IMLebanon

العهد الجديد.. والتعقيدات والكمائن المحتملة

 

لا شك أن العصب الأساسي في تحقق المبادرة التي أوصلت العماد عون إلى موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية بعد فترة هائلة من الفراغ السلطوي العام والرئاسي بشكل خاص، قد تمثل بما قام به الرئيس الحريري من دفع وجهد ملموس بهذا الاتجاه، وبالرغم من الممانعات المتعددة التي وقفت في وجه هذا التحوّل في مسيرة الأحداث، فإن ما تحقق في بداية هذا الأسبوع قد وضع حداً لفترة الفراغ التي طاولت لبنان على مدى سنتين ونصف السنة، دفعت باللبنانيين إلى مشارف المهاوي الخطرة التي يكون لبنان بعدها أو لا يكون. ومهما قيل بهذا الصدد عن أن الرئيس الجديد قد صُنِع «مائتين بالمائة» في لبنان، فليسمح لنا القائلون بملاحظة ذلك الجهد البارز المتمثل خاصة بكوكتيل من الجهود الدولية والإقليمية، التي وجدت في مبادرة الرئيس الحريري منطلقا لمباركته ومواكبته الإيجابية لانتخابات رئاسة الجمهورية، ولا بد لنا بعد تحقيق هذا الإنجاز الملحوظ، من وقفة تضع استمرارية المشهد الحالي في موقع التحسّب والتحفظ.

صحيح أنه بات للبنان رئيس يتمتع بالكثير من عناصر القوة الواقعية التي تعطي فسحات من الأمل من خلال تحوّل ملموس نحو الأفضل، وصحيح أن المعطيات التي تحققت حتى الآن، تنم عن إمكانيات مستجدة لبدء مسيرة إيجابية، خاصة إذا ما أخذنا بالاعتبار العناصر لخطاب القسم الذي باشر به الرئيس عون حياته الرئاسية، وصحيح أن ما تم حتى الآن يَعِدُ بأيام مقبلة يخف فيها الضباب وتندثر عنها بعض الخيوط والضغوط السلبية الخطرة التي كانت تطاول الأوضاع الوجودية والميثاقية والسياسية والأمنية والاقتصادية التي تسود البلاد، إلاّ أن الصحيح أيضا أننا بتنا في منطلق مسيرة جديدة، تحوم من حولها جملة من الاحتمالات المتراوحة ما بين أدنى الخطوط السلبية إلى خطوط تنتقل بالبلاد إلى مراحل معقولة ومقبولة من الاستقرار السياسي والأمني والتحسن الاقتصادي، وصولا به إلى برّ الانفلات من تحدياته المقلقة. وما أشار إليه الرئيس برّي في أحد مواقفه مذكرا بالانتقال إلى مرحلة الجهاد الأكبر، وما يتفتح حولها من مواقف محتملة تبدأ بشكل خاص في مرحلة تشكيل الحكومة ومطالب الجهات المختلفة بكافة إنتماءاتها وتصنيفاتها الموالية والمعارضة معا، وما يمكن أن ينشأ عن ذلك كلّه من مطبّات وأسافين مؤذية تُغرَس في طريق التشكيل ووضع وصياغة البيان الوزاري، والمواقف من قضايا الفساد التي طاولت كلّ ميادين الحياة العامة، صغيرها والكبيرة وصولا في ذلك إلى قضايا النفايات والكهرباء والمياه والاتصالات والاستعدادات القائمة في أكثر من موقع لالتهام ما أمكن من الخيرات البترولية والغازية المتوقعة والمشغول باتجاهها بنهم وحرفنة وتصميم.

لننطلق بعد ذلك إلى مرحلة القانون الانتخابي الجديد والصراع الدائر من حوله بما فيه التوجهات القائمة للإبقاء على قانون الستين وإقرار قانون جديد عماده النسبية ومقدارها وعدالة توزيعها بين المناطق، والخروج من حلبة اعتمادها كوسيلة للاحتراب بين الأخصام السياسيين، والإمساك بمقدرات المجلس النيابي توطئة للإمساك بمقاليد الحياة العامة كلّها من خلاله.

ولننطلق من ذلك كله، إلى المواقف العملية من قضايا تغوص في العمق اللبناني دولة وسلطة وميثاقية ودستورية وقانونية، متعلقة بشكل خاص بحرب حزب الله التي يخوضها في سوريا وسواها من البلدان الشقيقة، وسلاح حزب الله ووجوب ربطه بصورة رسمية وحقيقية بسلطة الدولة وإشرافها، وهي النقاط الأكثر إحراجاً وخطورة في سلسلة التعقيدات القائمة والمحتملة.

ولننطلق من ذلك كله وبشكل خاص، إلى صدق النوايا الكامنة عند حَمَلة السلاح المسيطرين على مجمل أوضاع البلاد، وإلى التساؤل الذي يغوص في أعماق اللبنانيين: هل سيبقى ارتباط قائم وفاعل ومستمر ما بين الوضع اللبناني والوضع الإيراني الذي بات يجاهر حاليا بأنه قد انتصر، إضافة إلى مجاهرته السابقة بأن إيران قد امتد تواجدها وسلطتها وهيمنتها إلى عدد من الدول العربية ومن بينها لبنان، هذه التحفظات وهذه الاحتمالات السلبية، تبقى مطروحة من قبل شرائح واسعة من المواطنين، علما بأنها ما تزال حتى الآن مجرّد احتمالات وكوابيس، نأمل كل الأمل أن تبقى في حدود التحفظ والاحتمال وأن تكون الظروف المستجدة ظروفا حقيقية وواسعة الأفق باتجاه الإنقاذ والخلاص، ولو بحدودهما المعقولة والمقبولة، ومتناسبة في واقعيتها وإمكاناتها مع حجم الأهوال التي تجتازها المنطقة في هذه الحقبة التاريخية شديدة الحساسية وخاصة منها أهوال ما تبقى من الدولة السورية وشعبها الذي يتعرض في هذه الأيام لأفدح المكائد وعمليات الإبادة الجماعية والتدمير والترحيل.