IMLebanon

مفاوضات صفقة الرملة البيضاء ــ 2: إشكالات تجارية لا تعيد الملك العام

الصفقة الجارية بين رجل الأعمال محمد سميح غدّار وفهد رفيق الحريري باتت معلّقة على الأجوبة التي سيقدّمها الحريري لغدار في شأن العقار 4285، وفي شأن الأثر الناتج من تخطيط الطريق العام الملغى. غدار يطلب خفض ثمن العقارات الأربعة التي وقّع اتفاقاً لشرائها بقيمة 155 مليون دولار لأن العقار 4285 امتداد للملك العام، ولأن الطريق العام الذي «ضرب» هذه العقارات أحدث ملكية جديدة للدولة اللبنانية لا يمكن محو أثرها من دون وجود مستند رسمي يؤكد صراحة هذا الأمر

قالت مصادر مطلعة إن صفقة الرملة البيضاء بجزئها الثاني، بدأت تشهد تحولات ناتجة مما كشفته «الأخبار» قبل يومين (http://al-akhbar.com/node/260189). ففي هذه الفترة القصيرة، تبيّن للشاري، رجل الأعمال محمد سميح غدّار، أن هناك معطيات إضافية تعزّز موقعه التفاوضي مع البائع فهد الحريري وقد تشكّل فرصة لخفض الثمن المتفق عليه والبالغ 155 مليون دولار.

ما اكتشفه غدّار هو أن واحداً من العقارات الأربعة (المصيطبة 4285، 2233، 4011، 2231) التي يشتريها من «الشركة الوطنية للأراضي والأبنية» المملوكة من فهد وهند الحريري، وهو العقار 4285، يشكّل امتداداً للشاطئ الشعبي للرملة البيضاء، وأن الجزء الاكبر منه يقع في القسم الخامس من المنطقة العقارية العاشرة التي يحظّر فيها البناء أو تحوير شكل الارض. وهذا العقار، عدا عن كونه ملاصقاً للمسبح الشعبي، أي إنه كان ملكاً عاماً قبل الاستيلاء عليه، يصنّف ضمن القسم الخامس الممنوع البناء عليه. لكن الخريطة الرسمية التي حصل عليها غدّار من الشركة تشير إلى أنه تابع للقسم السادس من المنطقة العاشرة، وبالتالي يقع ضمن القسم المسموح فيه البناء وفق المرسومين 14817 و4811. ومساحة هذا العقار تبلغ 3 آلاف متر مربع، علماً بأن مساحة العقارات الأربعة التي ينوي غدار شراءها تبلغ 40 ألف متر مربع متداخلة مع البحر على طولها بعمق لا يقل عن 10 أمتار مربعة، فيما قوانين البناء تفرض التراجع بعمق 25 متراً.

وبحسب المطلعين على الملف، فإن غدّار لم يكتف بالتخطيط الذي حصل عليه من مالك العقارات، بل استحصل على خريطة ثانية من بلدية بيروت أظهرت أن العقار 4285 تابع للقسم السادس من المنطقة العقارية العاشرة، ما جعله أمام معطيات متضاربة قد تكون فرصة للمساومة على السعر في ظل الضائقة المالية التي تضرب ورثة رفيق الحريري. كذلك اكتشف أن مالكي العقار حوّلوا العقارات الأربعة إلى «وحدة عقارية غير قابلة للتجزئة» بهدف الاستفادة القصوى من عوامل الاستثمار المتاحة وتنفيذها على أي جزء من الوحدة العقارية حتى لو لم يكن يسمح البناء عليها. وبالتالي، باتت العقارات الأربعة بما فيها العقار 4285 وحدة قابلة للاستثمار المذكور في المرسوم 4811 والذي ينظّم المنطقة العاشرة في مدينة بيروت. الفقرة الثالثة من المادة الثانية من هذا المرسوم تسمح بإنشاء «أبنية للسكن الخاص ومشاريع سياحية وفندقية لا يتعدى ارتفاعها خمسة أمتار وربع عن أدنى نقطة من مستوى الطريق أمام العقار بما فيه الإنشاءات الاضافية من سلالم وخزانات ماء وخلافه، وأن تكون هذه الإنشاءات غير ظاهرة عن الطريق…». أما الفقرة الثانية فتحدّد الاستثمار المسموح في القسم السادس الذي يقع «بين طريق الجناح الحالي والبحر من الحدود الجنوبية للقسم الخامس حتى حدود بلدية بيروت: يمنع البناء منعاً باتاً في القسم الممتد بين الكورنيش المنوّه عنه في المادة الأولى (تخطيط كورنيش الرملة البيضاء يمتد من العقار رقم 4285 من منطقة المصيطبة العقارية في بيروت شمالاً لغاية اتصاله بطريق الجناح الحالي عند العقار رقم 3255 منطقة الشياح العقارية بعرض ثلاثين متراً) أعلاه والبحر. ويفرض بالبناء التراجع عشرة أمتار عن تخطيط طريق الجناح الحالي على العقارات المحاذية له من الغرب ويفرض تراجع ستة أمتار عند الحدود الجانبية والخلفية لهذه العقارات».

مشكلة غدّار لا تكمن في مدى قانونية شمول العقار 4285 بالوحدة العقارية غير القابلة للتجزئة، بل في واقع أن هذا العقار تابع للمسبح الشعبي وجذوره تقع ضمن الملك العام، مثله مثل كل العقارات على شاطئ الرملة البيضاء. فهذه العقارات باتت مطلباً شعبياً ولم يعد سهلاً الاستيلاء عليها مجدداً في ضوء الفضائح المتتالية التي اكتشفت هناك.

وفي إطار الفضائح، أُلغي تخطيط الطريق العام الذي «ضرب» العقارات التي يبيعها الحريري لغدار. التزوير في المستندات لم يكن صادراً عن مديرية التنظيم المدني (التي لا يمكن القول عنها اليوم إنها بألف خير مثلها مثل كل إدارات الدولة الرسمية)، بل جرى عبر المرسوم 14817 الذي ألغى إنشاء طريق تمرّ في منتصف العقارات الأربعة. المرسوم يستند إلى قرارات المجلس الأعلى للتنظيم المدني الصادرة بتاريخ 4/6/2003، و25/8/2003، و16/3/2003 يوم كان يرأسه جوزف عبد الأحد، وإلى قرار صادر عن مجلس بلدية بيروت يوم كان يرأسها عبد المنعم العريس، إلا أنه صدر بعد موافقة مجلس الوزراء في 8/6/2005.

ليست هذه التطورات وحدها التي دفعت غدّار إلى التمسّك بالمفاوضات على السعر. فقد تبيّن أن مالكي العقار السابقين وقّعوا تنازلاً للدولة اللبنانية عن أجزاء من العقارات الأربعة يوم كان التخطيط للطريق العام لا يزال قائماً، وأن ينفذوا بعض الاشغال على نفقتهم الخاصة. وفي الواقع، فإن هذه الاشغال بدأت كما يتضح من الخرائط، وبعضها لا يزال ظاهراً إلى اليوم مثل السور الواقع شمال فندق «إيدن روك»… ولذا، فإن بدء الاشغال هو مؤشّر على حصول استملاك من الدولة اللبنانية، ولذلك فإن إبراز المستندات يمثّل عنصراً أساسياً في التفاوض على السعر. الأجوبة التي ينتظرها غدّار تتعلق بالأثر الناتج من هذا التنازل الذي قدّمه أربعة مالكين سابقين للعقارات، فهل هناك استملاك أم لا؟ الاستملاك يعني أن مساحة الارض القابلة للشراء ستكون أصغر بكثير، وستكون عوامل الاستثمار أقل مما هي عليه الآن بكثير أيضاً.

هذه التطورات لم تدفع غدّار إلى العدول عن الصفقة، بل عزّزت موقفه التفاوضي. غدّار، بات يعتقد أن بإمكانه الضغط على الحريري لخفض ثمن العقارات، فإما أن يحصل على العقار 4285 بسعر زهيد، وإما يشتري الأرض من دونه، ما يتطلب فصله عن «الوحدة العقارية غير القابلة للتجزئة»، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل. أما موضوع الاستملاك، فهو أمر أكثر تعقيداً. هذه الإشكالية تفيد تجّار العقارات والمنتفعين منها فقط، لكنها لا تعيد شاطئ الرملة البيضاء إلى الملك العام حيث جذوره الأصلية.