IMLebanon

ماكرون وسوريا

يؤثر، معنوياً وإعلامياً والى حدٍّ ما سياسياً، كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن رئيس سوريا السابق بشار الأسد واعتباره «عدوّاً للسوريين وليس للفرنسيين»، لكنه واقعياً وعملياً يظلّ هذا الكلام محدود الأثر ولا يخالف (بالمناسبة!) خلاصات انتهى إليها كثيرون في الغرب، تحت وقع، وفي ظل مناخ «محاربة الإرهاب»!

وذلك يؤكد حقيقة كبيرة، تنسف كل السيبة التعبوية التي وقف عليها واستند إليها منطق نظام البراميل منذ اندلاع الثورة الشاملة عليه.. والتي ضخّ إضافات عليها داعموه أكانوا في طهران أم في موسكو أم في بعض نواحينا المحلية. وتلك (الحقيقة) تقول، إن ثورة السوريين محلية، ولم تستورد من خارج! ولم تأتِ نتيجة تآمر دولي– فلكي على «سوريا العروبة»! ولم تكن شغل عصابات مدفوعة الأجر! ولم تكن وليدة مطبخ تآمري صهيوني وغربي أراد تكسير سلطة «البعث» وتركيبتها الفئوية، قبل وصولها الى القدس وتحريرها! أو قبل إكمال وإنضاج تأثيراتها الخلّابة في مراكز صنع القرار في عواصم العالم الحر!

بالمعنى المبدئي، يعطي كلام الرئيس الفرنسي شهادة إضافية الى عقم الحجج الأسدية والإيرانية والروسية! ويؤكد (للأسف) أن الدعم الخارجي للثورة السورية كان ولا يزال محكوماً بقراءات وحسابات باردة لم تعدّل في حرارتها دماء السوريين وخراب بنيانهم وترميد بلادهم. وتلك الحسابات تقف عند حدّ واضح، وربما يكون منطقياً في قصة المصالح الدولية: سوريا غير مؤثرة في سوق النفط! وغير متحكمة بسريانه وسلاسة ذلك السريان! وليست ذات شأن في أي منتج أولي يؤثر في الاقتصاد العالمي! ولا تملك مقوّمات يمكن أن تضرب بتأثيراتها أسواق المال من هونغ كونغ الى نيويورك! والأهم من ذلك كله، أن تأثيرها سلماً وحرباً (كما هو واضح) على أمن إسرائيل، ليس طاغياً ولا حاسماً! وإن موقعها الجغرافي وموانئها البحرية لا يضعانها في موقع يشتمل على أي تأثير في حركة الملاحة في أعالي البحار! ولا في خطوط التجارة الدولية!

بل أكثر من ذلك: لا يضيف تعزيز النفوذ الروسي فيها أي هموم على الغربيين. لا القاعدة البحرية في طرطوس ولا القواعد الجوية المستحدثة بعد تطوير التدخل الميداني (جواً وأرضاً) بدءاً من أيلول 2015، تشكل ذلك الثقل المؤثر في موازين القوى العسكرية، التكتيّة والاستراتيجية! وما يزيد على ذلك، ويدعّمه ويثبّته، هو حقيقة أنَّ موسكو صارت في مكان آخر بالنسبة الى إسرائيل! وانتقلت من خانة العداء أيام «والله زمان يا سلاحي»! الى موقع الصديق الحميم! والحليف الأكيد! والمنافس على الريادة في ذلك مع «الأم الأصلية» أي الولايات المتحدة الأميركية!

بهذا المعنى، فإن جنوب لبنان حيث «حزب الله» أهم كثيراً من سوريا عند الغربيين! وهذا يعني استطراداً، أنّ التدخل الإيراني في «القطر الشقيق» يثير «بعض» التوجّس عند الأوروبيين، والكثير من «المتابعة» عند الأميركيين والإسرائيليين على حدٍّ سواء!

أي إن سوريا «ساحة» النزاع الإقليمي – الدولي، تملك بسبب ذلك، أهمية نسبية لكن ضمن حزمة تشتمل على مواقع أخرى، أوروبية ومحاذية للحدود الروسية أساساً! وازدياد الاهتمام بها، أميركياً) متأتٍ من كونها إحدى نقاط التماس مع مشروع إيراني فضفاض ومُضرّ ومؤذ ومهدّد لاستقرار دول مركزية في المنطقة برمّتها.

أكثر من ذلك: نكبة سوريا على مدى السنوات الست الماضيات، كانت عبارة عن مطحنة فعلية، دموية وشرسة، لقوى وتيارات وتنظيمات مشمولة برمّتها بالتوصيف الإرهابي. وهذه، سنية وشيعية، لم توفّر شيئاً في حروبها «الأصلية»! وتكفّلت بنفسها، في تقديم كل شروط هتك القيم الإسلامية بداية! ثم جلّ موروثات ومبادئ وثقافات النزاع التاريخي مع الإسرائيليين! ثم خدشت من دون أي حياء أو ضوابط، الذوق البشري العام وقدسية الحياة وشروط الأنسنة، وعمّمت مناخات رعب، كان الظن السعيد انها صارت خارج العصر ولغته وقيمه!

أي قراءة باردة وناشفة في مراكز صنع القرار في الغرب (ومن ضمنه فرنسا!) تجعل من فرضيّة التدخّل الحاسم لوقف هذه النكبة، مهينة لطارحها! وعلامة سيئة في امتحان ذكائه!.. الأبعاد الإنسانية تُخصّص لها هيئات إغاثة ومخيمات لجوء ومنظمات دولية محترفة! أما غير ذلك، فلا شيء يستدعي عملياً (!) وضع بشّار الأسد في لائحة «العلاج السريع» مثلما حصل مع معمّر القذافي مثلاً!

ما قاله ماكرون يؤكّد سوريّة الثورة وأصالتها برغم ضراوة التكالب على تشويهها واختصارها بالإرهاب وجماعاته الموبوءة والملتبسة.. وهذا يعني أنّ «مشكلة» الأسد مع السوريين لا تنتهي نتيجة معطى خارجي أيّاً يكن تأثيره وقوته! بل هي مشكلة حياة أو موت. انطلقت بزخم داخلي، ولا يحسمها إلاّ ذلك الزخم. طال الزمن أم قَصُرَ!