسالة للشرق والغرب في اللقاء بين المسيحية والإسلام وفي الحرية الدينية والسياسية المشتركة التي كان ينعم بها.

الأوساط نفسها تقول ان البابا فرنسيس على بيّنة من حقيقة الوضع اللبناني، «فالفاتيكان لا يزال يؤمّن المظلة الراعية والحامية والداعمة للبنان، والتي يجاهر بها أمام مختلف دول القرار ويعمل على توطيدها معهم، ولعل آخر مبادرة دولية بهذا الاتجاه تتمثّل باجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان على هامش أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، خصوصا ان المجموعة تكوّنت بدعم فاتيكاني مباشر».

وتشير الأوساط الى أن البابا فرنسيس يدرك أن مصير مسيحيي الشرق وما يتعرضون له مرتبط بوضع المسيحيين في لبنان، وأكثر من ذلك بوضع العيش المشترك المسيحي الاسلامي فيه، وهو في رسالته الى مسيحيي الشرق عشية ميلاد 2014 أكد ذلك، مشددا في كل اتصالاته ولقاءاته مع بطاركة الشرق والوفود اللبنانية التي زارته على وجوب انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان.

ويؤكد العارفون، كما تقول الاوساط القريبة، أن الموضوع الرئاسي في لبنان موضوع على جدول أعمال مباحثات البابا فرنسيس والرئيس اوباما، خصوصا بعدما تكوّنت لدى الكرسي الرسولي صورة واضحة عن حقيقة الوضع اللبناني وأسباب الشغور الرئاسي وعوامل طمأنة المسيحيين والمسلمين معا في لبنان.

داود رمال