IMLebanon

«السيجارة الوطنية» رهينة «السوق السوداء»

القصة تبدأ قبل بوابة «إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية». تبيع هذه الأخيرة صندوق دخان «سيدرز سيلفر» لأصحاب الرخص بـ363 ألف ليرة لبنانية. يحوي هذا الصندوق 50 «كروزاً» والأخير عشر علب سجائر. بعملية حسابية بسيطة، تخرج علبة «السيدرز» من بوابة الريجي بـ726 ليرة وتصل إلى المواطن بـ1250 او 1500 ليرة. أي بفارق 524 ليرة و824 ليرة تذهب الى جيوب تجار السوق السوداء، فأين هي الريجي؟

«كل ساعة ولها ملائكتها». هذا أقصى ما يمكن الحصول عليه من إجابة لقاء السؤال عن سعر علبة دخان «سيدرز سيلفر»، في السوق المحلية. ففي هذه الأيام، لا يعرف سعر تلك العلبة استقراراً.

فاليوم قد تكون بألف ليرة لبنانية وغداً بألف و250 ليرة وألف و500 ليرة لبنانية. حتى في اليوم نفسه، يختلف سعر العلبة نفسها تبعاً لاختلاف الأماكن التي يمكن أن يشتري منها المدخّن سيجارته «الوطنية».

كأنّها بورصة. السيدرز التي بقيت حتى وقت طويل «دخان» الفقراء وكبار السن، ترتفع أسعارها اليوم في ظل الطلب المتنامي عليها. قد يرى البعض ذلك طبيعياً في لغة السوق الرائجة، ولكن، في حالة الـ”سيدرز” تحديداً، ثمّة ما هو غير طبيعي بالمطلق: «الساعة وملايكتها». تلك العبارة التي يهرب بها موزّعو الدخان وأصحاب المحال التجارية وحتى البائع على «الموتوسيكل الجوال» من الإجابة عن السعر الحقيقي للعلبة والسعر الذي يباع بها. مع ذلك، تكفي جولة واحدة على السوق لتبيان هذا الفارق، ففي «الدكان» الصغير، يراوح سعر علبة «سيدرز سيلفر» الكرتون ما بين 1250 ليرة و1500 ليرة لبنانية. أما في الإستهلاكيات الكبرى، إن وُجدت، فسعرها يستقر عند عتبة الألف ليرة. أما لدى موزعي الدخان، بحسب أحد الموزعين الصغار، فيختلف السعر ما بين موزّع وآخر، بحسب «الحصّة التي يتلقاها من إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية» (الريجي). وهنا، يختلف السعر ما بين عشرة آلاف و500 ليرة لبنانية لـ «الكروز» الواحد و11 ألف و500 ليرة و12 ألف ليرة، وفي مواسم الشحّ، قد يصل السعر إلى 13 ألف ليرة. هؤلاء هم جنود السوق السوداء التي تتحكم في السوق كله. فكلما ابتغوا أرباحاً أكثر، زاد سعر «السيدرز».

هذه التجارة غير المشروعة تجري على عين القانون وإدارة «الريجي». يقول أحد موزعي الدخان في منطقة تحويطة الغدير في الضاحية الجنوبية “ان كل راضٍ بقسمته ونصيبه”. يتحدّث هذا الموزع عن «غبن» يلحق بالكل بسبب «الريجي». أما كيف؟ يبدأ هذا الرجل قصّته من «بوابة الريجي». يقول «تمنح الريجي عن كل حصة (رخصة توزيع دخان) صندوقا أو صندوقين من كل صنف دخان أسبوعياً، بالنسبة لصندوق سيدرز سيلفر كرتون الذي يحتوي 50 كروزاً، نأخذه من الريجي بسعر 242 دولارا أميركيا».

363 ألف ليرة لبنانية للصندوق الذي لم يعبر بوابة الريجي. بعد عبور البوابة، يبدأ عدّاد السعر عمله… تصاعدياً. وهنا، «تخضع الزيادات لضمير الموزعين وما يبغونه من أرباح»، إذ إنّ الـ363 ألفاً تصبح خارج بوابة الريجي «480 ألفاً. 510 آلاف. 540 ألفاً. 600 ألف. 615 ألفاً».

تبيع الريجي صندوق السيدرز بـ242 دولارا ويصل الى السوق بسعر 400 دولار

كلّ موزّع في منطقته «ملك»، يقول هذا الموزع، مضيفاً «لو أنّ الريجي وضعت باريم حول السعر المفترض أن يشتري بها المدخن السيدرز لما حصل كل هذا». لكنها، مسؤولية الريجي التي تنتهي عند بوابتها. وما يحصل خارجاً، معفاة الإدارة منه. أو هذا ما يبدو، في ظلّ السكوت عما يجري.

إذاً، الواقع اليوم مبني على المعادلة التالية: تعطي الريجي صندوق الـ«سيدرز سيلفر» بـ363 ألفاً لمن يملك الحصة. هذا الأخير سيبيعها لمن لا يملك الحصص بسعر سيصل في بعض الأحيان إلى «600 ألف ليرة لبنانية». بحسب هذه المعادلة، يخرج «كروز» السيدرز الفضي بسعر 7 آلاف و260 ليرة لبنانية، يصل إلى مخزن صاحب الحصة، وهو الموزع، ويخرج منه بسعر 12 ألف ليرة لبنانية وفي موسم الشح بـ13 ألف ليرة لبنانية. من هناك إلى «الدكان» بمقاساتها وأحجامها، يصبح سعر العلبة 1000 و1250 و1500 ليرة لبنانية.

من المسؤول إذاً؟ ومن المستفيد تالياً؟

لا يجد الموزعون، وهم المستفيدون من هذا الضياع… باعترافهم، سوى وضع المسؤولية على «الإدارة التي لا تزيد التوزيع في سوق متعطش، فالماكينة التي تنتج البضاعة الوطنية غير كافية وهناك حاجة لتعزيزها بماكينة أخرى سمعنا أنها ستبدأ العمل خلال الفترة المقبلة».

إلى حين دخول الماكينة السوق، سيبقى الوضع على حاله: «خاضع للمضاربات». يقول علي، أحد أصحاب المحال: «نحن مجبرون على بيع العلبة كل يوم بسعر، استناداً للسعر لدى الموزع». هذا الشاب الذي «تطير حصته من السيدرز بيومٍ واحد» يقول إنّه «يبيع يومياً كروزين دخان»، أي ما معدله 20 علبة. على عكس الأنواع الأخرى «التي قد يبقى الكروز منها موضوعاً على الرف أسبوعاً كاملاً». يطمح كل بائع كي يكون لديه «ستاند» دائم لعلبة سيدرز سيلفر، فمن دونها «ما بتلاقي ولا زبون».

يقول هذا البائع إنّ «من يتحكم في السوق 10% من التجار الذين يملكون رخص بيع وعلاقات مع المسؤولين عن التوزيع في الريجي». هو لا يملك رخصة بيع، لذلك، فهو يشتري صندوق «السيدرز سيلفر» بـ600 ألف ليرة لبنانية «بلا نقاش لأنّ هذه السيجارة مطلوبة»، وهو يسعى كغيره لشراء رخصة «عبر السوق السوداء، لأن الرخص عبر الريجي متوقفة منذ زمنٍ طويل». لكنه، سعي من دون نتيجة «فاليوم، الرخصة التي يبلغ رسمها عشرة آلاف دولار أميركي تباع في السوق السوداء بـ24 ألف دولار أميركي و30 ألف دولار».

هذه مسؤولية أخرى تلقى على عاتق الريجي التي تقف موقف المتفرّج مما يحدث. وهي «تعرف ذلك»، يقولون. تعرف أنّ «ما في فاتورة ما فيها سيدرز وأن العرض 3 والطلب 30»، لكنها لم تتحرك. لماذا السكوت؟ لا أحد يجيب في الريجي سوى للتباهي بزيادة استهلاك السيدرز الذي بات عند عتبة الـ43%، بحسب ما تشير آخر الإحصاءات الصادرة عن إدارة الريجي. وهي نسبة «مشجّعة لاتجاه الإدارة نحو التفكير، جدّياً، في تفريع عائلة السيجارة الوطنية، ولهذا السبب مثلاً، باشرت الريجي تركيب سلسلتين جديديتين»، بحسب ما تشير مسؤولة العلاقات العامة والإعلام، نهلا سليم. ويعود ذلك لعاملين أساسيين أولهما «أن ما تنتجه الإدارة لا يكفي السوق المحلية، وثانيهما قبول الناس للصناعة الوطنية التي باتت منافسة وبمستوى السجائر العالمية». كل ذلك، لا يعوّل عليه مستهلكو الدخان، فما ينتظرونه اليوم من تلك الإدارة هو ضبط السعر، وإلا، فـ«الدخان الاجنبي» أولى.