IMLebanon

مفاوضات؟!  

غيّب الحدث التركي شيئاً من الخبر السوري: قزّم تطوراً كبيراً سُجّل في شأنه تمثل بالمفاوضات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في موسكو. وحجب التركيز على مذبحة فعلية ارتكبها الطيران الروسي الأسدي في منطقتي إدلب وحلب وأودت في يوم واحد بنحو 350 قتيلاً مدنياً.

الخلاصة العامة للمفاوضات الأميركية الروسية تقول إن «المقايضة» لم تكتمل تماماً بين موافقة واشنطن على إدراج «النصرة» في بنك أهداف مشترك وجعلها صنو «داعش»، وبين موافقة موسكو على وضع ذلك كله في سياق أجندة «الحل السياسي» الذي لا يعني شيئاً سوى إسدال الستار على ما تبقى من حكم بشار الأسد.

قيل إن موسكو استمهلت في الجواب بانتظار «مشاورة» حلفائها في دمشق وطهران.. مع أن زبدة «الحل» المفترض، والمنطقي والوحيد (أي الانتهاء من ثنائية الإرهاب والأسد معاً)، ليست جزءاً من أجندة بقايا السلطة الأسدية ولا صاحب القرار الإيراني. الطرفان لا يلحظان ما يُقال إن موسكو تلحظه أو توافق عليه. واللاءات المطروحة من قبلهما أكبر من أن تحجبها المناورات السياسية والتفاوضية، وفي مقدمها عدم الأخذ بقصة المرحلة الانتقالية ولا بقصة الحكومة المختلطة التي تتمتع بصلاحيات تنفيذية (؟!) ولا (في الواقع) بأي شيء أقل من فرضية الحسم العسكري.

والواضح عموماً، أن واشنطن تحكي وموسكو تفعل! والفارق بين الأمرين هو ذاته الذي أوصل النكبة السورية إلى مواصيلها الراهنة وجعلها «تنمو» بهذه الوتيرة على مدى خمس سنوات. وإلا كيف يمكن تفسير عودة الطيران الروسي إلى تلك الشراسة غداة محادثات موسكو مباشرة؟ والتي يمكن الاستطراد في شأنها والافتراض، أن الروس «يفاوضون» الأميركيين على النار! وبدماء المدنيين السوريين، في حين أن الإدارة الأميركية «تفاوض» من باب رفع العتب! وتحت سقف «قرارها» بمحاربة الإرهاب عن بُعد.. ومن خلال المشاركة بإنزال 500 جندي في العراق تحضيراً لمعركة الموصل! ولا تجد نفسها معنية بأن تفعل في أواخر أيامها ما امتنعت عن فعله على مدى السنوات الماضية!

وهذه (ربما) أغرب مفاوضات من نوعها ينخرط فيها الأميركيون: مكسورة من أساسها، وعدّة المفاوض (أو أوراقه) هي استنكافه المسبق والمؤكد عن المبادرة! وسلاحه هو استعارة منطق التوسّل واعتماده بكثافة من خلال الحضور الشخصي المباشر! أي أن مستر كيري يدور ويفتل على مدار الساعة، ويطير من عاصمة ليحط في أخرى، ثم يذهب لينام في موسكو، آملاً في أن يقبل مفاوضه الروسي بأن يعطيه موافقته على «حل» مدّعى، هو في الحقيقة الأخيرة، يشبه الثلاثية الخرافية الخاصة بالغول والعنقاء والخلّ الوفي!

وغرابة هذه القصة «التفاوضية» تذهب إلى أبعد من ذلك: الطرف الروسي فيها يلعب بما يسمح له الطرف الأميركي من الأساس! من النزول العسكري على الأرض وبالطيران الحربي، إلى تسليمه قصة التحكّم بمصير الأسد! الى جعله «شريكاً» في سوريا، في وقت يبقيه خصماً (أو عدواً) في أوكرانيا والقرم!

والإدارة الأميركية بطّة عرجاء من الأساس بالنسبة إلى الوضع السوري، فكيف الحال وهي في أيامها أو شهورها الأخيرة؟ وذلك أمر استفاد منه المحور الأسدي الإيراني ولا يزال. بل الواضح أن السعي قائم، ميدانياً في الدرجة الأولى، من أجل الإسراع في تحقيق ما يمكن تحقيقه قبل نهاية العام الجاري وذهاب مستر أوباما إلى بيته!

والمفارقة إزاء هذه الحقيقة العارية، تكمن في أن موسكو وحدها المؤهلة لإنزال سقف الجموح الأسدي الإيراني ولا أحد غيرها وهي وحدها القادرة على مراعاة التوسل الأميركي بإبقاء الستاتيكو على ما هو عليه.. بانتظار الإدارة الجديدة في البيت الأبيض!