IMLebanon

وضع لبنان كارثي… والنفايات تُهدِّد بإبادتنا بالأوبئة والأمراض

كنّا نقول في السابق إننا من بين أسوأ بلدان العالم في خدمات الكهرباء والماء والاتصالات، وننتقد دولتنا ومؤسساتنا عند كلّ فرصة. والآن، بات لدينا موضوع جديد ننتقده ونتحدّث عنه من دون سعينا إلى إيجاد الحلول، وهو أنّ بلدنا الحبيب لبنان أصبح من بين أسوأ دول العالم في إدارة نفايات سكّانه. وتخطينا مجتمعات العالم كلها في عدم الاكتراث للأمراض والأوبئة والجراثيم والفيروسات التي تنتشر بشكل هستيري وتسبّب ما لا يمكن تصوّره من أمراض تهدّد صحّة الأطفال والعجزة، وحتى الشباب المعافين .

ومع تفاقم الأزمة، من دون تحرّك المعنيين، عمد بعض اللبنانيين الى مبادرات فردية بإحراق النفايات المكدّسة في الشوارع ما زاد من المشكلة وسرّع في ظهور الإصابات المباشرة الناتجة عنها.

الوضع كارثي

الى ذلك، وبعيداً من المقدمات والتحاليل، ولمعرفة مدى خطورة الوضع الذي نعيش فيه، على صحتنا وحياتنا، حاورت الـ«الجمهورية» أطباء ومختصين من مختلف المجالات، أجمعوا على وصف الوضع «بالكارثي» نتيجة ما يرونه في عياداتهم وفي المستشفيات.

«الوضع كارثي والنفايات تهدّد حياتنا»، هكذا استهلّت الاختصاصية في الأمراض الداخلية الدكتور باسكال أبو سليمان حديثها، شارحةً أنّ «تكدّس النفايات العضوية يؤدّي بعد تخمّرها الى أمراض معدية تسبّبها البكتيريا والطفيليات والفيروسات والفطريات، مسبّبةً عوارض صحية مختلفة.

أمّا الشق الثاني للتأثيرات الصحية فهو ناتج عن حرق النفايات التي تسبّب مشكلات قصيرة وطويلة الأمد، ملخصةً الوضع على الشكل الآتي:

• انسداد مجاري المياه نتيجة تراكم النفايات وتكوّن المستنقعات التي تكوّن بيئة حاضنة للقوارض والحشرات، ما يهدّد بانتشار أمراضٍ جرثومية وأوبئة عدّة، كالكوليرا والطاعون.

• استنشاق الهواء الملوّث الذي يحمل المواد السامّة والكيميائية والمعادن الثقيلة الذي يؤدّي الى مشكلات صحية.

• المطامر والمكبّات العشوائية التي لا تتوفّر فيها المعايير الصحية الدولية والتي تؤدّي الى تلوّث المياه السطحية والجوفية، وبالتالي الأسماك.

• تلوّث نظامنا الغذائي من خلال:

– حرق النفايات الذي يخلق رماد القاع الذي يستقرّ في مكانه، والرماد المتطاير (لآلاف الكيلومترات) الذي يستقرّ على النبات والتربة والمياه، ويدخل الى سلسلتنا الغذائية عن طريق أكلنا لحوم المواشي، وخصوصاً الدهنية منها والملوَّثة جراء تناولها الأعشاب الملوَّثة من الغازات السامة والمعادن.

– انجراف رماد القاع الذي يحتوي على مواد سامة ومعادن ثقيلة، واختلاطه بالمياه وتلوّث الأسماك التي يتناولها الانسان.

– تكدّس النفايات وتخمّرها وما ينتج عن ذلك من أمراض جرثومية.

وأضافت أبو سليمان أنّ «دراسة حديثة أجريَت في لبنان، تؤكّد احتواء الهواء على نسبة قياسية من المواد المسرطنة».

عوارض وأمراض بالجملة

أمّا عن العوارض المَرَضية الناتجة عن حرق النفايات، فقالت إنّه «توجد تأثيرات آنية بسيطة وخطيرة على جميع أعضاء الجسم، فحرق النفايات يؤدّي الى تأثيرات مختلفة بحسب ما يُحرق، مسبّباً أمراضاً جلدية كثيرة وإغماءات، بالإضافة إلى عوارض أخرى تشابه التهابات الامعاء، كالغثيان، والتقيّؤ، والدوخة، والتهابات في العيون والأذن وحتّى الى تشوّه الأجنّة، إضافةً الى تفاقم العوارض عند المصابين بأمراض مزمنة مثل الربو.

مشددةً أنّه «على المدى الطويل، يمكن أن يسبّب حرق النفايات مشكلات في الكلى، في الجهاز العصبي، في الدم، اضطرابات في القلب، أمراض سرطانية، وأخرى صدرية مزمنة».

أمّا التخمّر وتكدّس النفايات وتلوّث المياه واستعمالها للشرب أو الإغتسال أو غسل الخضار، فيؤدّي الى أمراض تُعرَف بالـ»Waterborne Diseases» مثل التيفوئيد، وقد ينتج عنه أيضاً التهاب الكبد الفيروسي، إلتهاب الرئوي الحاد، والتي تؤدّي في معظمها إلى عوارض في الجهاز الهضمي من إسهالٍ وتقيّؤ».

جنّة للبكتيريا

ولا تتوقّف المشكلات والأمراض عند هذا الحدّ، وتفصّل أبو سليمان أنه «ينتج عن عضّ القوارض أو لسع الحشرات، التي تتغذّى من النفايات، تكاثر الأمراض البكتيرية، بالإضافة الى نفايات المستشفيات التي تشكّل 20 في المئة من النفايات، والتي يمكن أن تنشر البكتيريا المكتسبة للمناعة والتي لا تتفاعل مع العلاجات بسهولة».

معتبرةً أنّ «الوضع مأساوي، كارثي، والحالات التي تستقبلها المستشفيات نتيجة النفايات عوارضها مخيفة وأرقامها مرتفعة، مؤكّدة أنه إذا استمرّ الوضع على حاله، سيكون هناك تهديد وبائي وكوارث بيئية، وأمراض جديدة تهدّد حياة كلّ فرد»، داعيةً إلى «وقف الصفقات على حساب حياة وصحة اللبنانيين وانتهاك أدنى حقوقهم بهواء ومياه وتربة سليمة، فهذه جريمة نكراء بحق شعبنا وبيئتنا سيذكرها التاريخ».

 

ماذا تشهد طوارئ المستشفيات؟

ولكلّ مَن بقي في منزله يحارب عوارض مرضية بسيطة مثل الرشح والتقيّؤ، عليه أن يشكر الله على صحته القوية، لأنّ غرف الطوارئ في مستشفيات لبنان تغصّ منذ مدّة بكثير من الحالات التي تتطلب عناية خاصة.

وفي هذا السياق، قال مدير الطوارئ في مستشفى اوتيل ديو الدكتور انطوان الزغبي إننا «نشهد اليوم على ارتفاع ملحوظ في حالات الالتهابات والتسمّمات في الأمعاء (ناتجة عن التسمّم في المياه)، والذي تصاحبه عوارض كالإسهال والحمّى، بالاضافة إلى الإصابات الكثيفة بالالتهابات الرئوية التي تسبّب الرشح الحاد».

شارحاً أنه «من الطبيعي الإصابة بالرشح في هذا الموسم من السنة، لكن في السابق كانت الحالات التي تدخل المستشفى قليلة جدّاً، عكس ما نراه الآن. كما أنّ الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية تكون مضاعفاتهم خطيرة».

وأوضح أنه «ليس هناك حالات إصابة بالكوليرا أو الطاعون، إلّا أنّ حرق النفايات سيؤدّي حتماً في المستقبل إلى أمراض سرطانية». وشدّد الزغبي على «ضرورة انتباه اللبنانيين جيداً إلى الخضار التي يستهلكونها، طالباً منهم التشدّد في النظافة واعتماد طرق وقائية كتنظيف الخضار جيداً، وتدوير النفايات…».

العناية الفائقة لبعض الحالات

ولكلّ مَن زار قسم الطوارئ في المستشفى وتمكّن من التغلّب على مرضه وضبط حالته الصحية، فلا بدّ أنه كان من المحظوظين من بين المواطنين اللبنانيين، لأنّ هناك عدداً غير قليل من الحالات التي تتطلب نقلها إلى غرف العناية الفائقة لمعالجتها.

وتعليقاً على هذا الوضع، «تعجّب» الاختصاصي في الأمراض المعدية والجرثومية ونائب اللجنة العلمية والأمراض المعدية في لبنان الدكتور زاهي الحلو «من صمود المسؤولين، وعدم تحرّكهم لحلّ هذه المشكلة التي تسبّب على المدى البعيد أمراضاً جرثومية وسرطانية خطيرة ناتجة عن التلوّث».

وأشار إلى أنّ «الأمراض التي نشهدها الآن كانت موجودة سابقاً، إلّا أننا نراها بشكل مكثّف،لأنّ نوع الجراثيم الحالية مقاومة للعلاجات، فتسبّب الحرارة المستمرّة والفيروسات».

مضيفاً أنّ «تراكم النفايات بهذا الشكل، يؤدّي الى تفاعل البكتيريا بشكل أكبر، وتنتج عنه صعوبة علاجها، والأخطر من ذلك، هو حرق النفايات، المسبّب لأمراض رئوية خطيرة جدّاً». ويفيد أنّه «لوحظ في هذه الفترة التهابات بشكل كثيف استلزمت دخول المصابين بها الى المستشفيات، بسبب التهابات الرئة الناتجة عن حرق النفايات بين المنازل واستنشاقه».

وقال إنّ «العوارض تتمثّل بالحرارة المرتفعة التي تتخطّى الـ 40 درجة بسبب الاصابة بالفيروسات، سعال كثيف، ضيق تنفّس، أوجاع في الصدر والرئة وحالات إسهال وتقيّؤ».

وأضاف أنه «لا يستلزم بقاء جميع هذه الحالات في المستشفيات، ولكنّ حالات نادرة قد يتّم وضعها في العناية الفائقة، نتيجة تعرّضها لصدمة صحية وحرارة مرتفعة وانخفاض في الضغط». ونصح المواطنين بـ»ترك النفايات على حالها وعدم حرقها، وإغلاق النوافذ عند المرور قرب المكبّات، ووضع الكمّامات عند حرق النفايات، والانتباه من الحيوانات التي تنقل الأمراض مثل الهررة والفئران والجرذان والحشرات…».

الجَرَب

وإلى جانب أمراض الرئة والأمعاء، والبكتيريا والفيروسات المسمّمة، لا يمكن أن ينجو جلدنا من بعض الأمراض المنتشرة في الهواء والمياه وعلى الأرض. وأكّد رئيس قسم الجلد في مستشفى جبل لبنان الدكتور روي مطران أنّ «أزمة النفايات المستشرية حالياً تسبّب الأمراض الجلدية المعدية مثل الجَرَب، الذي ينتقل من شخص لآخر، خصوصاً الذين يسكنون قرب النفايات، بالإضافة إلى الأمراض الجرثومية المعدية».

مشدّداً على «أنّ الهواء الملوَّث يسهّل انتقال الفيروسات مثل الثآليل، والالتهابات البكتيرية التي تسبّب مشكلات جلدية واضحة وظاهرة، تستوجب تناول الفرد مضاضات حيوية للتخلّص منها، وقد تظهر أيضاً بثور يخرج منها القيح».

مضيفاً أننا «نشهد الآن حالاتٍ كثيرة من انتقال الجراثيم وزيادة الالتهابات بسبب هذا التلوّث»، داعياً الجميع إلى «الانتباه والمحافظة على النظافة الشخصية، وعدم الاقتراب من الأشخاص الذين يعانون من مشكلات جلدية لمنع انتقال العدوى».

سرطان الأطفال

وأطفالنا الذين نحن مسؤولون عن حمايتهم وتغذيتهم وتثقيفهم وبناء شخصياتهم لبناء وطن المستقبل، هؤلاء الصغار الذين يتمثّلون بنا، غارقون في تخلّفنا الثقافي وتلوّثنا البيئي ووساختنا المنتشرة حول مدارسهم وأماكن لهوهم وقرب مطاعمهم المفضّلة. وما تشهده عيادات الأطفال هي خير دليل على الإصابات المباشرة الناتجة عن النفايات بحسب طبيب الأطفال وحديثي الولادة في مستشفى سرحال الدكتور أنطوان يزبك، الذي أشار الى أنّ «مشكلة النفايات تسبّب تلوّثاً نظرياً وفكرياً وصوتياً على نفسية الأطفال أوّلاً وعلى صحتهم ثانياً.

وكلّ هذه الأضرار المباشرة ناتجة عن التلوّث جرّاء تجمّع النفايات وامتصاصها في الأرض، ودخول المواد المؤذية الى المياه الجوفية، التي نملأ منها المياه المعدنية التي تحتوي على مواد مسمّمة بنسب عالية، ويشرب منها أولادنا، بالإضافة إلى حرق النفايات الذي يسبّب انتشار الرماد والسموم، وخصوصاً «الديوكسين» الموجود بحسب وزارة الصحة في هواء لبنان 10 آلاف مرّة أكثر من النسبة المسموح بها، ما يسهّل تنشّقها مهما كنّا بعيدين من مكان الحرق، وهذه المواد مسرطنة للأطفال وللكبار.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أكبر نسبة سرطان الأطفال موجودة الآن في لبنان. وإضافة إلى كلّ ذلك، هناك القوارض والحشرات التي تتغذّى من النفايات وتدخل الى أماكن إنتاج الطعام، مثل الأفران والمطاعم حاملةً الجراثيم، التي تكاثرت نتيجة تخمير النفايات، ويتمّ تناولها من الأهل والأولاد الأكثر عرضة للإصابة بسبب مناعتهم الضعيفة».

وتابع حديثه قائلاً «تأثير النفايات على الأطفال جرّاء حرقها أو تخميرها يتجلّى بوضوح في العيادات وغرف المستشفيات على شكل عوارض إسهال وبكتيريا تصيب الأمعاء كالسلمونيلا، وأمراض أخرى كالصفَيرة والمشكلات الصدرية والالتهابات الرئوية أكبر دليل على التأثير المباشر للنفايات في صحة أطفالنا».