IMLebanon

تحديات جديدة أمام التحالف العربي في اليمن

لا يلغي العمل الإرهابي الموصوف الذي استهدف الفندق الذي يقيم فيه معظم أعضاء الحكومة اليمنية في عدن الحدث الأهمّ المتمثّل في تحرير باب المندب الإستراتيجي من سيطرة الحوثيين (انصار الله). اعتبرت ايران سيطرة «انصار الله» على المضيق بمثابة إحدى الجوائز الكبرى التي حصلت عليها في اليمن.

لا شكّ أنّ العمل الإرهابي الذي استهدف الفندق الذي يقيم فيه الوزراء اليمنيون، والذي تقف «القاعدة» خلفه، يكشف وجود تحديات جديدة امام التحالف العربي في اليمن. تبيّن ان «القاعدة» تعمل بكلّ ما لديها من إرهاب على ملء الفراغ الناجم عن اندحار الحوثيين امام التحالف وامام القوات الحكومية اليمنية. هذا لا ينتقص باي شكل مما تحقّق، خصوصاً في باب المندب، خصوصاً ان للمضيق رمزية كبيرة. جاء تحرير الضفة اليمنية للمضيق على يد قوات التحالف ليؤكّد أنّ لا مفرّ من اندحار الحوثيين الذين باتوا يعرفون بتسمية «انصار الله». تعني التسمية، برمزيتها ايضاً، أنّهم نسخة يمنية عن «حزب الله» في لبنان، أي أنّهم لواء آخر في «الحرس الثوري» الإيراني.

تسلّمت القوات الشرعية في اليمن الأراضي التي تتحكم بباب المندب. كان ذلك انجازاً كبيراً توّج بوجود نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء خالد بحاح. هذا دليل على وجود شخصيات يمنية بارزة مستعدّة لتحمّل مسؤولياتها على الأرض اليمنية.

في غضون ثلاثة اشهر تراجع المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة، وهو مشروع يشمل اليمن، تراجعاً كبيراً. لا شكّ أن نقطة التحوّل الأولى كانت عدن. استعادت قوات التحالف عاصمة الجنوب في تموز/يوليو الماضي بعدما وجّهت ضربة عسكرية قوية للحوثيين. كانت تلك الضربة الأولى الحقيقية للحوثيين الذين سبق وان خاضوا ست حروب مع القوات المسلّحة اليمنية بين 2004 وبداية 2010.

كان لمعركة لعدن رمزيتها أيضاً. استطاعت قوات التحالف تنفيذ عملية عسكرية متقنة لا تستطيع تنفيذها سوى الجيوش المحترفة التي خضعت لتدريبات معيّنة، فضلاً عن امتلاكها للأسلحة الحديثة التي تلائم ارض المعركة. كانت استعادة عدن عملية مدروسة ودقيقة، على الرغم من صعوبتها وعلى الرغم من استفادة «انصار الله» من دعم القوّات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح. 

من دون هذه القوات المنتشرة في كلّ انحاء الجمهورية اليمنية، لم يكن في استطاعة الحوثيين الالتفاف على تعز والتوجه جنوباً وصولاً إلى عدن. حصل ذلك في وقت كانت قوات الحوثيين سارعت إلى الوصول إلى باب المندب عن طريق آخر هو الطريق البحري الممتد من الحديدة إلى المضيق الإستراتيجي مروراً بميناء آخر هو المخا.

بعد تحرير عدن، بدأت مرحلة جديدة في اليمن. وبعد تحرير باب المندب، يتبيّن أن لهذه المرحلة الجديدة أفقاً يتجاوز استعادة الجنوب والوسط ومأرب. الهدف النهائي هو صنعاء. لن تتمكن ايران من اقامة دولة أو دويلة في اليمن، بغض النظر عمّا إذا كان البلد سيبقى موحّداً ام لا. بكلام اوضح، لن يكون اليمن منطلقاً لتهديد السعودية خصوصاً والأمن الخليجي عموماً.

كان ملفتاً، عندما احتلّ «انصار الله» باب المندب صدور تصريحات إيرانية فحواها أن ايران صارت تتحكّم بأهم مضيقين في المنطقة، هما هرمز وباب المندب. أي أنّها باتت تسيطر ايضاً على مدخل البحر الأحمر وبالتالي على الملاحة عبر قناة السويس. لجأت إيران إلى كلّ ما من شأنه تأكيد أنّها القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة وان لا عودة الى الخلف بعد الآن. ظنّت أنّ هناك أمراً واقعاً فرضه الحوثيون الذين سيطروا على صنعاء وصاروا يتصرّفون من منطلق انّهم الحكام الجدد لليمن، كلّ اليمن.

ليس صدفة أنّ طهران وقّعت مع وفد حوثي، مباشرة بعد احتلال صنعاء، سلسلة من الاتفاقات شملت رحلات جوية بين العاصمة اليمنية والعاصمة الإيرانية في وقت لا وجود لعلاقات تجارية او تبادل يذكر، من اي نوع كان، بين البلدين. 

كانت تلك الاتفاقات ترمز الى قيام سلطة جديدة في اليمن، خصوصاً منذ دخل «انصار الله» صنعاء ووضعوا يدهم على كلّ المؤسسات الرسمية اليمنية. كان ذلك في الواحد والعشرين من ايلول/سبتمبر 2014. وقتذاك، وجّه زعيم «انصار الله» عبدالملك الحوثي خطاباً في مناسبة عيد الأضحى جاء فيه: «نجدّد تهنئتنا لشعبنا اليمني العظيم بانتصار ثورته المباركة في الحادي والعشرين من سبتمبر في مواجهة طغيان الفاسدين والفضل في ذلك لله عزّ وجلّ ودماء الشهداء والجرحى». اراد الحوثي القول ان «ثورة 21 سبتمبر» صححت التاريخ، وحلّت مكان «ثورة السادس والعشرين من سبتمبر» 1962، التي أطاحت الحكم الإمامي وأقامت الجمهورية. في الخطاب نفسه، وعد الحوثي اليمنيين بـ»الدولة العادلة» مستعيداً الخطاب المكرّر لحسن نصرالله الأمين العام لـ»حزب الله» الذي يتحدّث فيه بين وقت آخر عن «الدولة العادلة» في لبنان متجاهلاً دستور البلد وقوانينه وطبيعة تركيبته وموازين القوى فيه والعلاقات القديمة والمعقّدة بين الطوائف والمذاهب.

بين ما حصل في عدن ثم في مأرب وأخيراً في باب المندب، من دون تجاهل تعز، التي لا تزال تعاني، يمكن القول إن المشروع الإيراني في اليمن يتراجع بشكل مستمرّ، وذلك على الرغم من سعي «القاعدة» إلى إثبات وجودها. 

يعود تراجع المشروع الإيراني إلى عاملين الأوّل أنّه وُجد من يتصدى لهذا المشروع خلافاً لما كانت تعتقده طهران. أمّا العامل الآخر، فهو مرتبط باليمنيين أنفسهم الذين يرفضون «الدولة العادلة» التي يريد عبدالملك الحوثي فرضها عليهم. يعرف اليمنيون أنّ الحوثي لا يمتلك أي مشروع سياسي او اقتصادي من اي نوع كان للبلد باستثناء إلحاقه بايران… ونشر البؤس في كلّ مكان.

لا يمتلك الحوثي غير الشعارات لبناء «دولة عادلة» في بلد يعاني من الفقر والتخلّف والجوع، لكنّه بلد يمتلك حضارة قديمة تجعل المواطنين فيه يفرّقون بين الحقّ والباطل، بين الشعارات والحقيقة. في الواقع، كان الحوثي، ومن خلفه إيران طبعاً، يراهن على الفراغ وعلى أن ليس هناك من سيتصدّى للمشروع الإيراني يوماً.

لم يكن في وارد إيران أنّ «عاصفة الحزم» ستنطلق. لم يكن وارداً لديها انّ هذه العاصفة ستستمرّ كلّ هذا الوقت وأنّ لا مجال لوقفها. كانت الحسابات الإيرانية، ولا تزال، بعيدة كلّ البعد عن الواقع. لذلك تضاءل حجم المشروع الإيراني في اليمن إلى دويلة في شمال الشمال، في حين ان هناك مشروعاً اكثر واقعية يقوم على الاعتراف بالقرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن من دون مواربة وتذاكٍ من اي نوع وتحوّل «انصار الله» الى حزب سياسي طبيعي بعيداً عن مقولة «الشعب والجيش واللجان الشعبية» التي تستخدم لتغطية الانقلاب الحوثي.

فشل الانقلاب الحوثي في اليمن. كان باب المندب آخر دليل على هذا الفشل. كم سيكلّف اليمن رفض «انصار الله» الاعتراف بالفشل والهزيمة؟ كم سيكلّف عناد الحوثيين اليمن، خصوصاً ان «القاعدة» تحوّلت إلى داعم لـ»انصار الله» في المواجهة التي يخوضونها مع التحالف العربي والدولي ومع قوات الشرعية اليمنية؟ كم سيكلّف هذا العناد صنعاء المدينة العريقة وأهلها الطيبين الذين يفتحون قلوبهم وبيوتهم للضيف كما لا يفتحها سوى قليلين من العرب…