IMLebanon

لا للبنان اللادولة!

لبنان ليس اليوم دولة فاشلة فحسب أو دولة مارقة أيضاً» (وللدلالة على هذه الصفة الأخيرة ألقي نظرة فقط على طريقة تعامل الدول مع المسافر اللبناني)، لبنان هو في حالة اللادولة: فراغ رئاسي، شلل برلماني وحكومي تام لا مجال لمعالجتهما، فساد مستشرٍ، إرتفاع درجة التحلل في الإدارة، وضع إقتصادي ومالي على حافة الهاوية، بطالة ومشاكل إجتماعية لا تحصى، مشاكل بيئية باتت تهديدا حقيقيا وإستراتيجيا لإستمرارية العيش في لبنان (أهم هذه المشاكل هي مشكلة النفايات).

أضف إلى هذه الحالة المرعبة أن لبنان موجود في منطقة متفجرة تزول فيها دول وتتكاثر فيها الميليشيات  في ظل عجز عن معالجة الأوضاع حتى بالحد الأدنى لمجتمع دولي مأزوم.

والحقيقة أن السمة الرئيسية لهذا الوضع الإقليمي المتفجر ومحركه الرئيسي بات الصراع الدموي بين الجهادين الشيعي والسني، بين الجمهورية الإسلامية في إيران وإمتداداتها في المنطقة والدولة الإسلامية في قسم من العراق وسوريا وإمتداداتها في المنطقة والعالم وأخواتها اللدودين وغير اللدودين، على حساب الإعتدال السني والشيعي كما على حساب الأقليات الإتنية والدينية، ومنهم المسيحيون.

ما تشهده المنطقة مرشح أن يتمدد ليس فقط إلى كل دول المنطقة، إنما أيضاً إلى العالم بأسره وبوادره بدأت تظهر في فرنسا وأميركا ومؤخراً في بريطانيا فضلاً عن إسقاط الطائرة الروسية في سيناء التي يمكن إعتبارها قانوناً إعتداءً على الأرض الروسية.

أما في سوريا، الجوار المباشر للبنان، لن تتوقف الحرب فيها عن قرب ولا حتى بسنة أو سنتين، بل إني أقدر أن هذا الصراع سوف يطول لسنوات مديدة. ولن ينتصر أحد، لا بدعم روسي ولا بغيره. الكل أقوياء في سوريا والكل ضعفاء ولا حل عسكرياً ولا حل سياسياً فيها!

الأخطر في الوضع السوري هو أن الطرف الجهادي الشيعي في لبنان، أعني حزب الله، دخل بقده وقديده في هذا الصراع يحارب القوى التكفيرية السنية حماية للبنان، على حد قوله، وعن نفسه في واقع الأمر وعن مشروعه الإسلامي الذي تقوده الجمهورية الإسلامية  الإيرانية في المنطقة والعالم! وهو لن يتراجع ولا أحد من اللبنانيين قادر على إجباره على التراجع بالحسنى أو بالقوة لأنه يخوض صراع وجود في سوريا!

وثمة ثلاثة ملايين سني في لبنان (مليون لبناني، مليون ونصف سوري ونصف مليون فلسطيني) يعيشون حالة من الإحباط ويشعرون بالمظلومية نتيجة إستقواء حزب الله عليهم في لبنان ولما يحصل لإخوانهم السنة في سوريا على يد الأسد، إيران وحزب الله. ما يخلق بيئة حاضنة لنمو الفرق الجهادية السنية، ولا سيما «داعش» و«النصرة» وأخواتهما.

من هنا، ثمة حاجة ماسة لحزب الله لضبط هذا الوضع السني الخطير عليه في لبنان. من هنا أيضاً، مصلحته في تشكيل حكومة يرأسها سعد الحريري وليس أي شخص آخر من تيار المستقبل، لما للحريري من رمزية ودعم سعودي وحيثية شعبية لا يتمتع بها أي من السياسيين السنة من داخل أو خارج المستقبل.

بالمقابل، ثمة حاجة ماسة للحريري للعودة إلى لبنان والإمساك بمقاليد المستقبل مباشرة واستعادة المستقبل   شعبيته المتآكلة ومواجهة الفرق الجهادية.

ولكن، دستورياً لا يمكن تشكيل حكومة جديدة إلا بعد إنتخاب رئيس للجمهورية.

حاول الحريري بمرحلة أولى ترشيح ميشال عون. قيل حينذاك أن هذه المحاولة إصطدمت بفيتو سعودي وأن الحريري تصرف دون علم القيادة السعودية. والحقيقة هي أن موقف الدكتور سمير جعجع كان محورياً» في ذاك الوقت في تسهيل إنتخاب رئيس. فلو دعم ترشيح عون، لكان «الفيتو» السعودي زال. في تلك المرحلة، جرت مفاوضات جدية بالواسطة كما مداخلات عديدة لإقناعه، ولم تفلح! وهكذا، هدرت فرصة ذهبية!

عند هذا الحد، دخل الوضع بجمود قاتل: إما عون أو الفراغ! فعون الثمانيني لن يتخلى عن فرصته الأخيرة للترشح لأي كان. حزب الله لا يريده رئيسا كي لا يخسره حليفا أربعة وعشرين قراطا للمقاومة والممانعة في لبنان والمنطقة، ولكن لا يمكنه إلا دعم ترشيحه كي لا يخسر صداقته! من ناحية أخرى، ميزان القوى في لبنان (في الدولة وخارجها) وفي المنطقة ومآلاته، لا يسمح لجعجع ولا لأي مرشح من 14 آذار أن يفوز بالرئاسة. أما المرشحين التوافقيين، فلم يكن لهم أي حظ في أية مرحلة لعدم قدرة حزب الله لتسويقهم لدى عون بدلا عنه.

أما اليوم، فالتسوية تقوم أساساً على المعادلة التالية: فرنجية رئيساً والحريري رئيس حكومة. تكتمل عناصرها بالإتفاق على الحكومة وتوازنتها، حصصا وحقائب. أما إجراء الإنتخابات النيابية و/أو الإتفاق على قانونها، فلا يصح إطلاقاً وضعهما كشرط مسبق للإنتخابات الرئاسية. خمس سنوات مضت ولم يتم التوافق على قانون إنتخابي. فلن يتم بخمسة أيام أو خمسة أسابيع أو أيضاً بخمسة أشهر. والمشكلة هنا تكمن في أن من يفترض أن يتوافق على قانون الإنتخاب هي «الطبقة السياسية الحاكمة»، فلن تنتج قانوناً إلا ويتناسب مع مصالحها الفئوية والشخصية المتضاربة وليس قانوناً يقوم على معايير وطنية تحافظ على الصيغة والكيان والطائف نصاً وروحاً.

كما أن مطالبة عون وجعجع بقانون إنتخابي يحقق الشراكة والمناصفة الحقيقية لا تقترن بالإتفاق على قانون بينهما بعد إلتزامهم القانون الأرثوذكسي الذي أعتبره المسلمون أنه يناقض العيش المشترك، وهم اليوم يناقضون أنفسهم بأنفسهم حين يطرحون مشاريع قوانينهم التي لا تحقق المناصفة الحقيقية كونها تلتزم النسبية كليا أو جزئيا.

بالإضافة إلى تقاطع المصالح بين المكونين السني والشيعي، بين المستقبل والحزب، ثمة دفع دولي وازن (أميركي-فرنسي) إلى التسوية كما توافق إقليمي ضمني (إيراني-سعودي) على ضرورة الحفاظ على الإستقرار في لبنان وإبقائه بعيدا» عن حرائق المنطقة. مما إستوجب الدفع بإتجاه ملء الفراغ الرئاسي وبالتالي إعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية. واليوم من الواضح أن هذه التسوية قد زخمت دوليا وإقليميا إلى حد أن تعطيلها أو تغييرها بات صعبا جدا، إن لم نقل مستحيلا. لذا، إمكانية إعادة تعويم ترشيح عون من قبل جعجع، قد يصطدم بإستمرار الفيتو عليه كما بتقدم دينامية ترشيح فرنجية وعدم حماس حزب الله لهذا الخيار فضلا عن المستقبل. فما كان ممكناً منذ ستة أشهر، لم يعد ممكناً بالأرجح اليوم!

جدية هذه التسوية تقوم على أنها تعكس ميزان القوى الحقيقي وقابلة للتحقق. فسليمان فرنجية مصنف من الأقوياء بإعتراف عون وجعجع والجميل. وهو جزء من تكتل التغيير والإصلاح ولا فيتو دولي أو إقليمي عليه! هذا الأمر يسهل تسويقه لدى عون خاصة إذا بقي الفيتو عليه. فالكرة إذاً هي في ملعب حزب الله المطلوب منه، أقلها عدم عرقلة مسار التسوية إن لم يتمكن من إقناع عون بالتخلي عن ترشيح نفسه.

بين اللادولة والدولة، أنحاز دون تردد إلى الدولة، مهما كانت هذه السلطة التي تديرها! وجود الدولة قد لا يكفي لدرء الأخطار الداخلية والخارجية على لبنان، إنما بالتأكيد، يعطي حدا أدنى من المناعة الوطنية للحد منها.

وإذا كان للمعترضين المسيحيين أي حل آخر ممكن التحقيق، فليكن. أما الإعتراض بهدف إسقاط التسوية ليس إلا، فهذا جرم بحق لبنان ومسيحيي لبنان وخراب على من يسعى لتحقيق هكذا هدف لأنه إذا كان بالإمكان تأخير إنجاز التسوية بعض الوقت القليل، فلا يمكن إيقافها. وأريد أن أعتقد أن لا أحد من القيادات المسيحية يريد الإنتحار، فضلا عن أنهم أهدروا الوقت والفرص خلال سنة ونصف ولن يتمكنوا من الإتفاق على مرشح أكان من الأربعة المصنفين أقوياء أو على مرشح توافقي!

فليكفوا عن المزايدات المسيحية الشعبوية على الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي بنبش تصريحات فرنجية القديمة، وغيرها من الإساءات الطفولية. فليطمئنوا! فرنجية آت ضمن تسوية دولية-إقليمية-لبنانية لا تحتمل أن يتخذ رئيس الجمهورية مواقف منحازة لأسد بات ضعيفاً، فضلاً أن مصلحة حزب الله بالذات تقضي بأن لا يحرج الحريري كي يتمكن من إستيعاب حالة الغضب السني.

ولكي لا يتساءل أحد عن هويتي السياسية أو تغييرها! فأنا أنا ولم أغير مبادئي السياسية ولا خطي السياسي ولا طالما أردد مقولتي المفضلة: صلب بتمسكي بالمبادئ ولين في التطبيق!