IMLebanon

سيّد الأحكام

الدولة بكل مفاصلها مشغولة بالانتخابات النيابية المقررة في الثلث الأخير من شهر أيّار المقبل وفق احكام الدستور والقانون الذي لا يزال ساري المفعول من دون التوصّل إلى اتفاق بين القوى السياسية على أي قانون سترسو عليه العملية الانتخابية هل على اساس النسبية الكاملة التي يصرُّ عليها الثنائي الشيعي ويتناغم معه ضمناً التيار الوطني الحر، أم على اساس الأكثري الكامل الذي يتمسك به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ويعتبر ان لا بديل عنه في ظل بقاء النظام الطائفي وعدم تطبيق ما نص عليه اتفاق الطائف لجهة الغاء الطائفية واجراء الانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي وانتخاب مجلس شيوخ على اساس طائفي مراعاة للتركيبة اللبنانية من جهة ولصيغة العيش المشترك التي ارساها ميثاق 1943.

عندما تشكّلت حكومة استعادة الثقة صدر أوّل تعليق من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نفى عنها صفة حكومة العهد الأولى وقال بأنها حكومة مؤقتة تقتصر مهمتها على إنجاز الموازنة العامة وإحالتها إلى مجلس النواب وعلى إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية لتليها حكومة العهد الأولى بعد أن يتم عبر الانتخابات النيابية اعادة تكوين السلطة لأنها أي السلطة لا تكون الا بعد ان يقول الشعب كلمته في الانتخابات النيابية، وفي الطاقم الذي سيمثله من خلال انتخابات حرة وفق القانون الساري المفعول.

وعملياً عكفت الحكومة بعد نيلها الثقة على درس مشروع الموازنة العامة وفق ما هو مطلوب منها فيما انهمكت القوى السياسية بالنقاش حول القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات بعد اجماعها على رفض قانون الستين لأنه في نظر الفريق المسيحي وتحديداً الثنائي الحر والقوات اللبنانية لا يحقق التوازن الوطني والطائفي المطلوبين في اعادة تكوين السلطة على الأسس التي نص عليها الميثاق الوطني المعروف، ومنذ ذلك الحين والاتصالات جارية للاتفاق على قانون يكون صحيحاً وعادلاً ولا يلغي اي مكون أو طائفة من الطوائف اللبنانية، من دون الوصول حتى الآن الى الاتفاق على صيغة من الصيغ المطروحة مع تقدم ملحوظ للمختلط على ما عداه من اقتراحات المشاريع المحالة الى مجلس النواب والتي يجري تداولها بين الكتل النيابية والقوى السياسية كافة من دون ان يرقى هذا التقدم الى حدود التأمل بتحويله الى واقع قبل حلول موعد الانتخابات النيابية ما رجح كفة التمديد للمجلس الحالي، كأمر لا بدّ منه لتفادي الوقوع في محظور الفراغ في السلطة التشريعية ودخول النظام برمته في المجهول.

وفي خضمّ هذا الواقع المرير دفع تصريح وزير الخارجية جبران باسيل والذي أعطى فيه الأولوية لإقرار قانون جديد للانتخابات على ما عداه من أولويات كإقرار قانون الموازنة العامة مثلاً بوصفها أحد أولويات العهد التي ركز عليها رئيس الجمهورية في خطاب القسم وفي كل توجهاته العامة، وذهابه (باسيل) أبعد من ذلك الى حدود اعتبار قانون الانتخابات أهم حتى من العهد نفسه، دفع الأمور في اتجاه مزيد من التعقيد وترك انطباعاً عاماً مفاده أن البلاد مقبلة فعلاً على أزمة حكم بل وعلى ازمة وطنية كبرى في حال نفذ رئيس التيار الوطني الحر تهديداته وهي أزمة الدخول في الفراغ التشريعي الذي يشكل قاعدة النظام القائم على الديمقراطية البرلمانية، أي على حكم الشعب الذي يتولى ادارتها مجلس نيابي منتخب من الشعب نفسه.

كل المؤشرات تدل على أن البلد دخل في منزلق خطير، وهو التمديد القسري للمجلس الحالي سواء بإرادة رئيس التيار الوطني الحر أو من دون ارادته الا إذا ألهم الله القوى السياسية واتفقت خلال الوقت المتبقي على قانون جديد للانتخابات والاكتفاء فقط بالتمديد التقني.