IMLebanon

رسائل الاعتراض من الحرم القدسي إلى لبنان

في أواخر العام 2000 قصد رئيس الحكومة الاسرائيلية الاسبق ارييل شارون الحرم القدسي، في ما يشبه الاقتحام. كان قد رفع درجة التحدي بوجه الفلسطينيين ودفعهم للنزول الى الشارع، وبالتالي ضرب الجهود التي كانت تقودها الولايات المتحدة الاميركية لإنجاز التسوية السلمية وفق الشروط التي كانت مطروحة يومها. وبالفعل كانت خطوة شارون الاستفزازية يومها الشرارة التي أدّت الى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

منذ أيام حصلت عملية أمنية تحمل الهدف نفسه، ولكن وفق أسلوب حمل الكثير من الرسائل والدلائل الخطيرة.

وعلى رغم مرور وقت لا بأس به على حصول العملية، الّا انّ اي طرف او تنظيم لم يتبَنّها، وهذا في حدّ ذاته رسالة واضحة، ما يعني انّ الجهة المنفذة لم تنفذ العملية لأغراض الارهاب او حتى الانتقام من الاسرائيليين كما هو سائد في المرحلة الاخيرة، بل انها تحمل رسالة سياسية بليغة لا علاقة لها بالصراع القائم في المنطقة.

في الاوساط المتابعة كلام حول مسؤولية الجهاد الاسلامي عن العملية، وهو المعروف عنه تحالفه مع ايران ورفضه للتسوية الفلسطينية – الاسرائيلية وفق الشروط المطروحة الآن وحتى رفضها للتنازلات التي قدّمتها حركة حماس في وثيقتها الاخيرة.

والأهم من ذلك الالغاز الامنية التي حفلت بها العملية. فالمنفذون يحملون الجنسية الاسرائيلية اي انهم مواطنون إسرائيليون، ولا شبهات امنية حولهم اذ كانوا خارج إطار المراقبة الامنية، وهم استخدموا أسلحتهم بشكل محترف ما يؤشّر الى انهم خضعوا لدورات تدريب.

والمعروف انّ الهجمات في الحرم القدسي نادرة حيث الرقابة الامنية مشددة، ويبقى السؤال كيف تمكّن المنفذون من إدخال الاسلحة الى داخل الحرم؟

باختصار، أرادت الجهة المنفذة القول انها قادرة على الضرب في العمق وفي اماكن يعتبرها البعض محصّنة امنياً ومن خلال مجموعات لا تشتبه بها السلطات الاسرائيلية.

قبل حصول هذه العملية، كانت الإشارات الايجابية حول التسوية الفلسطينية – الاسرائيلية تظهر على التوالي. فممثّل الرئيس الاميركي جيسون غرينبلات كان قد أنهى جولة محادثات مكوكية ناجحة بين رئيس الحكومة الاسرائيلية والرئيس الفلسطيني، معتبراً انّ الاجواء باتت تسمح لاستئناف المفاوضات الاسرائيلية- الفلسطينية على ان تحصل في واشنطن خلال الاسابيع المقبلة.

وفي موازاة ذلك جمّد مجلس الوزراء الاسرائيلي قراره السابق ببناء حوالى 14000 وحدة سكنية استيطانية في قلقيلية في الضفة الغربية، وهو ما كان يثير اعتراض الفلسطينيين وصعوبة استئناف المفاوضات.

طبعاً، خلال المرحلة الماضية، كان هنالك الكثير من الضغوط والوعود التي فعلت فعلها ومهّدت للتنازلات المطلوبة. وكانت مصر تتولى جوانب أساسية خصوصاً من خلال ساحة قطاع غزة.

فما عُرف بأزمة كهرباء غزة، والتي جرى حلّها من خلال مبادرة مصرية أنتجت معادلة جديدة في غزة حاكَتها مصر بالتفاهم مع السعودية، وقضت هذه بإدخال محمد دحلان الى القرار الفلسطيني في غزة من خلال نسج تفاهم بينه وبين حماس جرى بموجبه ترك مسؤولية الأمن داخل غزة لحماس فيما ستؤول العلاقات الخارجية والتنسيق مع الدول لدحلان. ووفق ذلك التفاهم أعيد فتح معبر غزة مع مصر، وهو ما يجعل حماس أسيرة بالكامل لمصر.

وإدخال دحلان الى المعادلة الغزّاوية، وهو الرجل الموثوق من الغرب وصاحب العلاقات المميزة مع لندن كما واشنطن، لم يكن على حساب حماس فقط بل شَكّل مبعث قلق للرئيس الفلسطيني محمود عباس على أساس انّ التحضيرات جارية لجَعل دحلان وريثاً لعباس، وهو ما جعل الاخير اكثر ليونة في شروطه للمشاركة في المفاوضات.

لكن ّعباس أرسل لخصمه الشرس، اي حركة حماس، انّ دخول دحلان على قرار غزة قد يعني تكرار تجربة محمد مرسي وعبد الفتاح السيسي في مصر، حيث هنالك احتمال كبير لانقضاض دحلان على حماس في الوقت المناسب.

وهذه الصورة المعقّدة أعادت تسليط الاضواء على مخيمات لبنان والتناقضات التي تختزنها، خصوصاً في عين الحلوة، وهو ما استوجَب لقاء مطوّلاً أجراه مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم بمحمد دحلان، وستليه لقاءات أخرى.

المهم انّ هذه الصورة ساهمت في دفع جهود التفاوض المباشر بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.

كما انّ ترامب المحاصر في الداخل يريد إنجاز تسوية إسرائيلية – فلسطينية في ظلّ وضع عربي «مثالي» وانفتاح آفاق الحل في سوريا.

فالصراع الاميركي الداخلي الى تصاعد وحماوة. وكان ضاغطاً على البيت الابيض ان يتقدّم عضوان من الكونغرس، هما براد شيرمان وآل غرين، بطلب للتصويت على عزل ترامب «لارتكابه جرائم خطيرة تتعلق بتعاونه مع روسيا».

بالتأكيد هذا التصويت لن يحصل على الأقل في هذه المرحلة، لكنّ المطالبة بذلك تفتح ابواباً جديدة في وقت أظهرَ آخر استطلاع للرأي أجرته شبكة A.B.C الاميركية تراجع مؤيّدي ترامب الى 36 % على رغم التحسّن الكبير للوضع الاقتصادي.

هذ الواقع يضغط على ترامب لإنجاز «نصر» سياسي في الملف الاصعب والاكثر تأثيراً على الداخل الاميركي، أي الملف الاسرائيلي- الفلسطيني.

وفيما كانت جهود البيت الابيض بدأت تؤتي بثمارها، جاءت رسالة الحرم القدسي بكل جوانبها وألغازها لتقول انّ هناك طرفاً اساسياً سيبدأ باستعمال اوراقه القوية للعرقلة.

لكنّ مصادر ديبلوماسية اميركية في واشنطن، ورغم ادراكها لأبعاد وخلفيات رسائل عملية الحرم القدسي، تؤكد انّ مسار التسوية لن يتوقف، وانّ تدابير جديدة قد تتخذ لتذليل العوائق وليس ابداً لتعديل المضمون.

ومع ذلك لا بد من مضاعفة الحذر في لبنان خصوصاً على مستوى المخيمات الفلسطينية.