IMLebanon

تعقيدات جديدة

لا يستطيع أي مواطن متتبع لمسارات الأزمة التي يعيشها لبنان منذ الشغور في رئاسة الجمهورية والذي دخل عامه الثالث، أن لا يتوقف عند مبادرة الرئيس نبيه برّي الأخيرة، وعمادها الأساسي دعوة هيئة الحوار إلى عقدها اجتماعات في الثاني والثالث والرابع من شهر آب المقبل للبحث عن إتفاق شبيه بإتفاق الدوحة، أي إتفاق السلة الواحدة، خصوصاً وأن هذه المبادرة أتت بعد سلسلة مبادرات أطلقها رئيس المجلس وصاحب فكرة طاولة الحوار، كان آخرها تلك المتعلقة بتقديم الانتخابات النيابية على الانتخابات الرئاسية وفق قانون إنتخابي جديد أو وفق قانون الستين إذا تعذّر الاتفاق على قانون جديد، على أن تتعهّد كل الأطراف خطياً بعدم مقاطعة أي جلسة يدعى إليها مجلس النواب لانتخاب الرئيس، مع تعهّد آخر بإجراء هذه الانتخابات بالنصف زائد واحد.

هذه المبادرة قوبلت بالرفض من قبل تيّار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب، لأنها تتعارض مع أحكام الدستور الذي يمنح رئيس الجمهورية سلطة التوقيع على أي قانون أو ردّه، ما حدا بالرئيس برّي الى سحب هذه المبادرة من التداول، إمّا لأنه إقتنع بوجهة نظر الرافضين لها، وإمّا لأنه لا يرغب في الدخول بمتاهات دستورية أو التسبّب بأزمة تضاف إلى الأزمات الكثيرة التي يتخبّط بها هذا البلد، إمّا لعلّة في النظام السياسي القائم وإمّا لأن هناك جهات خارجية، وهذا صحيح، أوعزت إلى جهات داخلية مرتبطة بها لعرقلة أية مبادرة تهدف إلى الخروج من الأزمة ما دام لبنان يُشكّل بالنسبة إليها صيداً ثميناً توظفه في معاركها الدولية والإقليمية.

وبدلاً من أن يوقف الرئيس برّي محركاته إعترافاً منه بأن الظروف الدولية والإقليمية لم تصبح بعد مؤاتية لإنتاج حلول للأزمة الداخلية، طلع على اللبنانيين أو بالأحرى أُوحي له بأن يطلع عليهم بمبادرة قديمة جديدة هي حل السلة الواحدة وهو يعرف قبل غيره أنه ليس صاحب هذه المبادرة الأصلي، وأن صاحبها الأصلي هو الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، وطرحها قبل مُـدّة طويلة، ولم تلقَ استحساناً أو قبولاً من كل أطياف فريق 14 آذار، وجوبهت بالرفض القاطع لأن الهدف من طرحها هو تغيير النظام السياسي والعقد الاجتماعي القائم بين كل أطياف المجتمع اللبناني، وفتح الباب على مصراعيه لإعادة بناء نظام جديد يلبّي مطامح حزب الله، كالمثالثة وإشراك الطائفة الشيعية في التوقيع، كما يدّعي الحزب أن لا توقيع لها في القرارات الاجرائية والمراسيم، وصولاً إلى الانقلاب التام من خلال ما يملكه من فائض قوة على كل مقومات النظام.

ردود الفعل السلبية على مبادرة برّي الجديدة – القديمة بدأت تظهر في مواقف مكونات 14 آذار، وبالتالي سقطت عنها ميثاقيتها وسيكون مصيرها كسابقاتها من المبادرات، لكنها في ذات الوقت تركت «ندوباً» وجروحاً في الجسد اللبناني المقطّع أصلاً، فهل يستطيع الرئيس برّي أن يتحمّلها ويمضي في مبادرته حتى النهاية بعد أن أطلق تحذيره الشهير من أن البلد كلّه ذاهب إلى الفراغ في حال لم يؤخذ بحل السلة الواحدة، وأخيراً لا آخراً هل يسمح لنا دولته بأن نسأله هل صحيح أن لا أحد «يمون» عليه سوى الله وحده ولذلك يصرّ على أن يضيف عُقداً جديدة إلى تعقيدات الأزمة الوطنية التي يعيشها شعبنا؟