IMLebanon

«البلديّة» مدخل الى «المؤتمر التأسيسي»؟

ثمّة واقع سياسي جديد سيفرض نفسه بعد الانتهاء من الاستحقاق البلدي. صحيح أنّ لهذه الانتخابات خصوصيّتها الذاتية، لكنّ الصحيح أيضاً أنّ معظم الأفرقاء خاضوا المعارك الانتخابية بأقصى حدّ من التسييس، وربما القطب المخفيّة.

أما بين الخصوصية البلدية والتعبئة السياسية تظهر خلاصة واحدة: العبرة السياسية ليست بعدد المجالس أو المقاعد الفائزة، بل بقياس المزاج الشعبي المستجد والتحوّلات التي طرأت عليه. ذلك أنّ هناك إشارات كبيرة اختزنتها صناديق الاقتراع.

صحيح أنّ رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع اتفقا على ظهور إعلامي مشترك وموحّد عقب الانتهاء من كلّ مراحل الانتخابات البلدية لقراءة نتائجها وفق تصورهما المشترك والبناء عليها للانطلاق في إعادة إحياء خيارهما الرئاسي اضافة الى الاستحقاق النيابي المقبل.

لكنّ الواقعية والموضوعية تفرضان القول إنّ المرحلة الاولى من هذه الانتخابات البلدية لم تكن في مستوى الآمال المطلوب، لا بل على العكس فالمرحلة الثانية لا تبدو كفيلة بالتعويض، فالمواجهات بين الثنائي الحزبي حاصلة في بلدات كبرى في جبل لبنان ما يحرمها بطبيعة الحال من استثمار النتائج في إطار الاستحقاق الرئاسي.

لكنّ الاهم خروج النزاع بين تيار «المستقبل» و»القوات اللبنانية» الى العلن وظهور غيوم في العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله».

وأن يحجم أبناء الطائفة السنّية عن الاقتراع لمرشحي «القوات اللبنانية» في زحلة وأن يقترع مناصرو «القوات» في العاصمة على ضآلتهم للائحة المنافسة، فهذا يعني أنّ الامور أصبحت على شفير الطلاق بين الساحتين ولم تعد المسألة تقتصر على أزمة ثقة بين القياديين في التنظيمين.

في العلن انتقد الرئيس سعد الحريري «خيانة» الحلفاء، لكنّ الكلام الاخطر هو ما يدور في الكواليس. ذلك أنّ البعض يذهب الى أبعد من عجز القيادات الحزبية عن تفعيل ساحاتها وإلزام مناصريها باللائحة الائتلافية كما تفترض أصول التحالف.

ويعتقد هؤلاء أنّ في عدم تحريك الماكينات الحزبية وتحفيز الناس نيّة مبيّتة لإحداث خرق في اللائحة الائتلافية وأن تؤدّي الى إسقاط أعضاء مسيحيين فيها تمهيداً للبناء على ذلك والدعوة بعدها الى تقسيم البلدية.

في المقلب الآخر، أي على خط العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وحزب الله كلام كثير ولو أنه لم يرتقِ الى مستوى الشكاوى الرسمية بين قيادتي التنظيمين، فعبر قنوات التواصل الرسمية كلّ شيء طبيعي، تواصل يومي وتنسيق مستمر. لكنّ الهمس الذي يصدر لم يأتِ من فراغ.

مصادر حزب الله تقول إنّ التشويش الحاصل سيتبدّد مع حلول انتخابات الجنوب النيابية الفرعية والبلدية. لكنها تضيف أنّ الاعتقاد بأنّ حزب الله قادر على إلزام حركة «أمل» بكلّ قراراته هو تفكير سطحي وغير واقعي وقد لا يصدق البعض هذا التبرير، وانسحاب حركة «أمل» وواقعه تحالف الحركة مع «المستقبل» في بيروت وخروج الحزب وامتناعه عن المشاركة تدعم وجهة النظر هذه.

لكنّ الكلام الاعتراضي قد لا يكون فعلياً بسبب الانتخابات البلدية، بل هو يعود الى ملف رئاسة الجمهورية، وإنّ إعلانه جاء في مناسبة الاستحقاق البلدي. موقف مؤيّد لعون ولكنه في الوقت نفسه لم يسعَ لسحب سليمان فرنجية وهو ما يثير الرابية، فيما تعتقد أوساط قريبة من حزب الله أنّ فيه كثيراً من التجنّي، لا بل إنه يقع في سعي معراب الى الإيقاع بين عون والأمين العام لحزب الله السيد نصرالله، لأنّ لقدرة الحزب حدوداً، واسلوب تعاطيه مع حلفائه معروف ومعلوم لدى الجميع.

في أيّ حال فإنّ الاحتقان «القواتي» مع «المستقبل» وتلبّد الغيوم بين حزب الله و»التيار الوطني الحر» والتي أظهرتها المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية سيظهران ولو بأشكال مختلفة بعد انتهاء المرحلة الرابعة.

فيومها سيفتح ملف قانون الانتخابات النيابية نقاشاً سيكون حامياً وسط اندفاع أكبر لدى الثنائية المسيحية الى قانون يعكس «حسن التمثيل» المسيحي. ومن هنا يفهم طلب إدراج مشروع قانون «اللقاء الأرثوذكسي» على التصويت في مجلس النواب ربما بهدف رفع السقف.

وصحيح أنّ السبيل الوحيد هو مشروع القانون المختلط، إلّا أنّ شكل هذا المشروع وعدد الدوائر والتفاصيل المتعلقة به لا تبدو بالأمر الميسّر.

في وقت يهمس البعض باحتمال التوافق على مشروع مختلط شرط أن يُعتمد في الانتخابات النيابية سنة 2021 أما الانتخابات المقبلة فتُجرى وفق القانون الحالي، أي وفق النظام الأكثري وهو ما لا تعترض عليه المكوّنات السياسية الرئيسية ضمناً بما فيها المسيحية، خصوصاً بعد الفرز الذي أظهرته الساحة المسيحية إثر المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية. لكنّ السؤال: وفق أيّ تحالفات؟

كلّ هذه الورشة والاصطفاف الجديد والنزاع القائم قد يأخذ البلد في اتجاهاتٍ أُخرى، مثل طرح تطبيق «اتفاق الطائف» مقدمة لإصلاحات دستورية جديدة، أو بتعبير أوضح، مؤتمر تأسيسي جديد للبلاد. فالظروف الإقليمية مؤهّلة لذلك والنزاع الداخلي الذي أضحى طائفياً ومذهبياً بامتياز يعزّز ذلك. وعدم وجود رئيس للجمهورية ووجود حكومة عاجزة مفكّكة، كلّ ذلك يدفع العربة اللبنانية في هذا الدرب شئنا أم أبينا.

في العام 1989 ذهب النواب الى مدينة الطائف السعودية وكتبوا الاتفاق الذي أضحى الركيزة الدستورية للجمهورية الثانية.

لكنّ الصحيح أنّ التوازنات الإقليمية هي التي صاغت و»دوزنت» هذا الاتفاق وجاءت أثمانه كبيرة، من اغتيال الرئيس رينيه معوّض وصولاً الى «حرب الإلغاء» التي دمّرت المنطقة الشرقية فيما التوازنات الإقليمية اليوم تبدو في مكان آخر، والمسيحيون يفتقدون الى راعٍ إقليمي أو دوليّ فاعل.

وهو ما يعني أنّ نبش أوراق الدستور في وقت تجري إعادة صوغ دستور جديد في سوريا قد لا يكون في مصلحة المسيحيين. فلماذا الاندفاع والركض في اتجاهات غير مضمونة.

تكفي الإشارة مثلاً الى مؤشرين بلديَّين غابا عن التشريح:

المؤشر الأول في عرسال حيث تمّ إسقاط اللائحة التي شكلت عنوان التواصل بين عرسال والساحة السورية، تواصل بلغ حدّ التوأمة. فيما الخيار الجديد يؤشر الى تعب العراسلة من هذا الخيار والاستعداد للاستدارة في اتجاه آخر يفصل بين البلدة والبركان السوري.

والمؤشر الثاني في بريتال حيث أراد «حزب الله» إزالة الخصوصية التي كان يتركها للشيخ صبحي الطفيلي وبالتالي الإمساك بالبلدة، ذلك أنّ الطفيلي ذهب بعيداً في دوره كرأس حربة ضدّ تدخل حزب الله في الحرب السورية. وبالتالي أراد إقفال الثغرة التي كانت تعطي فسحة بسيطة للطفيلي على الساحة الشيعية، خصوصاً أنّ أكلاف الحرب ترتفع وحزب الله يستعد لمرحلة حربية طويلة.