IMLebanon

غضب عارم يُبعد ذبيان عن الحراك؟

بقرار مِن «طِلعت ريحتكم» سيتغيّب أسعد ذبيان عن الإعلام والتصريح حتى إشعار آخر. قد يعتذر، وفقَ معلومات «الجمهورية»، من جميع المؤمنين والديانات التي أساء إليها، إلّا أنّ الحالة الشعبية المؤيدة للحراك، تزداد هيجاناً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأغلبيّتُها ليست راضية بالاعتذار فقط، بل تدعو المجتمع المدني و«طِلعت ريحتكم» إلى مطالبته بتقديم استقالته من الحراك وعدم التحَجُّج ساعةً بالمزاح وساعة أخرى بحرّية المعتقد للتنَصّل ممّا كتبَه، لأنه لم يعُد قادراً على العودة إلى الوراء، ولأنّ ما كُتِب قد كُتِب.

إلتهبَت صفحات المواقع الإلكترونية ردّاً على إساءة ذبيان في تعليقاته وكتاباته الساخرة إلى كلّ الديانات بما فيها الديانة المسيحية التي كان لها النصيب الأوفر.

بعض التعليقات جاء داعماً، لكنّ معظمها انتقدَته بعنف وعبَّرت عن غضبها بعد اعتبارها أنّ تعليقاته طاوَلت محرّمات دينية حميمة ودقيقة بالنسبة إليهم، فيما رأى البعض أنّ الإساءة إلى الأديان لا يجب أن تصدر عمّن يعتبرون أنفسَهم مناضلين في مكافحة الفساد وينادون بالإصلاح واحترام القوانين ليتّضِح أنّهم كانوا السبّاقين في عدم احترام القوانين والمقدّسات لدرجةِ أنّ المحاميَين شربل سمعان والياس عقل تقَدَّما بإخبار أمام النيابة العامة مطالبَين بمقاضاته.

في القانون

أوساط قانونية أوضحَت أنّه استناداً إلى المواد القانونية، يحقّ لأيّ مواطن لبناني مؤمن بديانته اعتبارَ ما نشَره ذبيان على صفحته إساءة إليه يعاقب عليها القانون وفق المادة 474، وهي معدّلة وفق القانون بتاريخ 1/12/1954، وتقول: «مَن أقدمَ بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 209 على تحقير الشعائر الدينية التي تمارَس علانية أو حثَّ على الازدراء بإحدى تلك الشعائر، عوقِب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات».

وقد أخذت التعليقات المسيئة إلى الديانة المسيحية حيّزاً كبيراً على صفحة ذبيان، وربّما أبرزُها تلك التي طاوَلت معنى عيد الفصح، ليُعلّق ذبيان على معنى العيد بمفهومه الخاص قائلاً: «حَدَا ملاحظ عيد الفصح قدّيش جنسي؟

بَيض- وأرانب… وقام حقاً قام!». وتقول أخرى «بمناسبة عيد الميلاد واحتفال الناس بيوم ميلاد ابن الله، تحيّة إلى إبليس المتمرّد الأوّل الذي رفض أن يُملى عليه… رفضَ السجود لكائن من تراب…». هذه العبارات القاسية وغيرها ألهبَت مشاعرَ وأقلام الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بمن فيهم إعلاميون وشخصيات سياسية بارزة.

المطران ميشال عون

وفي السياق، قال راعي أبرشية جبيل للموارنة المطران ميشال عون لـ«الجمهورية» إنّه «كان من المفترض على أسعد ذبيان الاحتفاظ برأيه لنفسه وليس تسويقه والتشهير به عبر مواقع التواصل أو عبر الإعلام»، مشيراً إلى أنّ «الرأي والنقاش في المسائل الدينية يجب أن يكون خلال المناظرات لإفساح المجال أمام الرأي الآخر بالدفاع عن معتقداته وديانته».

ودانَ عون تطاولَ ذبيان على الديانات، خصوصاً الديانة المسيحية، مطالباً الإعلام المسؤول بالدفاع عن عقيدة الديانة المسيحية، معتبراً أنّ ذبيان أو مطلَق أيّ إنسان مهما كان انتماؤه، لو تعَمَّقَ في الديانة المسيحية وفهمَ معناها، لا يمكنه سوى الانحناء أمامها.

ريما نجيم

الإعلامية ريما نجيم أكّدَت لـ«الجمهورية» أنّها مع الحرّيات، لكنّها دانت في المقابل أقوال ذبيان، طارحةً شخصية زياد الرحباني مثلاً: «هو شيوعي واللبنانيون جميعاً يعرفون أنّ لديه شكوكاً حول وجود الله، لكنّه انتقد الموضوع بذكاء محبَّب حين قال مثلاً: «ضروري نطلع عالسما خَدّنا مورَّم»، في الإشارة إلى مقولة السيّد المسيح التي تدعو المؤمن إلى إدارة الخد الأيسر في حال ضُرب على الخدّ الأيمن،

وبين الإلحاد والبحث عن الله، فضّلَت نجيم وصفَ حالة زياد بأنّها البحث عن الله، لأنّ الملحِد يكون في إطار البحث عن الله وليس نكران وجوده بالكامل، فهو لم يلتقِ به بَعد، مؤكّدةً أنّها «تحترم آراء هؤلاء، لكنّها لا تفرض إيمانها على الغير أو عبر تعاطيها مع الآخر». وكشفت نجيم أنّ «أبناء الخليج يشاركونها صلاتها الصباحية التي تدعو إلى المحبة التي اختصرَت الديانة المسيحية».

وشدّدت على أنّ كتابات ذبيان استفَزّتها، لأنّه «كتبَ بسخرية غير منضبطة ولم تراعِ ضوابط الأخلاق»، موضحةً: «يمكننا انتقاد رجال الدين ربّما، لكن ليس الدين بحدّ ذاته، وخصوصاً مريم العذراء التي كرَّمتها كلّ الديانات، وكذلك مار شربل القدّيس المحِبّ الذي اختصر الحياة المثالية على الأرض»، مضيفةً: «قد لا يؤمن ذبيان بعجائب مار شربل، إنّما لا يحق له الكلام عنه أو الإساءة إليه لأنه لا يعرفه أساساً، فيما سيزعج الأمر أولئك الذين اختبروه وتلمّسوا شفاعتَه وآمنوا به».

وسألت نجيم عن مدى ثقافة ذبيان وسِعة آفاقه «وإذا كانت تمكّنه من معرفة وإدراك قدّيس مثالي مثل القدّيس شربل»، معلِنةً أنّ «القديس شربل أعظم وأنبل مِن أن يدركه ويعرفَ أسرارَه إنسان عادي».

وطالبَت ذبيان بالاعتذار من جميع المؤمنين، مؤكّدةً في المقابل وجوب «وضع الحراك في مقلب وصفحة ذبيان في مقلب آخر»، مشيرةً إلى وجود أناس كثُر «يرتدون البزّات ويَعتلون الشاشات وهم يتنكّرون بأقنعة مزيّفة يدّعون احترامَهم لجميع الناس والديانات لكنّهم في الواقع لا يحترمون أحداً في مجالسهم الخاصة ويدينون الديانات كافّة»، لافتةً إلى أنّ «المجموعة لا تؤمن بما يؤمن به ذبيان، ولا يجب الاقتصاص من الناس الذين نزلوا إلى الشارع لأنهم سمعوا من ذبيان، فاللبنانيون نزلوا لمطالب محِقّة ولا يجب تمييعها ضمن هذه الحملة».

دنيز رحمة

أمّا الإعلامية دنيز رحمة فقد كشفَت لـ«الجمهورية» أنّها كانت قد استبشرَت خيراً بحراك «طِلعت ريحتكم»: «لقد عوّلتُ على هذا الحراك الذي أتى عفوياً من دون تسييس أو تنظيم سياسي، إنّما حين قرأت ما كتبه أسعد ذبيان جفلتُ وتساءلت إذا كان التغيير سيكون من مبدأ عدم احترام الآخر ومعتقداته وديانته، فهذا معناه بداية عاطلة لا تبشّر بالخير».

وأضافت: «حين ينطلق الإنسان من مكان لا يحترم فيه الآخر معنا ذلك أنه يعيدنا إلى أسوأ ممّا نعيشه اليوم وليس الى الأمل بالتغيير. لذلك بات لديّ تخَوّف على هذا الحراك، وكنت أتمنّى على حملة «طلعت ريحتكم» اتّخاذ موقف توضيحي من كلام ذبيان، لأنّه يسيء جداً إلى حراكهم».

وأكّدت: «لستُ طائفية، وأحترم كلّ الطوائف، لكنّني لا أرضى أن تتعرّض طائفتي إلى الإهانة وأسكت، وما قرأته استفزَّني وسيستفزّ غيري. وأقول لذبيان يمكنك أن تنتقد شكلَ الإنسان وسياسته وربّما أشياء أخرى لكن ليس معتقداته ودياناته».

جو توتنجي

الزميل جو توتونجي قال لـ«الجمهورية» إنّ ذبيان شابٌّ شيوعي «يُهَشّم بالأديان، وهو بلا أخلاق، مؤذٍ يستهزئ بكلّ المعتقدات، وخصوصاً لجهة كلامه اللامسؤول عن السيّدة العذراء ودعوته إلى الفوضى». ونبَّه المواطنين من الانجرار وراء «قوّاد» ثورة التغيير المستترة، محَذّراً من أنّ «بعض» جمعيات المجتمع المدني رائحته أقوى من رائحة القمامة.

جو معلوف

بدورِه، رأى الإعلامي جو معلوف أنّ ما يحصل «تشويش على الحملات الناجحة، ولأنّ الحراك بدأ مع أسعد ذبيان والشباب، ولا يمكن نكران فضلهم، لكنّ الحراك اليوم أصبح للقضية الكبرى وللوطن ولا يُختصَر بشخص ذبيان، بصَرف النظر عن أنّ هذا التشويش وإنْ دلَّ على شيء فعلى نجاح الحملة.

وشدَّدَ على أنّ مَن «أراد إفشال الحراك اعتمد التشويش، وسيعمد بعد قضية ذبيان إلى نبش عناصر جديدة أخرى لمتابعة تشويشه وإفشال الحراك»، مطالباً في المقابل ذبيان بتوضيح. وقال: «أذا علّقنا اليوم مشنقة أسعد ذبيان وعزلناه ومنعناه من التعاطي في الشأن الاجتماعي، فهل يعود التيار الكهربائي إلى العمل 24 على 24؟ وهل تتوقف السمسرات وتحَلّ قضية النفايات وتَدفع العائلات أقساط المدارس وتجد فرَص عمل لأبنائها؟».

زياد بطرس

الملحّن زياد بطرس اعتبَر عبر صفحته أنّ «بعض منظّمي الحملة عملاء صهاينة ومشاريعُهم مكشوفة… وفي المقابل لا يمكن السكوت عن مطالب الناس المحِقّة، إنّما الأولوية هي لحلّ المشاكل الإنمائية (كهرباء، ماء، طرقات، نفايات واتصالات…) فيما دعا إلى تغيير اسم الحملة وإزاحة بعض المنظمين لتكون الحملة وطنية بامتياز.

ولعلّ ما كتبته الناشطة ميراي شوفاني على صفحتها يَعكس موقف المجتمع المدني الحقيقي من هذه القضية، بقولِها: «نِحنا مِش أسعد ذبيان… نِحنا مع حرّية المعتقد، وهذا تَطاوُل على الرموز المقدّسة». وتوجّهَت إلى أصحاب هذه الحملة بالقول: «إختصَرتو خمسين ألف شخص بأسعد ذبيان ويمكن كان هناك فقط 50 شخص سامعين باسمو من أصل خمسين ألف.

مين بيَعرف كم ذبيان كان في بيناتنا؟ أمّا إذا كان ذبيان «ناقص» أو مأجور فلا يعني أنّ الشعب مأجور، لأنّ الشعب موجوع والناس في النهاية مثل البحر سيبصقون الزبالة ولن يسمحوا لأحدٍ باستغلالهم بعد 30 سنة، لا أسعد ذبيان ولا مَن يُحرّكه».

في الخلاصة، لا وضوحَ في المطالب، إنّما فقط غضب الناس وحنقهُم من الوضع السيّئ المستشري الذي وصَل البلد إليه، فهُم نزلوا بصِدق للمطالبة بحقوقهم وهي كثيرة.

وتُرجّح أوساط مراقبة للحراك أن تكون المرحلة المقبلة أصعب، في وقتٍ يحتاج المواطن لإنجاح حراكه منظّمين أحراراً يَحترمون القوانين ويراعون الأنظمة والمعتقدات… فيكونون القدوة المثلى لبَدء أولى خطوات التغيير.