IMLebanon

“حزب الله” والرقص.. فوق مجاعة مضايا

 

 

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

 

على الرغم من تصدر قضيّة بلدة مضايا التي لا تزال تُعاني من الحصار القاتل المفروض عليها من “حزب الله” والنظام السوري، واجهة الأحداث ووسائل الإعلام المحلية والعالمية، ذلك الحصار الذي بدأ يحصد أرواح الصغار والكبار نتيجة الجوع والعطش وفقدان الدواء، إلّا أنّ الحزب وشريكه في القتل النظام السوري، ما زالا يتعاملان مع الموضوع وكأنّه تفصيل ثانوي أو نكر ووجب تحويره أو التلاعب به من خلال تحويله من قضية عادلة إلى عنوان للمؤامرة على “المقاومة” قد يصل إلى حد “العمالة”.

غلوّ ومكابرة يُمارسهما “حزب الله” وإعلامه بحق بلدة بدأ سكانها يصطفّون بالطوابير استعداداً للموت. حزب يزرع الحقد بين جمهوره ويوهمه بقدسية حرب سوف تحصدهم رياحها في حال لم يقطفوا “ثمارها” عند أوّل فرصة، والثمار بالنسبة إلى هذا الحزب اليوم في مضايا، هي أجساد أطفال ينهش الجوع من لحمها الحيّ قبل أن يصبغها صقيع كانون بلونه الأزرق ويحوّلها إلى ألواح خشبية خالية من الحياة لا تدلّ أشكالها على أن روح إنسان قد سكنتها من قبل.

من باب حرف الأنظار عن الجريمة التي يرتكبها “حزب الله” بحق مدنيي مضايا من أطفال ونساء وشيوخ، دخل إعلام الحزب خلال اليومين المنصرمين في لعبة جديدة ابتكرتها قبله جيوش الظلم وأنظمة القمع والاستبداد، وهي “الدروع البشرية”. فبرك هذا الإعلام مقولة إنّ المسلحين في مضايا هم الذين يفرضون الحصار على المدنيين ويستعملونهم كدروع بشرية لقلب سير المعركة التي يُتحف بها الحزب جمهوره منذ عام تقريباً أنها انتهت وبأنه لم يتبقّ سوى بضعة كيلومترات وينتهي من “الإرهاب”. نعم فاليوم يصدق “حزب الله” قوله ووعده، إذ لم يتبقّ هناك سوى 23 ألف مدنيّ تقريباً وبعض المناطق داخل مضايا ليزفّ إلى جمهوره خبر “الانتصار الإلهي”.

 

لا ينقص بيانات الترويج التي يُطلقها قادة “حزب الله”، سوى وصف أطفال مضايا بالوحوش والخونة وهم الذين وضعوا الصرخات التي تسبق الموت، “حملة مبرمجة بهدف تشويه صورة المقاومة”. وأقصر الطرق لإسكات هذه الصرخات والأوجاع وتبرير حملة القتل التي يقوم بها الحزب، جاء في كلام لنائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أمس: “نحن مطمئنون إلى أنّ أداءنا يأخذ بعين الاعتبار الاستقامة والمصلحة، ونحن طالبنا دائماً بالحل السياسي في سوريا كبديل، ولكن إلى الآن الطرف الآخر هو الذي يؤخّر ويجرجر بهذا الحل السياسي”. وهو تصريح واضح يوصل إلى نتيجة مفادها، أنّ الحصار والموت، هما البديل الأوحد عن الحل السياسي.

يُفاخر “حزب الله” بأنه تربّى ونشأ على أصول دينية وثقافية وأدبية وهو القائل إنه ينتمي إلى مدرسة عقائدية رفعت شعار “هيهات منّا الذلّة” في قتالها كما في حركتها الكشفيّة، ولذلك من المستهجن والمستنكر، أن يُمارس كل هذه الأفعال والارتكابات بحق مدنيين عُزّل تجمعه بهم جغرافية ولغة واحدة، وما يدعو إلى الاستغراب أن عناصره لم تُمارس هذه الأمور في زمن صراعها مع الإسرائيلي في الجنوب ويُضاف اليها مسألة التنكيل بالجثث وآخرها منذ فترة عندما قام أحد عناصر الحزب بإحراق جثة مسلّح سوري ثم التقاط صورة له بجانبها. وبهذا يكون الحزب قد انجرف نحو العنف، حتى أصبحت ارتكاباته وممارساته لا تقل فظاعة عن تلك التي تنفذها الجماعات التي يُطلق هو عليها تسمية “التكفيرية”.

لا يُعتبر حصار “حزب الله” لبلدة مضايا اليوم، سابقة بالنسبة إلى ممارساته، على الرغم من فظاعة هذا العمل، فقد سبق لعناصره أن قاموا بإعدامات ميدانية لأسرى حرب وذلك في مشاهد موثّقة استدعت العالم كلّه للاستنكار، لكنّها لم تدفع بقيادي واحد في الحزب لإطلاق تعبير أو استنكار ولو خجول. ومن هنا يُمكن التساؤل كيف لمن يضع الحديث عن الحصار وعن الأجساد التي تتلّوى وتسقط من الجوع، بأنه استهداف للمقاومة، أن يعترف بأن قتل الأطفال والنساء عار لن تمحوه السنون ولن يسقط من ذاكرة طفلة من مضايا وهي تتوسل السيد حسن نصرالله بالقول “الله يخليك ما بدنا غير رغيف خبز”.