IMLebanon

مزيد من المصارحة إذا ما أريد لتسوية شاملة أن تنطلق

رغم كل هشاشة مزمنة فيه أو مضافة على ما هو مزمن في السنوات الماضية، لا يزال لبنان خارج منطقة الاشتعال الاقليمي المحاذية له.

التبعات الوخيمة للتدخل الفئوي في سوريا، والاستهدافات الارهابية للضاحية الجنوبية، وعدم التوازن بين المجموعات اللبنانية جراء المعادلات المختصرة بعنوان «السلاح خارج كنف الدولة»، وعدم حصول الانتخابات النيابية في موعدها، والتمديد الذاتي مرتين للمجلس إياه، والشغور الرئاسي المستفحل، والأزمة الحكومية، وأزمة النفايات المتمادية، كل هذا لم ينتج عنه مزيداً من زجّ لبنان الى منطقة الاشتعال الاقليمي.

الى حد ما يمكن القول ان الاستقطاب الحاد الذي عاشه المجتمع اللبناني قبل عشر أو خمس سنوات تراجع كثيراً، استهلك حتى الشعارات الصحيحة، لأن الشعارات الصحيحة حين تعاد وتتكرر من دون مداخل عملية ايجابية «تبوخ«.

في الوقت نفسه تراجع حدّة الاستقطاب لم يفلح في كسر الحلقة المفرغة، سواء على صعيد القانون الانتخابي أو الملف الرئاسي أو سوى ذلك من ملفات. بالعكس. مع تراجع «الثنائية الآذارية» تراجعت أيضاً القدرة على معالجة الملفات، ليس فقط الملفات التي يمكن أن «تنتظر» نسبياً، بل أيضاً الملفات المرتبطة بايقاعات استحقاقية، كالانتخابات رئاسية أو نيابية، أو الملفات المرتبطة بروزنامة بيئية صحية كموضوع «اجلاء النفايات» عن حياة السكان.

بدل حدة «الاستقطاب الآذاري المركزي» دخلنا في دائرة «الصعود والهبوط» في الحسابات بين الفرقاء، من دون أن يعني ذلك أن المشكلات الأساسية، ومشكلة سلاح «حزب الله» قد غادرتنا، بالعكس. بدلاً من «تهلهل» الوضع الداخلي جراء حدة الانقسام بين اللبنانيين، صرنا الى «تهلهل» الانقسام نفسه، من دون أن يعني ذلك سوى المزيد من تعطيل الحظوظ للدفع الذاتي باتجاه ما أعيد تحريكه مؤخراً من مساعي «تسوية«.

بل إن هذه التسوية التي يضاف اليها فوراً وصف «الشاملة» ستظل المشكلة في طرحها أنّ «شموليتها» هذه، تلاقي استحساناً اجماعياً على الوصف، واختلافاً جدياً على مضمون الوصف. فتسوية «شاملة» على صعيد ملء المؤسسات هي تسوية «جزئية» طالما استبعدت البحث المسائل الملتهبة كالقتال في سوريا، ليس من باب حل هذه المسائل، بل أقله من باب أخذ عدم حلها في الاعتبار عند مقاربة الموضوع الرئاسي، أو موضوع القانون الانتخابي، وأخذ أي تقدم يمكن احرازه على هذين الصعيدين كمدخل لا بد من توضيحه على سبيل تنظيم الخلاف، وتنظيم النقاش، حول الملتهب، الأساسي من مشكلات.

بالتوازي، الاطمئنان المبالغ فيه الى ان الوضع لن يتدهور الى التماثل مع الاشتعال الاقليمي مهما حصل، كما الاطمئنان الى ان المؤسسات يمكن ان تبقى معطلة ثم تشغّل حين تلوح تسوية اقليمية، هي من جملة ما يضرّ بالاستقرار المحفوظ في حدّه الأدنى رغم كل هذه الهشاشة. هذا الاستقرار الهش يعود الى حد كبير الى ان لبنان عاش حربه الأهلية الطويلة في العقود السابقة، وعاش انقسامه الحاد في السنوات السابقة، وغادر هاتين المساحتين بشكل أو بآخر، ولو كان للمضي الى المزيد من انعدام الاتفاق بين مكوناته، ومن «اهتراء المعايير» المستخدمة في السياسة الداخلية. هو استقرار يلعب اللجوء الديموغرافي السوري الكبير دوراً في تثبيته من ناحية (كم يجعل الناس تفكر مرتين قبل الاسترسال في التوترات اللبنانية الداخلية) وفي زيادة هشاشته في الوقت نفسه.

وبشكل مكثف، عبثاً البحث في معالجة المتراكم من أمور مستعصية دون التطرق تحديداً الى هذه المشكلة التي تخترق كل المشكلات: اهتراء المعايير.