IMLebanon

طروحات نصرالله والتسوية الموقتة

لم يتابع كثير من اللبنانيين زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو المهمة لواشنطن والتي توّجها بلقاء مع الرئيس الاميركي باراك اوباما، وصفه بأنه «الافضل» في تاريخ اللقاءات بين الرجلين. لكنّ «الافضل» قد لا تعني هنا التكامل أو التطابق أو حتى التناغم، بل في أفضل الحالات والتفسيرات تعني «لقاءً» هادئاً بعيداً من التوتر.

أوردت إحدى الصحف الاسرائيلية أنّ خبراء لغة الجسد قرأوا في حركات أوباما ونتنياهو عدم ارتياح الرجلين بعضهما الى بعض، إضافة إلى ضعف الثقة وبرودة المشاعر في آن معاً.

وعلى رغم كلّ ما تقدم، أشارت الاوساط الديبلوماسية المتابعة الى اهمية اللقاء، خصوصاً أنّ نتنياهو الذي خاصم أوباما وذهب لمقارعته في واشنطن كان قادراً على تمرير السنة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي، ما يعني أنّ الملفات المطروحة تتقدّم أهمية على المشاعر السلبية المتبادلة بينهما.

ورئيس الحكومة الاسرائيلية يلتقي أوباما للمرة الأولى بعد تمرير الاتفاق النووي مع إيران بعدما فشل في معركته التي خاضها على ارض الكونغرس ضدّ سيد البيت الابيض. لكنّ الاهم أنّ نتنياهو زار واشنطن بعد الدخول العسكري الروسي الى سوريا والأفق الذي سيفتحه أمام الملفات المعقدة. وكذلك قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لا تزال نتائجها غامضة.

غياب المؤتمر الصحافي المشترَك الذي يُعتبر مؤشراً إضافياً إلى العلاقة الباردة عوّضته المواقف الصادرة لاحقاً، وهي ركزت على نقاط عدة أهمّها على الاطلاق مسودة التسوية المقترحة لسوريا والتصوّر المقترح لانهاء النزاع السوري – الاسرائيلي مباشرة لمرحلة ما بعد التسوية في سوريا.

كلّ ذلك يؤشر الى أنّ الادارة الاميركية ستعمل على دفع المنطقة في اتجاه مسار جديد انطلاقاً من حلّ الازمة السورية.

وفي الكواليس الديبلوماسية هناك مَن بدأ يرسم الخطوط العريضة العامة للتسوية العربية – الاسرائيلية وذلك انطلاقاً من مراحل المفاوضات السابقة، بما فيها المفاوضات الاسرائيلية – السورية ايام الرئيس الراحل حافظ الاسد. ويراهن ديبلوماسيون على أنّ الرئيس بشار الاسد سيكون حاضراً للموافقة على ما كان والده قد وافق عليه، خصوصاً أنه محشور في مؤتمرات دولية تطالب برحيله.

بالتأكيد، فإنّ لبنان ومعه «حزب الله» الذي تردّد أنه كان حاضراً بقوة في لقاء واشنطن سيشكّلان المرحلة الثانية لما بعد مرحلة التسوية السورية – الاسرائيلية في اعتبار أنّ الاتفاق النووي مع ايران أُنجز، وأنّ التسوية السورية – الاسرائيلية تكون قد حصلت، ما سيعني أنّ «الطبق» اللبناني اصبح جاهزاً لوضعه على الطاولة. لكن في انتظار ذلك لا بدّ من وضع المفتاح في القفل من خلال إنجاز التسوية السورية – السورية.

في المعلومات المتداوَلة في الكواليس الديبلوماسية، أنّ العمل جارٍ على إنضاج الحلّين اليمني والسوري، والكلام السائد أنّ جملة من الافكار حول اليمن جارٍ انضاجها ويعمل على هذا الخط بنشاط وزير خارجية سلطنة عمان.

وتشمل الافكار المقترحة إشراك الحوثيين في السلطة وإعطاء الرئيس السابق علي عبدالله صالح قيادة الجيش والتي سيوكلها الى ابن شقيقه، وموقع نائب الرئيس لكن لم يحسم بعد ما إذا كان سيتولى هو هذا الموقع أم نجله كما تُفضّل السعودية.

في هذا الوقت وعلى الخطّ السوري، يجرى تبادل لوائح اسمية حول وفد المعارضة الذي سيحظى بالموافقة المطلوبة لحضور مؤتمر التسوية المنوي عقده في جنيف، وتتولّى موسكو الموقع المحوري في هذا الاطار.

وما كنا أوردناه سابقاً عن الطرح الروسي بفترة انتقالية للأسد تمتدّ 18 شهراً، أوردته وكالة «رويترز» نقلاً عن مسؤولين روس بارزين. وفي المشروع المطروح أن يتولى الاسد الرئاسة طوال هذه الفترة مع حكومة توافقية. أما بعد وفي حال انطلقت المفاوضات السورية – الاسرائيلية فإنّ «بقاء» الاسد يصبح مطلباً غربياً ودولياً بهدف الاشراف على إنجاز هذه الورشة.

هكذا، لا تعرف الدول الكبرى سوى المصالح لكن مع انطلاق مؤتمر جنيف حول التسوية السورية، والمرجَّح خلال أشهر معدودة، تتحدّث هذه الأوساط عن تمسك غربي بضرورة إنجاز تسوية سريعة في لبنان «المهدّد بانهيار مؤسساته عند كلّ لحظة والذي يكاد يختنق جراء نزاعاته المتصاعدة» كما يُردّد ديبلوماسيون غربيون.

من هذه الزاوية مثلاً يمكن إدراج كلام مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان في بيروت امس والذي كرّر مراراً الكلام عن المؤسسات وانتخاب رئيس.

واللافت اكثر كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي استمرّ في هجومه على الولايات المتحدة الاميركية من زاوية النزاع مع اسرائيل وموازياً بينها وبين اسرائيل. وهو ما له علاقة بالمشاريع التي تّحضّر حول التسوية مع اسرائيل. وإضافة الى كلام نصرالله عن مشاورات لبنانية موسّعة لإنجاز تسوية كاملة، لهذا الكلام «الواضح» معانيه الكبيرة والكثيرة.

وفي كلّ الحالات فإنّ النقاط التي طرحها نصرالله ستشكل أساس أيّ تسوية لحلّ موقّت للأزمة اللبنانية. طبعاً مع بعض البنود الاخرى التي لها علاقة بتوزيع الحقائب وقيادة الجيش على أن يكون الرئيس المقبل رئيساً يوافق عليه جميع الاطراف ومهمته ليس تولي المسؤولية وفق الطريق الكلاسيكية المتبعة، بل رعاية حوار داخلي بين الجميع تحضيراً لولادة الجمهورية الثالثة بنحوٍ موازٍ لولادة «سوريا الجديدة» والمستجدّات الاقليمية التي ستطاول لبنان.

ما من شك في أنّ الورشة قائمة في الكواليس الديبلوماسية، لكنّ هذا لا يعني أنّ الامور محسوبة في هذا الاتجاه ووفق البرنامج الامني الموضوع، ذلك أننا في الشرق الاوسط حيث تكثر المفاجآت وتنقلب المعطيات فجأة، وهو ما حصل أكثر من مرة سابقاً وهذا ما تردّده الديبلوماسية في الشرق الاوسط التي لا تستطيع أن تحسم في شيء.