IMLebanon

النفط البحري.. في خطر

النفط البحري.. في خطر

نبيل هيثم

لم يكن ينقص لبنان الغارق على البرّ في أزماته المتعددة الألوان والأشكال السياسية والإقتصادية والمعيشية، إلّا أن تأتيه مشكلة إضافية من البحر، قد تكون الأخطر.

الإعلام الإسرائيلي كشف قبل يومين عن توجّه الحكومة الإسرائيلية والكنيست للمصادقة على ترسيم الحدود البحرية- الإقتصادية، «بهدف التنقيب عن موارد طبيعية واستخراجها»، وأخطر ما في هذا الامر أنه يهدف الى ضم المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، والتي يؤكد لبنان أنّ المثلث البحري الغني بالثورة النفطية والغازية والذي تبلغ مساحته ما يزيد عن 800 كيلومتر مربع، يقع ضمن حدوده الاقتصادية. وقدّم للامم المتحدة وثائق رسمية تؤكد هذا الحق.

انتبه الرئيس نبيه بري الى ما سماه الاعتداء الإسرائيلي الجديد على السيادة اللبنانية «ما كشفه الإعلام الاسرائيلي، لم يُكشف عن عبث، بل كشف عن مسار يسلكه الإسرائيلي لمحاولة السيطرة على ثروة الغاز والنفط في البحر اللبناني وضمن الحدود الاقتصادية اللبنانية».

يقول بري « لطالما حذّرت من الوصول الى مثل هذا الواقع، والبعض عندنا يتحمل مسؤولية وضع الـ860 كيلومتراً مربعاً في دائرة القضم الاسرائيلي. في أيّ حال، إن صحّ هذا التوجه الإسرائيلي، وانا اميل الى تصديقه، فهو كناية عن شرارة حرب يشعلها الاسرائيلي، انها مزارع شبعا بحرية من شأنها أن تفتح الوضع على احتمالات كثيرة وخطيرة».

إنه انتهاكٌ للسيادة اللبنانية، لا بل عدوان، يقول بري، والطبيعي جداً أن ندافع عن سيادة بلدنا، علماً أنّ الدولة على كل المستويات قامت بما عليها حيال هذا الامر لحماية حدودها وثروتها. وكما قلت لن نسكت عن أيّ خرق».

ما يقود بري الى إطلاق هذا التحذير، وفي هذا التوقيت بالذات، إدراكه النوايا العدوانية الاسرائيلية، وحال التفلّت التي تسود السلطات الاسرائيلية في ظل ما يسميها «الإدارة الأميركية الترومبية الجديدة»، ولعل أهم المطلوب داخلياً حيال هذا المستجد، أن يعلن لبنان الاستنفار السياسي والديبلوماسي للتصدي لهذا العدوان الإسرائيلي قبل حصوله ومنع إسرائيل من مسّ الخط الاحمر البحري.

وبديهي هنا أن يقترن ذلك بشكل اساسي بموقف واضح ومتكامل مع موقف بري من كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري.

أخطر ما في التوجّه الإسرائيلي لقرصنة المنطقة البحرية اللبنانية وضمها، كما يقول خبراء في السياسة الإسرائيلية، أنه يأتي في وقت تجلس فيه المنطقة كلها على برميل بارود، وتشهد، اي المنطقة، صراعاً عنيفاً ومحاولة حثيثة لخلط كل اوراقها وحدودها وتاريخها وجغرافيتها.

وبالتالي أن يقدم الاسرائيلي على هذه الخطوة وترسيم حدود من طرف واحد وعلى عين الامم المتحدة والاميركيين والمجتمع فإنها تشعل شرارة مواجهة وتضيفها الى عناصر التوتر الموجودة أصلاً في المنطقة. علماً أنّ ما بين لبنان وإسرائيل ملفات معلّقة في البر من مزارع شبعا الى الغجر والى البحر الذي يحاول الإسرائيلي ضمه.

هذه الخطوة إن ذهبت فيها اسرائيل الى حدود الضم، كما يقول الخبراء، ستدفع لبنان حتماً الى المواجهة خصوصاً أنّ المسرح العسكري وملف الحدود البحرية بما فيها من نفط وغاز قد يشكل عود الثقاب الذي قد يشعل النار التي ليس معلوماً الى أين يمكن أن تمتد ألسنتها وكيف ستنطفئ.

إسرائيل وبحسب إعلامها ماضية في هذا التوجه، ولكنّ السؤال هل تقوم بذلك بمعزل عن الأميركيين؟

يجيب الخبراء، لقد لعب الأميركيون في ظل الادارة السابقة دور الوسيط في ما خص المنطقة البحرية المتنازَع عليها من اسرائيل (الـ860 كيلومتراً)، وعيّنت مجموعة شخصيات رفيعة المستوى لتولّي متابعة هذا الملف مع لبنان واسرائيل، وفي لحظة معيّنة كادت تصل الى حلول وسط، إلّا انها لم تستطع أن تقنع الاسرائيلي بما وصلت اليه.

وبالتالي كل شيء ممكن، فقد يكون الاسرائيلي مستنداً بخطوة الضم الى ضوء اخضر اميركي من وحي الادارة الاميركية الجديدة، فتلك مصيبة لأنها تنطوي على كم هائل من المخاطر.

وإن لم تكن مستندة الى الضوء الاخضر الاميركي فتلك مصيبة ايضاً إذ قد يكون الاسرائيلي يحاول أن يفرض امراً واقعاً يخلط فيه الاوراق مستفيداً من أنّ دونالد ترامب لم يرتب اولويات وليس لديه تصوّر نهائي لمآل الامور ليس فقط في ملف النفط، بل في كل ملفات المنطقة.

يذكر الخبراء أنّ هذه الازمة البحرية التي يعيشها لبنان، لم تتأتَ عليه من الخارج بداية بل جاءت اليه من داخل الدار عندما ارتكبت احدى الحكومات خطأً قاتلاً قبل العام 2010، إلّا أنّ لبنان ليس في موقع الضعف او مكبّل اليدين حيال حماية حدوده ومنع المساس بحقه إذ إنه يملك حيال ذلك مجموعة عناصر تحصينية:

• اولها، وحدته الوطنية.

• ثانيها، التفاهم بين القوى السياسية الاساسية، علماً أنّ هذه القوى معنيّة بملف النفط وقد ثبت أنها متفقة على العناوين العريضة وبالتالي هذا لا يبرّر أبداً وجود أيّ ثغرة في جدار التماسك الداخلي دفاعاً عن هذا الحق الذي اصبح في ظل الدين اللبناني العام والازمة الاقتصادية المتفاقمة آخر شريان أمل لإعادة نهوض لبنان اقتصادياً.

• ثالثها، امتلاكه كل الوثائق القانونية التي تثبت حقه.

• رابعها، امتلاكه قدرة الردع. وللجيش اللبناني الاكيد في هذا المجال، ولكن ماذا عن قوى الردع الأخرى؟

هنا يذكّر الخبراء بمعادلة النفط مقابل النفط والغاز مقابل الغاز والآبار مقابل الآبار، التي اطلقها الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، التي أدرج فيها الحقول البحرية النفطية والغازية ضمن نطاق عمل المهام، علماً أنّ الصحافة الإسرائيلية ضجّت في السنوات الاخيرة في نشر التحليلات والتعليقات والمقالات التي حاولت استكشاف ماهية أذرع القوة التي امتلكها «حزب الله»، والقدرات التي تمكنه من خوض معركة البحار.