IMLebanon

حراك برعاية سعودية لمواجهة عون وحزب الله

أوساط رئاسية استغربت ردود الفعل سواء كانت خجولة أو صامتة أو صريحة حول موقف رئيس الجمهوريّة الأخير بوجه أي اعتداء إسرائيليّ ضدّ لبنان. وأعربت تلك الأوساط عن أسف بالغ بعدم عودة بعضهم إلى خطاب القسم، وقد ركّز الرئيس فيه على مفهومين واضحيّن يعتبران عقائديين، وهما استبقاء المقاومة بوجه أيّ اعتداء إسرائيليّ على الجنوب، ومفهوم الحرب الاستباقية على الإرهاب، وهما مفهومان متكاملان في الحفاظ على الكيانيّة اللبنانيّة برسالتها وفلسفتها الميثاقية المتناقضة مع فلسفة الكيان اليهوديّ ووجوده.

وفي معرض الاستغراب تساءلت تلك الأوساط وفي ردّ واضح على كلّ من انزعج من موقف رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون القاطع والجازم أو استهجنه، فتساءلت قائلة: أليست إسرائيل دولة عدوّة للبنان والعروبة، أليست هي عدوّة لما يسمّى الاعتدال السنيّ واللقاء المسيحيّ-الإسلاميّ، فلماذا الانزعاج والاستهجان من موقف وطنيّ وراق، بل من موقف يعبّر بصلابة عن السيادة اللبنانيّة من رئيس أقسم على حمايتها وصيانتها؟ وتعتبر تلك الأوساط بأن ثمّة سياقًا قد بدأ يتوضّح رويدًا رويدًا وبصورة تدريجيّة، ومن اللحظة التي تكلّم فيها الرئيس داعمًا سلاح حزب الله بوجه إسرائيل وبوجه القوى التكفيريّة، والسياق يحاول إعادة الواقع اللبنانيّ إلى المربّع الذي كان واقفًا عليه قبل مرحلة الرئاسة بعد فشل معظم الخطط ومنها إنتاج رئيس على صورة القوى المعرقلة ومثالها، وقد جاء رئيس قويّ بحيثيّته التمثيليّة، وهو يخوض معركة سنّ قانون للانتخابات تتمثّل فيه النسبيّة والميثاقيّة وتتزاوجان ضمن رؤية واحدة.

وتضيف تلك الأوساط الرئاسيّة بأنّ الرئيس لن يفرّط لحظة واحدة بحبّة من التراب اللبنانيّ ولا بحرف واحد من الميثاق والدستور، وعنده أنّ الأرض والميثاق والدستور ثالوث مقدّس، بني عليه الوطن وتبنى عليه المؤسسات، فلا أرض بلا ميثاق ولا دستور بلا أرض وميثاق، والسيادة اللبنانيّة من الشمال إلى الجنوب راسخة بفعل هذا الترابط المتين، وتذكّر تلك الأوساط بأنّ الرئيس واجه السوريين حين كانوا أوصياء على لبنان، ورفض وصايتهم، وحين خرجوا من لبنان تصالح معهم ونحت علاقة من الندّ إلى الندّ  قائمة على المحبة والتعاون والصراحة، وحين تعرّضت سوريا لهجمات التكفيريين كان للرئيس موقف داعم لوجود الدولة في سوريا بوجه تلك القوى الغاشمة المهدّدة لأمن لبنان وسوريا والمشرق معًا فسوريا ولبنان والعراق والأردن وفلسطين يشكلون هذا المشرق. وتؤكّد تلك الأوساط بأن الرئيس يساوي بين تلك القوى وبين إسرائيل ويرى أن إسرائيل ساهمت بصناعتهم لكي يبقى المشرق العربيّ مشرذمًا ومبعثرًا إلى مجموعات طائفيّة ومذهبيّة، وطالما إنّ إسرائيل لا تزال تحتلّ جزءًا من لبنان وتشرّد الفلسطينيين من أرضهم فإن قتالها شرعيّ ومبارك، وهذا أعلن عنه في كلمته خلال لقائه السفراء العرب في الجامعة العربيّة، وسلاح حزب الله بهذا المعنى شرعيّ في مواجهته إسرائيل ومقاومتها.

أوساط أخرى رأت بأن ردّة الفعل على موقف الرئيس ينتمي بالضرورة إلى حراك يؤسّس على تلك المواقف تقوده خفية دولة عربيّة تعتقد نفسها متضرّرة من هذه المواقف الأخيرة. وتظهر تلك الأوساط وبناء على معلومات، بأنّ السعوديّة استاءت كثيرًا من زيارة الرئيس إلى مصر وإبدائه تلك المواقف الصلبة على أرضها بخصوص فلسطين وخصوص المصالحة العربيّة-العربيّة. فهي لا تزال تصرّ وترى بأن أوان نضج تلك المصالحة لم يحن بعد، والمصالحة بالنسبة إليهم لن تكون مع الرئيس السوريّ بشّار الأسد، وتظهر المعلومات بأنّ السعوديّة قبل وبعيد زيارة الرئيس عون إلى الأردن حاولت الضغط على الملك الأردنيّ للسير بعكس التوجهات التي برزت خلال اللقاء بينه وبين الرئيس اللبنانيّ، سيّما أنها علمت بلقاءات واتصالات جرت بين الأردنيين والسوريين، فما كان من الأردنيين سوى عدم الاستجابة وللمرة الأولى لتلك الضغوطات، وأبلغوا السلطات السعوديّة بأنهم يرفضون انعكاس الواقع السوريّ في الداخل الأردنيّ، وأظهرت الغارات الروسيّة على مدينة درعا السوريّة والملاصقة للحدود الأردنيّة-السوريّة، التبدّلات في الموقف الأردنيّ المتمثّل لوقف أي حراك بل قمعه من جهة الحدود السوريّة الأردنيّة باتجاه الداخل السوريّ. وتعتقد تلك الأوساط وبناء على معلومات بأنّ محورًا عربيًّا جديدًا قد يتبلور مع الوقت قوامه لبنان وسوريا والأردن ومصر ضمن رعاية روسيّة ومباركة إيرانية بوجه إسرائيل الرافضة لقيام الدولتين وبوجه القوى التكفيريّة الساعية لتمزيق المشرق العربيّ خدمة لإسرائيل.

بناء على ذلك تبدي تلك الأوساط ما يلي:

1-لا يزال لبنان يعيش أزمة نظام ووجود، على الرغم من رسوخ التسوية الرئاسية واستقرارها بجزئياتها. وعلى الرغم من ذلك فالإشارات الواضحة تشير بأن الاستقرار لا يزال مثقوبًا بفعل عدم الاتفاق على قانون الانتخابات وإصرار بعضهم على رفض النسبيّة وربما يتجه بعضهم الآخر إلى رفض القانون المقدّم من قبل التيار الوطنيّ الحرّ معدّلاً.

2-لا يزال عدد من الأفرقاء اللبنانيين، يعارض وجود السلاح الرادع لحزب الله في مواجهة إسرائيل، وينسى بعضهم بأنّ مواجهة إسرائيل من المقاومة ليست محصورة في الجنوب بل باتت على حدود الجولان السوريّ المحتلّ، وهذا السلاح مقرونًا بالموقفين الأخيرين لرئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون وأمين حزب الله السيد حسن نصرالله، أسّس لأرضيّة صلبة ومواجهة ومقاومة سواء عن طريق الجيش النظاميّ أو المقاومة، وقد شرّعت الحكومة الحالية هذا اللصوق، وهذا ما أسّس أيضًا لتوازن رعب جديد رادع لإسرائيل، فلا يمكن لها مهاجمة لبنان بلا حساب لما ينتظرها من مواجهات ومن ردود فعل قاسية وعنيفة.

3- إن لبنان يعيش في وسط تبدّل واضح لقواعد اللعبة وموازين القوى في المنطقة، فالاستقرار في لبنان بعنوانه العريض وبفعل امتداد الاتفاق الدوليّ-الإيرانيّ إلى المنطقة ومنها لبنان، وقد شكّل شبكة استقرار وأمان، لكنّ الأمور على ما يبدو آيلة إلى تبدّل جذريّ قد يطرأ على صلابة الاتفاق، وفقًا لتوافق أميركيّ-إسرائيليّ-خليجيّ يقوم على مواجهته بتأثيراته وتجلياته وامتداداته ومعانيه وأبعاده في جوهر الإقليم الملتهب في تركيبته وفي تفاصيله ومفرداته وأنظمته. وترى تلك الأوساط بأنّ حراكًا جديدًا بدأ يظهر في الداخل اللبنانيّ برعاية سعوديّة يواجه الرئيس بمواقفه ويواجه حزب الله بسلاحه، وهذا ما يفسّر بيان وزارة الخارجية الأميركيّة التي حذّرت رعاياها من المجيء إلى لبنان، وعلى الرغم من تخفيف لهجة البيان من قبل مصادر السفارة الأميركيّة في عوكر، فبيان الوزارة واضح في مرامه ومقاصده وتوجهاته.

سؤالان مطروحان للتأمل والنقاش: هل سسيصمد التوافق الطيب بين رئيس الجمهوريّة العماد عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، وفي الوقت عينه هل ستصمد ورقة النيات بين التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة؟

مصادر سياسيّة عديدة لفتت النظر إلى أمرين أساسيين:

أ- إنّ التبدّل في قواعد الاشتباك في المنطقة لن يتيح المجال بولوج لبنان إلى أزمة حكم بالإضافة إلى أزمة نظام سياسيّ تتحكّم به بسبب الخلاف حول قانون الانتخابات وطبيعته. وتقول المعلومات الواردة من تلك المصادر بأن طينة العلاقة بين رئيس الجموريّة ورئيس الحكومة مشبعة بالثقة الشخصيّة بينهما وحرصهما على سيرورة الحكم وإدارة البلد خلوًّا من عيب أو فساد. ويتجلى الحرص تحديدًا بتفهّم كلّ من الرئيسين لبعضهما على الرغم من التباين الاستراتيجيّ الكبير سواءً كان تحت عنوان سلاح حزب الله أو العلاقة مع سوريا. وتقول تلك المصادر بأن الرئيسين حريصان على وحدة الدولة وإعادة تكوينها من جديد وفقًا لقانون انتخابات يعبّر عن حرصهما المشترك لضمان ارتقاء لبنان من الفساد إلى الحياة. أمّا فيما خصّ الحزب وسوريا، فإن خطاب «البيال» واضح ولا يحتاج لتأويل، وعلى الرغم من ذلك فالرؤية من شأنها أن تتوضّح أكثر إذا انتهى الحوار الثنائيّ المشترك بين تيار المستقبل وحزب الله إلى مسلّمات جديدة غير خاضعة للاشتباك المتجدّد بين إيران والسعوديّة في ضوء الاشتباك الإيرانيّ-الأميركيّ، ومن هذه المسلمات مسلمّة واضحة بأن سلاح حزب الله حما الطائفة السنيّة الكريمة وحما الاعتدال الإسلاميّ من السلاح التكفيريّ، وهذا متشرّش عند قيادات لا يمكن لأحد التنكّر لسنيتها وإسلامها كفيصل كرامي وعبد الرحيم مراد وآخرين.

ب- على مستوى العلاقة المسيحيّة-المسيحيّة، أي التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة، فهي تملك خصوصيتها وخصوبتها في استبقاء المكوّن المسيحيّ متينًا لا تهزّه العواصف البتّة. وعلى الرغم من عدم توافق قائد القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع حول مسألة السلاح، بقي التواد سيد الموقف. وتظهر معلومات بأنّ جعجع تعامل بإيجابية مع هذا الموقف، وفي الوقت عينه فإن زيارة وزير الإعلام ملحم رياشي لرئيس الجمهوريّة كشفت المودّة الجامعة للطرفين. وتجلى ذلك باتفاق أوليّ بين التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة وتيار المستقبل على نأي موضوع موقف الرئيس من السلاح عن قانون الانتخابات، وبالتالي فإنّ للقوى السياسيّة الثلاث مصلحة بتأمين أرضية جامعة سيحل عليها المشروع المقترح من الوزير جبران باسيل ضيفًا منعشًا لنقاشه، وتقول هذه المصدر بأنّ عددًا كبيرًا من البنود قد تم الاتفاق عليها بين القوى الثلاث وبحسب المعلومات فإنّ هذه القوى تنتظر موقفًا واضحًا من حزب الله ومن سائر القوى لمعرقة مدى إمكانية ترسيخ هذا القانون ودعوة الهيئات الناخبة للانتخابات بناء عليه، أو فإنّ الرئيس على استعداد لدعوة الناخبين إلى استفتاء حول شكل القانون، وسيكون لبنان أمام أمرين: إمّا الفراغ أو النسبية مع دوائر موسّعة، وغالب الظنّ أن لبنان مأخوذ إلى الخيار الأخير.

ختامًا، قد يأتي وقت وستدرك معظم القوى وبعيدًا عن الهواجس العقيديّة والطوائفية والمذهبيّة أهمية دور سلاح حزب الله في تأمين الاستقرار الداخليّ وحماية لبنان من القوى التكفيريّة ودوره في مواجهة إسرائيل بالعمق الاستراتيجيّ، وهذا ما أظهره بالفعل كلام الرئيس وقد بدا كلامًا جوهريًّا في خصوصيّة الصراع مع إسرائيل ولحظته المستديمة