IMLebanon

نقاش في اوساط مسيحية: الستون يحمي المسيحيين

يصرّ رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون على أمرين مبدئيين:

-الأمر الأوّل: أقرار قانون الانتخابات في جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء، وفيها بند واحد ووحيد، إقرار قانون مروان شربل القائم على الخمس عشرة دائرة مع النسبيّة الكاملة، ليصار إلى نقاش الإقرار فيما بعد تحت قبة البرلمان في ساحة النجمة.

-الأمر الثاني: دعوة الهيئات الناخبة بعد التصديق عليه في المجلس النيابيّ إلى الانتخابات النيابيّة في شهر تشرين الأول من هذه السنة رافضًا تأجيلها تحت أيّ ذرائع يعتبرها وهميّة إلى شهر آذار وصولاً إلى أيّار من سنة 2018، فبرأيه ليس من مبرّر جديّ وخطير أو لوجستيّ يفرض هذا التأجيل.

ينطلق الرئيس عون من إخلاصه لوعوده بحسب مصادر مقربة من بعبدا، فعهده يجب ان ينطلق بصورة جذريّة وراسخة وفاعلة، فلا إصلاح لدولة في التاريخ تآكل أعمدتها الفساد أو لنظام سياسيّ أصابه العطب وبرزت على جسده الندوب واعتراه الخلل بلا تثمير المسلّمة القائلة بأنّ الشعب مصدر السلطات، كما جاء في مقدّمة الدستور وهو صاحب السيادة أي وليّها على ذاته وعلى أرضه. والرئيس مدرك بأنّ التأجيل للمواعيد، والتمديد للمجلس أبطل قدرة الشعب اللبنانيّ على الاندماج في فلسفة نشوء الدولة والتفاعل مع نظامه واختطف صوته وهو فوق كلّ الأصوات. ولذلك وقف بصرامة وحزم بوجه التمديد، كل تمديد حصل للمجلس مذ كان رئيسًا لتكتّل التغيير والإصلاح والتيار الوطنيّ الحرّ، وهو سائر بالقوّة عينها خلال عهده هذا، بلا توريّة ولا توار كما حصل في السابق.

المسلّمة الأولى هو هذا الإخلاص عينًا، والمسلمة الثانية أن الفراغ لا ينهي عهده فقط، بل يخلخل الجوهر اللبنانيّ بفلسفته الميثاقيّة، لتهتزّ بهذه الخلخلة كتراكم للخلل بمنسوب مضاعَف أسس الوجود اللبنانيّ بكلّ مكوّناته وأطيافه. ويشعر الرئيس مع من يلتقيهم بتهيّب حين يقف من على حديقة القصر الجمهوريّ وينظر إلى الأفق البعيد، فيخشى من أن انعكاس العواصف الهوجاء سواء أتت من الخليج العربيّ أو مشرقه على لبنان بحال ابتلعه الفراغ ليراه ذبيحًا من جديد بحراب العنف. وعلى الرغم من ذلك يثق الرئيس بأنّ قطار العهد سينطلق على سكّة الاستقرار الأمنيّ والإصلاح البنيويّ، وسيبلغ بلبنان نحو فجر جديد.

لا يحجب الاتفاق على المبدأ الإيغال في التفاصيل المتدفقة ضمن منظومة المداولات بين الأفرقاء اللبنانيين المعنيين لا سيّما حينما يتمّ البحث في الصوت التفضيليّ واحتسابه ضمن مقاسات محدّدة. وبحسب أوساط مشاركة في النقاش الجاري، لقد أجريت دراسات واضحة في الخيارات المتاحة والمتأرجحة ما بين احتساب الصوت التفضيلي وفقًا للقضاء أو الدائرة. وقد اتضح بأن ثمّة فريقين هما القوات اللبنانيّة وحركة أمل قد خشيا من الصوت التفضيلي وإفرازاته في القضاء وانعكاساته على موقع الفريقين المذكورين في المعادلة الانتخابية والسياسية بفعل الخرق الممكن إذا تمّ من داخل الصف أو من الخصوم. فالمصالح كلّها تتضارب، وترى تلك الأوساط المشاركة في عمق النقاش بانّ التفصيل يكشف الكثير من الشهوات المفتوحة على آفاق مرئيّة وغير مرئيّة، سيّما إذا سخّرت النسبيّة واستهلكت ضمن شخصانيات تتجلّى أبعادها في مقاسات الصوت التفضيليّ حينما يكون على حساب طوائف وأشخاص، وقد تبيّن بالمحصّلة بأنّ من يفوز بأصوات قليلة بإمكانه أن يقتحم الندوة البرلمانيّة بالصوت التفضيليّ، وتلك ثغرة من الثغرات غير المحبّذة البادية في صلب النقاش.

وفي السياق نفسه دار نقاش في دوائر مسيحيّة سادها الكثير من المقارنة بين قانون الستين والنسبيّة، وجاءت المقاربات في جوهر المقارنة مميّزة بين الخطاب الوطنيّ والخطاب الطائفيّ. بعض من شاركوا في النقاش كانوا من المقرّبين إلى رئيس التيار الوطنيّ الحرّ الوزير جبران باسيل وفي الوقت عينه إلى رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون. تبيّن في معرض النقاش، بأنّ قانون الستين في كثير من أبوابه يحمي المسيحيين وبخاصة من يمثّل وجدانهم ويثبّت أيضًا الوجدان إلى جانب الوجدانات الأخرى ضمن تكوين ميثاقيّ، ولكنّه هشّ في بعض مواقعه ومواضعه لكونه يبقي على ثقافة المحادل راسية وفاعلة، فقانون الستين وبعيدًا عن الحيّز الطائفيّ لدى المسيحيين إنما يعيد إنتاج الفساد بقوّة وشدّة في عهد وضع نصب عينيه محاربته ومكافحته.

لقد ارتضى العهد أن يتكوّن من زاويتين، زاوية ميثاقيّة أمّنت انبثاقه وانبلاجه، وانطلقت من تلاقي الوجدانات الطائفيّة حول التسوية الموضوعيّة، التي أوصلت عون إلى الرئاسة وسعد الحريري إلى رئاسة الحكومة. وزاوية وطنيّة-ميثاقيّة، ينسكب الحلّ الوطنيّ بقالب ميثاقيّ. هذا عينًا وبحسب أوساط مشاركة ما أدّى إلى تأخر صدور القانون واستكمال النقاش لكون الانسكاب قائمًا في التفاصيل والمعايير لا سيّما حول العتبة في مفهوميها الوطنيّ والطائفيّ وكيفية رسوخها في هذا القانون لتجنيب لبنان أي إمكانية لخلل داهم.

في المحصلة تبدي الأوساط بأنّ الحسم بات وشيكًا، إجتماع مجلس الوزراء بات محسومًا يوم الأربعاء في القصر الجمهوريّ في بعبدا، ويعرف رئيس الجمهوريّة بأنّ الأفرقاء السياسيين إذا لم يتوصّلوا لنتيجة ملموسة وحاسمة سيكونون المسؤولين عن تدحرج لبنان نحو الهاوية، ومسؤولين أمام أنفسهم وأمام شعبهم وأمام التاريخ والله كما ردّد غسان تويني غير مرّة. الشيء الأساسيّ والملموس هو حسم النقاش حول النسبية والدوائر الخمس عشرة وقد أعدّه الوزير السابق مروان شربل في الأساس. وتقرّ الأوساط بأننا دخلنا في مرحلة العد العكسيّ الخطير، لبنان أمام مرحلة جديدة من حياته وتاريخه، أمام مرحلة تدفن آفات ومآثم مورست في عهود سابقة بسبب اجترار واستيلاد الطبقة السياسية نفسها في التيامن ما بين قانون الستين أو قانون العام 2000. لتولد مرحلة تتعادل فيها الطوائف وتتساوى في النسبيّة، فتحول دون تكرار الحروب وتمنع القدرة على إنتاج الفساد. إنها المرحلة الوجوديّة الأشد حرارة وحساسيّة، وفي الوقت عينه ستحمل إلى لبنان بحال طبق القانون بطريقة سليمة كلّ خير وسلام.

المعلومات الواردة أننا متجهون إلى الإقرار والتنفيذ بناء على رؤية الرئيس عون، الخوف من أن لا يوفق المسؤولون في إرساء الحلّ التاريخيّ لهذا الوطن، حينئذ سيرزح لبنان تحت عواصف هوجاء من اللعنات تحرق أرضه وتبعثر شعبه.

أما الرئيس ميشال عون المؤتمن على الدستور والسيادة فإنه لا يزال يقف في حديقة القصر في وسط جمال الطبيعة يحدق في الأفق البعيد ليبشر بنور جديد، فهو لن يسمح بأن يذوب البلد في مباحثات هذيانية، وهو مستعد لقفزات تاريخيّة يستند العهد إليها وينطلق بالمعنى الذي شاءه الرئيس لنفسه وللبنان.