IMLebanon

نصر الله يدشّن مرحلة جديدة قوامها تخوين السُنّة بعد وصمهم بالإرهاب

التدخُّل السعودي – التركي في سوريا حتمي لإنقاذ المنطقة من الزحف الإيراني المظلّل بالغطاء الأميركي

 

افتتح الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله مرحلة جديدة من الصراع الإقليمي، على أبواب الخطوة السعودية – التركية المرتقبة لإنقاذ الشعب السوري من أتون الجحيم الذي قاده إليه بشار الأسد، منتقلا من اتهام محصور لبعض المجموعات السنية بالإرهاب والتكفير ومحاولة تعميمه وربطه بخصوم إيران، وخاصة المملكة العربية السعودية.. إلى مرحلة تعميم الاتهام لأهل السُنّة بالعمالة للعدو الإسرائيلي، حكّاما ودولا، دون أن يكلّف نفسه استثناء الشعوب العربية، في خطاب مُريب يدعو إلى الكثير من التأمّل والتحفّظ والحذر.

فلكل مرحلة من الحملات الإيرانية السياسية والأمنية، أدوات جديدة، ومرحلة الاتهام بالتكفير والإرهاب، يبدو أنّها شارفت على استنفاد أغراضها، وحان الوقت ليضيف إليها العقل الإيراني خطاب العمالة للعدو الصهيوني، مع ما يرافقه من عـدّة وعتاد سياسي وإعلامي.

فبعد أنْ كان نصر الله يصف بعض الحركات السنية بأنها إرهابية تكفيرية، مثل «القاعدة» و«تنظيم الدولة الإسلامية»، ويلصق ما يصفها به بالمملكة العربية السعودية، ها هو اليوم يعمّم التخوين لمجمل أهل السُنّة بدعوى قبول الحكام والدول السنية بالصداقة مع العدو الإسرائيلي، معتمدا التعميم والاستنتاج السلبي الآحادي الاتجاه من دون الاستناد إلى حقائق موضوعية، ومبتعدا عن تسمية الأشياء بأسمائها.

فقد بنى نصر الله عمود خطابه على مادة تضليلية مستندة إلى تحليلات ومواقف مسؤولين في كيان العدو، على ما ابتدعه من تقاطع في المصالح بين المشروع الصهيوني في سوريا وبين مقاصد الدول العربية وتركيا من التدخل في الشأن السوري.

وهنا لُبْ الخديعة التي ركّب فيها أمين عام «حزب الله» مطالعته، حيث يتضح أن كل كلامه عن «العلاقات الإسرائيلية – السنية» مبنية بشكل أساس على مجموعة تصريحات لبعض المسوؤلين والمحللين في الكيان الصهيوني، دون أن يقدم أدنى إثبات على حدوث أي اختراق، عدا ما هو قائم، في الأردن، في حين تجاهل العلاقات المصرية – الإسرائيلية.. على خلفية الموقف المصري في الملف السوري، في حين كانت الملفات ذاتها مثار نقد دائم من قبل إيران وأبواقها أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وفي بعض أيام الرئيس المعزول محمد مرسي.

في المقابل، حاول نصر الله تصوير إيران كتهديد وجودي للعدو الإسرائيلي، ورفع مستوى حضور حزبه في الصراع إلى مستوى الخطر الأول، مضيفا ما أسماه حركات المقاومة، إلى هذه اللائحة، التي حصر فيها المواجهة مع الصهاينة.

في المقابل، وضع نصر الله العرب، مع الصهاينة، في صف واحد، بدعوى التقاء الطرفين على تصوير الصراع القائم على أنه صراع سني – شيعي، مشيرا إلى وجود صراعات في بلدان سنية، لم تدخل فيها إيران، مثل مصر وليبيا، وأن كلاهما يعتبر أن إيران هي العدو والخطر، وأن نظام بشار الأسد و«حزب الله» أيضا عدو حقيقي، مع تجاهل أن «إسرائيل» هي العدو الفعلي.

تقاطع إيراني – أميركي

في المقابل، وضع نصر الله نفسه في أكثر من محطة سابقة، وحالية في حالة تقاطع مصالح صريح وفاقع مع الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر)، وتحديدا عندما تحدث عن الرفض الأميركي لموقف المعارضة السورية والسعودية من العملية التفاوضية في جنيف، وهذا ليس جديدا على إيران وأحزابها، التي دخلت العراق على الدبابة الأميركية، وأعلن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني أنه لولا التنسيق الأميركي – الإيراني، لما دخلت الجيوش الأميركية العراق وأفغانستان..

ركّز نصر الله في هذا السياق على الاستناد إلى الإعلام الإسرائيلي في تحليله وإنتاج موقفه، من خلال ادعاء تطابق الأدبيات والمصطلحات بين الإعلام الصهيوني والإعلام السعودي والخليجي، وهو سبق أن اتهم معارضيه الذين يستندون إلى مصادر إسرائيلية بأنهم يستسقون موادهم من إعلام العدو، ويتلاقون معه في المصالح والغايات..!!

 ــ نسب نصر الله إلى حكّام المملكة العربية السعودية أنهم يقبلون، أو يسعون إلى تقسيم سوريا، في حين أن الخطاب الرسمي والجهد الدبلوماسي السعودي يركز على ثنائية في الخطاب: وحدة سوريا وحرية شعبها، في حين أزال نصر الله من خطابه قضية الحرية تماما، ويتخذ والأسد من قضية الوحدة، معبرا تلقائيا للقمع والقتل والإرهاب.

ــ استفاض نصر الله في الحديث عن تحارب العدو الإسرائيلي في الغدر بالطوائف: فهو سبق أن قدم نفسه حاميا للمسيحيين وللدروز، وعام 1982 حاميا للشيعة في وجه الفلسطينيين، وقد «وصلت الوقاحة اليوم بسبب الأبواب المفتوحة في العالم العربي بالصهاينة أن يقدموا أنفسهم حاميا وصديقا للسنة، ويُقبل هذا في بعض الدول العربية، ويصبح الأمر علنيا».

إيران تُحدِث كارثة أخطر من احتلال فلسطين

تجاهل نصر الله النضال الذي خاضته مختلف الجماعات والأحزاب التي سبقت حزبه في المقاومة للعدو الصهيوني، وحصر أمثلة الصمود والمواجهة برموز حزبه، ليصل إلى أن «بعض العرب السنة يقبلون هذه المصافحة»، مع التركيز على الأهوال التي تسببت بها «إسرائيل» للفلسطينيين والعرب، وتجاهل كامل وتام لكل المجازر التي يرتكبها بشار والإيرانيون والروس في سوريا والعراق..

والحقيقة التي يجب الوقوف عندها، تتمثّل في نجاح إيران بارتكاب أبشع المجازر وأقبح الانتهاكات، بأقل قدر من الخسارة السياسية والمعنوية، بسبب الانضباط الإعلامي والاحتراف في الإبادة والنجاح في فرض التغيير الديموغرافي الذي طلقته في العراق، وها هي اليوم تنفذه في سوريا.

أغدق نصر الله في ادّعاء التعاطف مع الشعب الفلسطيني، مهاجما من أسماهم «الحكام الذين يدّعون زورا أنهم سُنّة»، ومستعرضا نموذج اعتداء جيش الاحتلال على الفتاة الفلسطينية  ياسمين التميمي كيف قُتلت وكيف يتعرض الفلسطينيون للإهانة والتنكيل… وكيف يُقبَل أن تقدَّمَ «إسرائيل» على أنها صديق؟

وفي إشارة إلى أبواق السُنّة الموالين لإيران، ليطلقوا عقيرتهم في حملة التخوين للحكام السُنّة المعادين لإيران ولبشار الأسد، تحدّث نصر الله عمّا أسماه مسؤولية العلماء لكشف هذا التآمر، لأنه إذا حدث وأصبحت الصداقة الإسرائيلية للدول السنية.. «فهذا يعني ضياع فلسطين».

وفي حين يتساءل نصر الله عن إشكالية عودة الفلسطينيين إلى بلادهم، يتجاهل أن إيران وميليشياتها، حوّلت الشعبين السوري والعراقي إلى شعبين مشتتين في الأصقاع والمنافي ومخيمات اللجوء، وإذا كان الصهاينة قد اغتصبوا فلسطين، فإن إيران قد اجتاحت ثلاث دول عربية هي سوريا والعراق واليمن، واغتصبت سيادتها ودمرت بنيتها الاجتماعية، وتهدّد أمن البقية، محدثة كارثة أخطر من كارثة فلسطين.

وخلاف التصريحات العلنية الواضحة، التي سبق لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إطلاقها بضرورة الحفاظ على نظام بشار الأسد، وهو أمر أعلنه نتنياهو جهارا، زعم نصر الله أن «إسرائيل» تسعى إلى قطع وسط محور المقاومة الذي يصل بين طهران والعراق فسوريا انتهاءا بلبنان.. زاعما أن المصلحة الصهيونية تتمثل في زوال نظام الأسد.

وينقل نصر الله عن مطابخ التخطيط الإسرائيلية الادعاء بأن كيان العدو يعتبر «داعش» والنصرة في سوريا أفضل من بقاء بشار الأسد، وهناك شبه إجماع إسرائيلي على أنّ أي خيار آخر غير بشار الأسد مقبول، لأنهم يعتبرون أن هذا النظام كان وسيبقى يشكل خطرا على المشروع الصهيوني بحكم وجوده في محور المقاومة، وكل خيار آخر، أقل خطرا، لذلك، فإن الإسرائيليين يتحركون «من خلف الستار» لدفع حكومات عربية باتجاه الصداقة مع العدو ومعاداة إيران.

واستنتج نصر الله أن «إسرائيل» تتفق مع السعودية وتركيا على إزاحة بشار حتى لو حصلت مصالحة وطنية سورية وتسوية، فإن الأمر مبتوت سعوديا وتركيا، لذلك هم يضعون شروطا مسبقة هم أعجز من أن يحققوها، كما يضعون شروطا لم تعد مقبولة حتى أميركيا.

وفي العبارة الأخيرة، يعترف نصر الله بالتقاطع بين السياسة الأميركية والسياسة الإيرانية لجهة فرض الشروط نفسها على المعارضة السورية قبل الولوج إلى العملية التفاوضية.

إلا أن الأهم من هذا كله أن الحقيقة التاريخية تؤكد أن نظام حافظ وبشار الأسد شكل الحاجز الحامي للحدود مع الجولان المحتل طيلة عقود من الزمن، ومع استجلاء الوقائع، يتضح أن مجمل ما كان يقوم به من تحريك للمجموعات أو القوى، كان لحسابات محدودة، وللتحريك وليس للتحرير..

والدور نفسه يلعبه «حزب الله» اليوم في الجنوب، وكل ما جاء في خطاب نصر الله حول التهديدات العابرة للحدود لم يكن أكثر من خطاب تعبوي يعلم الجميع أنه لا يرقى إلى مستوى التهديد الفعلي، لأن الصراع في سوريا لا يسمح له بترف فتح جبهات أوسع مما تورط فيه حاليا.

شعار الوحدة.. لفرض الاحتلال الإيراني

يستدل نصر الله على تمسك نظام الأسد بوحدة سوريا بالقول ان جيش الأسد يقاتل على امتداد الأراضي السورية شمالا وجنوبا وشرقا (..) وأن كل ما يقال ان القتال هدفه إقامة دويلة هو كذب ودجل.

وفي هذا المقام، يعلن نصر الله أن استراتيجية ايران قد انتقلت  من الحفاظ على النظام بالحدود الدنيا، إلى التحرك لاحتلال كامل التراب السوري، تحت شعار رفض التقسيم، وذلك نتيجة الخلل في الحاصل في التوازن الميداني، بعد الغارات المدمرة على مناطق المعارضة السورية.

قرع نصر الله في كلمته كل نواقيس الفتنة، حتى أيقظ الصراع الصفوي – العثماني، عندما يصف حكم حزب العدالة والتنمية بأنه عثمانية جديدة، كان يُراد لها إذا نجحت في سوريا أن تمتد إلى العالم العربي..

تحدث نصر الله وكأنه صاحب الأرض في سوريا وأنه الآمر الناهي، عندما أعلن أنه لن يسمح لتركيا والسعودية وللعدو الإسرائيلي أو للنصرة وتنظيم الدولة بالانتصار.. موجها التحدي وبشكل واضح للعرب بأنه سيهزمهم في سوريا.

وفي كلام يؤشر بوضوح إلى جدية وحتمية التدخل العربي – الإسلامي في سوريا، توقّع نصر الله أن تأتي قوات دولية فتنتشر وتقيم قواعد حتى إذا أراد النظام التقدّم مع حلفائه فعليهم أن يصطدموا بهم، فتقع حرب إقليمية كبرى زاعما أنهم ليسوا جاهزين على الإطلاق لتسوية وطنية، واصفا السلوك السعودي بأنه حاقد.. في حين يزعم أن أبواب التسوية في سوريا مفتوحة.

وهنا يُعيد نصر الله التهديد بالحرب، إذا ما أراد أحد التدخل لإنقاذ الشعب السوري، فإما أن تُترك الساحة خالية له يحتل سوريا ويصوغ مستقبلها، وإما الحرب الإقليمية.

تغييب الدور الروسي

لوحظ أنّ نصر الله تعمّد في كل خطابه عدم ذكر روسيا بالاسم، واكتفى بالحديث عن القيادة السورية وقوات الدفاع الوطني وما أسماهم الحلفاء، من دون الإتيان على أي ذكر أو تعليق على الدور الروسي في سوريا.

إلا أنّ سؤالا يطرح نفسه عن موقف نصر الله من حليفه بوتين الذي استقبل ملك البحرين الذي يدير التمرّد ضده، وكيف يمكن أن يصنّف هذا اللقاء؟ أم إنّ السبب يكمن هنا في تجاهل الدور الروسي في خطاب نصر الله؟

أخيرا، لقد كان نصر الله دقيقا في توصيف الواقع الميداني عندما تحدث عن فشل المشروعين السعودي والتركي، ولم يتحدث عن سقوطهما، معترفا بأن هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل. والحقيقة أن تركيا والسعودية قد فوّتتا فرصا كثيرة قبل العدوان الروسي على سوريا، تحت شعار ترتيب الغطاء الدولي، وسط انقلاب فاضح في الموقف الأميركي لصالح إيران والأسد.. هذا بالتوازي مع انخفاض شديد في مستويات الدعم للمعارضة السورية.

لقد قامت إيران على مدى عقود بإستخدام كل وسائل فرض الأمر الواقع، فاستباحت الحدود والسيادة للدول العربية، وأنشأت ميليشيات وحشية في العراق وسوريا واليمن، وهي تغزو افريقيا، واستعملت كل أشكال الخروج على النظام الدولي، ودخلت السوق السوداء وعالم العصابات المنظمة.. وصولا إلى الاتفاق النووي مع الغرب، مع تمكن طهران من انتزاع دور اقليمي من واشنطن على حساب العرب والمسلمين.

ليس أمام المملكة العربية السعودية وتركيا وحلفائهما خيارات واسعة، بل إن الميدان هو الذي يقرّر مصير هذا الصراع، الذي دخلته ايران وروسيا دون قرارات دولية ودون أغطية من عواصم القرار.. وهو ما يجب أن يفعله التحالف العربي الإسلامي بكل ثقة قبل أن يفوت الأوان، لأن الشعب السوري اتخذ قراره بالمقاومة والصمود حتى إسقاط خط الطغيان الممتد من طهران إلى بيروت.. فالبديل تهديد إيراني حقيقي للعمق العربي والإسلامي، في تركيا والخليج.