IMLebanon

مبادرة ماكرون الليبية

الاجتماع الذي عقد أمس في قصر سان كلو الفرنسي بين طرفين مهمين في النزاع الليبي هما المشير خليفة حفتر وفائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، سعى إلى ترتيبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقريب وجهات النظر وتسهيل مهمة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة. ويعتبر هذا بداية تحرك فرنسي جدي للنظر في إمكان نجاح المبعوث الأممي في إحراز مصالحة وطنية في ليبيا. لكن مهمة سلامة ستكون صعبة ومعقدة وطويلة، مع أنه مفاوض ماهر يتمتع بكفاءة عالية ويعرف العالم العربي جيداً كما يعرف الغرب.

بعض المصادر الليبية يخالف هذا الرأي ويعتبر أن الوضع ليس بهذا التعقيد. ويرى أنه إذا اتفق المشير حفتر مع رئيس حكومة الوفاق، يستطيع السراج أن يدعو إلى انتخابات وأن يتسلم حفتر مسؤولية الأمن. لكن المنافسة بين الدول وتدخلها في الصراع الليبي والفوضى القائمة نتيجة انتشار السلاح في ليبيا لا تطمئن إلى نجاح سريع لإعادة الأمن. فقد قام القذافي لأكثر من ٤٠ سنة بتدمير كل معالم الدولة الحقيقية مختبئاً وراء لجان شعبية نشرت الفوضى كما نشر الجهل عبر «كتابه الأخضر». والحرب التي أسقطت حكم القذافي وغياب أي استراتيجية لما بعد سقوطه أديا إلى نشوء ميليشيات ومافيات تعدد نفوذها. واليوم فيما تتنافس الدول على النفوذ في ليبيا، كيف يمكن أن يستتب الأمن فيها؟

فما إن قام ماكرون بمبادرته حتى استاءت إيطاليا التي تعتبر أنها الأقرب إلى ليبيا جغرافياً وتعاني من الهجرة الآتية من هذا البلد إلى شواطئها كما أنها لها تاريخياً وجود اقتصادي وتجاري مهم عبر شركتها النفطية «إيني» وعبر صادراتها عندما كانت ليبيا في بحبوحة. كما أن خلافات الدول العربية وتأثيرها في أوضاع ليبيا الداخلية لا تساعد. فمصر والإمارات تدفعان إلى اعتبار أن في إمكان حفتر أن يعيد الأمن في حين أن قطر تعمل ضده. فالوضع بالغ التعقيد علماً أن ليبيا استعادت جزءاً مهماً من إمكاناتها لإنتاج النفط وتصديره، إذ إنها كانت حتى أشهر ماضية تنتج ما بين ٤٠٠ ألف و٦٠٠ ألف برميل من النفط في اليوم، وبلغ إنتاجها الآن ١,٢ مليون برميل، فيما كان إنتاجها قبل حكم القذافي نحو ١,٦ مليون برميل في اليوم. وكانت مساهمة حفتر مهمة في زيادة الإنتاج لأنه تمكن من تحرير المنشآت النفطية من ميليشيات سيطرت عليها، علماً أنه سيطر فقط على أجزاء من البلد.

إن مبادرة ماكرون جيدة ولو أنها لا تمثل حلاً. فهي على الأقل تحرك مفيد للجميع. لليبيين أولاً وأيضاً لمهمة سلامة. ولا يدعي ماكرون أنه يقوم بمصالحة وطنية، لكنه على الأقل يرى أن استمرار الوضع على ما هو في ليبيا يؤدي إلى مزيد من الإرهاب لأن عناصر إرهابية تأتي من أماكن عدة وتتغلغل في ليبيا وتعد لعمليات في أوروبا. كما أن ماكرون يدرك أن شبكات الهجرة إلى أوروبا تتغلغل وتستفيد من الفوضى لنقل المهاجرين من أفريقيا عبر ليبيا إلى شواطئ أوروبا. وتؤكد أوساط ماكرون أنه اتصل بكل المهتمين بالملف الليبي لدى تحركه. واستياء إيطاليا مستغرب لأن التحرك الفرنسي يدخل في إطار مساع عدة، والمبعوث الأممي غسان سلامة يمثل دولاً عدة فهو ليس ممثلاً لفرنسا حتى لو كان ماكرون يرغب في تسهيل عمله. فسلامة ممثل للأمم المتحدة وهو يتصل بالجميع كما فعل من قبله المبعوث الألماني مارتن كوبلر والإسباني برناردينو ليون واللبناني طارق متري. والأمل بأن يتمكن من النجاح في مهمة بالغة الصعوبة، يكاد يكون مستحيلاً لو لم يكن سلامة من نوع الأشخاص الذين لا يتوقفون عند الصعوبات والتعقيدات. فالتمني أن ينجح كي تتعافى ليبيا التي أفقرها حكم القذافي ثم حروب المافيات التي لا تريد التخلي عن سلاحها.