IMLebanon

لا «مانغا» بين «السيد» و«الجنرال»!

وجهة لقاء الضاحية: حماية العهد الجديد

 «خمس ساعات من الحلم». هكذا وصف الزميل جان عزيز، المستشار الإعلامي الحالي للعماد ميشال عون، اللقاء الذي جمعه «في مكان ما في الضاحية» في كانون الأول 2013، «مباشرة على الهواء» (كما أكّد يومها) مع السيد حسن نصرالله وانتهى بـ «عشاء سرّي» دفع بعزيز لاحقا الى التساؤل «كيف لمائدة بهذا التواضع أن تشعرك وكأنك تتناول إكسيراً أو ترياقاً؟ وكيف لهذا القابض على خرائط المنطقة، أن يكون جالساً هنا أمامك إلى تلك المائدة الصغيرة؟».

أما العونيون فـ «يحلمون» منذ ربع قرن. فقط حين أطلّ نصرالله بعد ظهر يوم الاحد الفاصل عن «الجمعة العظيمة»، ثم بلغ الى مسامعهم لقاء «السيد» و «الجنرال»، تأكّدوا فقط أن حلمهم صار حقيقة. وكأن لا حاجة حتّى لجلسة «التتويج» بعد الآن.

وجّه العونيون كل راداراتهم صوب الضاحية: إذا أراد السيد حسن نصرالله عون رئيسا.. فسيكون. وهكذا كان. كسبوا رهانهم. هم يخاطبون اليوم «سيّد الوفاء» ويكادون «يلعنون الشيطان» الذي كاد أن يخرّب بعض العقول التي وقعت في فخّ الشكّ. متأخرين قليلا انتبهوا الى لائحة الشكر التي لم تنته بعد. شكرا لـ «بصيرة» سمير جعجع و «شجاعة» سعد الحريري!

قبل «ساعات الحلم» بأعوام، وتحديدا في 6 شباط 2008، بعد سنتين من توقيع «تفاهم مار مخايل»، جمع جان عزيز في كادر واحد على الشاشة عون ونصرالله في لقاء وصفته المحطة البرتقالية بـ «الخاص والتاريخي».

في ذلك اللقاء الاستثنائي، كشف الرجلان، للمرة الأولى، عن حصول اجتماع سرّي بينهما بعد انتهاء حرب تموز 2006 مباشرة. هو اللقاء الوحيد الذي لم يعلن إلا حين قرّر الطرفان الإفصاح عنه. «القلق استمر طيلة فترة حرب تموز وحين تمّ اللقاء بعدها كانت هناك عاطفة ومشاعر قوية أشبه بلقاء أحبة»، قال ميشال عون.

لم يكن ممكنا للكاميرات أن تحجب يومها تأثير هيبة «السيد» على «الجنرال» في مقابل «العاطفة الشخصية» التي تنضح بها ملامح الأمين العام لـ «حزب الله» تجاه زعيم مسيحي قال له يوماً إن لك «ديناً في رقبتي حتى يوم الدين»!

الطلّة الإعلامية المشتركة غير المسبوقة أفسحت في المجال لقول عون والسيد ما يختزنانه عن ترشيح لم يعلن ولم يولد بعد نهاية ولاية الرئيس إميل لحود.

اعترف الأول بأن «الإدارة السياسية، وكانت صائبة على ما أعتقد، هي التي فرضت عدم إعلان ترشيحي وليس مسايرة للأميركيين. كنت أصلا ضد ترشيحي لإدارة الوضع السياسي في حينه».

وعقب «السيد» قائلا «ترشيحنا لميشال عون كان سابقا لحرب تموز. لكن «صوفتنا» حمراء من قبل العالم، وسيقال إن العماد عون مدعوم من الإرهابيين والمتطرفين، مع العلم أني طرحت الموضوع على قيادة الحزب وسألت عمّن يؤيدون للرئاسة فأجمعوا على العماد عون الذي أبلغته قرارنا بترشيحه لكنني وضعت هذا الإعلان في تصرّفه، وحين طرح الموضوع جدّياً بعثنا بوفد لإبلاغ البطريرك (نصرالله) صفير والسفير البابوي»!

«من يوم يومها»، يريد «حزب الله» ميشال عون رئيسا. لكن «المفتنين» كثر. القواعد تأثرت وأثّرت لكن ليس على مستوى رأسَي الهرم والحلقة الضيّقة جدا العالمة بأسرار الغرف المغلقة وكواليسها.

من حرب تموز والسابع من أيار، وصولا الى قتال «حزب الله» في سوريا، وما بينهما القانون الارثوذكسي والتمديد المتكرّر لمجلس النواب وتزكية خيار التمديد لقائد الجيش وأزمة مجلسي النواب والوزراء، ظل الحلف ـ التفاهم بين الرابية والضاحية ثابتا لا يتزحزح.

كان العام 2015 حافلا بالتطورات التي خلطت الكثير من الأوراق. من إعلان النيات بين عون وسمير جعجع الى تبني سعد الحريري ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. في المحصلة، يبارك جعجع والحريري ترشيح عون للرئاسة، نبيه بري وسليمان فرنجية يقفان في المقلب الآخر.. و «حزب الله» على التزامه «أنا مع عون».

هذه المعادلة هي زبدة اللقاء الأخير بين السيد نصرالله والعماد عون. الاول، يحيّي «صمود» عون والثاني يشكره على «الوفاء».

منذ شباط 2006، التقى عون ونصرالله أكثر من مرة، خصوصا عند المفترقات الدقيقة كما بعد حرب تموز، وغداة 7 ايار قبل الذهاب الى الدوحة، وعشية تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، وفي ايلول 2014 غداة الحوار المتعثر بين الحريري وعون وقبل التمديد الثاني لمجلس النواب، وفي نيسان 2015 حيث صدر بيان مشترك عن «الحزب» و «التيار» أشار الى البحث في الاستحقاق الرئاسي.

قال نصرالله عن اللقاء الاول في مار مخايل «هناك كيمياء بين الناس قد تجمعهم أو تفرّقهم ولا أعرف مدى صحتها، ولكن في أول لقاء شخصي مباشر مع «الجنرال» كانت وحدة الحال موجودة منذ اللحظة الاولى».

لم يغيّر نصرالله رأيه بميشال عون. ومن يسأل الأخير عن حليفه الاستراتيجي فلن يسمع أقل من ذلك: «هو قائد استثنائي، ورجل قرار. وأتأثر جدا بارتباطه الوثيق بقواعده المقاتلة. هو سيّد نفسه وسيّد أعصابه». يجزم عون دوما «ان نصرالله لم يخلّ معي. ورفضت دوما وضعه في موقع الشك من قبل حلفائي».

قبل عام من الآن، اعترف عون ممازحا: أنا أمنع حتى عائلتي من التشكيك بالتزاماته تجاهي. لقد كان هناك دوما توافق بيننا في الرؤية للأحداث حتى من دون أن نلتقي. يثق أحدنا بالآخر كثيرا، وعلاقتنا عابرة للسياسة و «كأننا خلقنا سوية».

هي زيارة «التتويج» لمسار عمره من عمر «التفاهم»، وطبيعية بعد زيارة كل من الحريري ونبيه بري.. وقبل زيارة وليد جنبلاط.

يقول أحد المتابعين اللصيقين «في العادة كانت «المانغا» هي كلمة السرّ بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومستشاره المتخصص بتفاصيل العلاقة مع قيادة «حزب الله» الزميل مصطفى ناصر. يسأل الاول رجل الثقة ومفتاح علاقته مع الضاحية «في مانغا بالسوق هالأيام؟»، فيفهم ناصر «على الطاير» أن السيد حسن ضيف قريطم في الليلة نفسها يوم كانت الأوضاع الأمنية تسمح بزيارات كهذه، أو العكس صحيح.

مع «الجنرال» و «السيد» لا مانغا ولا ليمون ولا تمر. السرّية المطلقة التي تحيط عادة بلقاءاتهما لا تسمح باختراقات بالفواكه والخضار ولا حتى بالإيحاءات. كلمة السرّ بين الرابية والضاحية لا تقال في المجالس ولا على الهاتف. وسطاء يلتقون وجهاً لوجه وينسّقون ويتابعون مع أمن «حزب الله».

في محيط عون، يجزم المتابعون بأن جبران باسيل وحده يعرف بالتوقيت. حتى أن بعض فريق عون الأمني لا يعرف وجهة موكبه. لكن الوجهة بالنسبة للسيد حسن نصرالله وميشال عون واضحة تماما: حماية العهد الجديد وليس فقط إيصال «الجنرال» الى بعبدا.