IMLebanon

«14 آذار» بعد التمديد.. ليست كما قبله

«المستقبل» و«الكتائب» و«القوات» وهامش الاجتهاد المسموح

«14 آذار» بعد التمديد.. ليست كما قبله

ليس مبالغاً القول إنّه لو بقيت «القوات اللبنانية» على «مبدئيتها» في التصويت ضدّ التمديد، كما وعد سمير جعجع مرة واثنتين وثلاثا، لكانت قوى «14 آذار» صارت من الماضي. يعتقد كُثر أنّ انحراف مكونات هذا الفريق كل في طريقه، كان بمثابة المسمار الأخير في نعش التحالف الذي صار عمره أكثر من تسع سنوات.

ليست المرة الأولى التي يضرب فيها سوس الخلاف جسد العلاقة المهترئة بفعل التراكمات الثقيلة. ولكن لهذه الجولة وقعها القاسي. احتاج سعد الحريري لحليفيه المسيحيين لمساندته في تجرّع كأس السم، فلم يجدهما. حسباها على جدول المصالح الخاصة والمزايدات المفضوحة، ليتركا «الحبل» بشريكهما الثالث فيما هو في «وسط البئر».

لسوء حظ الرجل، أنّ الدعوة وجهت لسمير جعجع وسامي الجميل كي يزورا السعودية في تلك اللحظة الحرجة. فهي صبّت الزيت على النار ولم تساعد في إطفائه، كما كان يريد بعض «الحريريين». عاد الشاب المتني من الديوان الملكي متأبطاً عناده كي يرفض المساومة على «قراره السيادي»، لأن أي خطوة معاكسة ستكون بمثابة خطيئة سيحاكمه عليها جمهوره قبل جمهور الخصوم. فهي ستفهم على أنها «إملاءة ملكية» فرضت عليه فرضاً، وليست خياراً ذاتياً.

ولهذا أيضاً حاول «حكيم معراب» ممارسة كل أنواع المناورات والمسرحيات كي ينفّذ إخراجاَ لائقاً يبرر عودته في الثواني الأخيرة إلى «حضن التمديد» مبرراً خطوته بالتصويت ضدّ الفراغ، مع أنّه يعرف كما يعرف «الحريريون» أنّه يصوت في صندوقة «14 آذار»، لا غير.

عملياً، أدرك الرجل في تلك اللحظات، أنّه زرك نفسه في خانة مزدوجة الزوايا: إما «يقرّشها» على طريقة النقاط تقدماً أو تراجعاً في الحضور في الشارع المسيحي. وإما يُنقذ «14 آذار» من الغرق الحتمي، لأنّ «المستقبل» لن يهضم هذا «الترف» في التمايز لدى حلفائه ولن يسمح لمحطة التمديد أن تمرّ مرور الكرام. اختار الأخيرة وضحّى ببعض النقاط التي كان سيحققها في ما لو تماثل مع خصمه ميشال عون في رجم «القانون الملعون».

أما النائب المتني، فله مقاربته المختلفة. لطالما عزف على وتر التمايز وهرب إلى جنته كي يبرئ نفسه من تهمة الذوبان في القالب الأزرق، لأنه مقتنع أنّ هذه الخصوصية هي التي ستزيد من رصيده الشعبي وتترك له دوماً منفذاً للهروب من طوق التحالف. وهكذا «طنّش» على ضغط رفاقه الحريريين.

ومع ذلك، لا يزال الحذر قائماً بين القوى الثلاث وإن انتقلت العلاقة بينهم إلى مرحلة لملمة الآثار وضبضبة الخلافات التي علّقت هذه المرة فوق «صنوبر بيروت»، وصار من الصعوبة إخفاؤها. هم بالأساس يرفضون التخلي عن بعضهم البعض، لكن التجارب السيئة التي تراكمت مع الوقت، تزيد من حال التوتر.. ومن المسافات الفاصلة بينهم.

طبعاً، إنّ الحاجة المتبادلة لهذا لتحالف ستساهم في تذليل العقبات وتبعد الغيوم السوداء عن سماء العلاقة. ولهذا سريعاً اشتغلت خطوط التواصل بين الأطراف الثلاثة في محاولة لرأب الصدع وتصحيح الإعوجاج، لا سيما بين الصيفي وشريكيها. أما بين بيت الوسط ومعراب، فاستوت العلاقة بعدما سدد جعجع هدفاً ذهبياً في مرمى تحسين العلاقة، فاستعاد بعضاً من الثقة التي خسر من رصيدها في الجولات السابقة.

في المقابل، تحاول بكفيا الضغط باتجاه الاستفادة من هذا الدرس، كي تفرض على حلفائها خطة مستقبلية تعوّض خسائر التمديد، لا سيما في ما يتصل بالاستحقاق الرئاسي. يعتقد الكتائبيون أنّه لا يجوز القفز فوق حفرة «تعطيل» الانتخابات النيابية وكأن شيئاَ لم يحصل، وبالنتيجة، ترك الرئاسة في حلقة الجمود المقفلة.

بمعنى آخر، سيحاول حزب «الكتائب» استثمار «خصوصيته» وابتعاده عن خيارات رفاقه الآذاريين من خلال إلزامهم بوضع خطة انقاذية للاستحقاق الرئاسي، تقوم بالدرجة الأولى على سحب ترشيح سمير جعجع، علنياً، للبحث عن خيارات أخرى.

بالنسبة للكتائبيين لا يجوز لقوى «14 آذار» أن تجتمع من جديد وكأن التمديد لم يحصل، لتخرج ببيان تقليدي يؤكد من جديد أنّ «البلد ماشي والرئاسة ماشية». لا بدّ من خطوة استثنائية تقنع المسيحيين أنّ الخوف على المقام الماروني الأول جديّ ولم يكن شماعة علّق عليها التمديد، لا أكثر. ولهذا الأمر فروضه وشروطه.