IMLebanon

لا مبادرة سياسية بل ضرب جديد من فن التقيّة

«يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب» منسوبة لعلي بن أبي طالب

في النسخة الطالبية لقضية التحكيم، تمّ خداع أبو موسى الأشعري عندما خلع علي بن ابي طالب عن إمارة المؤمنين، وكان ينتظر أن يقوم عمر بن العاص بخلع معاوية بن أبي سفيان في المقابل، وبالتالي ربما اختيار أمير للمؤمنين غير الإثنين أملاً في وقف حمام الدم الذي حصل في موقعة صفين. ما حصل حسب الرواية الطالبية هو أنّ عمر بن العاص لم يخلع معاوية، بما يعني أنّ جانب الإمام علي تعرّض للخديعة.

الطرف الآخر، من غير الطالبين، يرفض الفرضية ويروي قصة أخرى عن الحدث. ولكن، وبغض النظر عن دقة المعلومات التي يرويها الطرفان، فقد تداخلت الأساطير في القضية وتحوّلت إلى قاعدة أساسية في الشقاق الإسلامي، وفي الصراع المزمن على السلطة الذي نرى حقبة جديدة من تداعياته اليوم.

في تقويمٍ للفيلسوف الشيعي علي شريعتي، الذي كان من ملهمي الثورة على شاه إيران، وقتل قبل سنتين من إزاحة العرش البهلوي هناك، يقول إنّ التقية المتّبعة عند الشيعة نوعان، الأولى هدفها درء الشر وتجنّب الصراع والحفاظ على الإيمان، وإن في القلب، وهي التقية المحمودة.

ولكنه يقول إنّ الإمبراطورية الصفوية حوّلت التقية إلى أداة لخداع الآخر، فاتحة الباب لنقض العهود والوعود، وحتى المعاهدات الموقعة والموثقة، وهذا هو النوع الثاني من التقية.

ما أريد قوله من كلّ ما سبق هو بمثابة الردّ على البعض ممّن يقول إنّ مبادرة (الأمين العام لـ»حزب الله» السيد) حسن نصر الله الأخيرة قد تكون فاتحة لحلول في فراغ سدّة الرئاسة عبر إيهام الناس بانفتاحه على الحوار حول رئاسة الحكومة. وقد يفهم البعض أيضاً بأنه قد يقبل بـ(الرئيس) سعد الحريري رئيساً للحكومة، إن قبل الأخير بتسهيل انتخاب مرشح «حزب الله» لرئاسة الجمهورية.

الواقع هو أنّ القضية أبعد من كلّ ذلك، فبداية، ومع رغبة سعد الحريري الملحّة في وقف الفراغ في رئاسة الجمهورية، لكنّه ليس بوارد المقايضة في هذا الموضوع. ولو فرضنا أنّ المقايضة واردة، فبأيّ شروط؟ وهل هي تتضمّن الإستسلام الكامل للمشروع الإيراني؟

وإن حصل، فمَن يضمن عدم الإنقلاب على كلّ ما تمّ التوافق عليه وبالطبع من قبل «حزب الله» كما حصل عام ٢٠١١ في إسقاط الحكومة التي رأسها سعد الحريري بخديعة «تحكيم» مستحدَثة من قبل «الوزير الملك»؟

فـ«حزب الله» حركة عسكرية تبني مواقفها على قاعدة موازين القوى التي تحددها القيادة العليا في طهران، ولا تأبه عادة بالوقائع المحلية السياسية والإقتصادية والإجتماعية.

ماذا يعني كلّ ذلك الآن؟ يعني أنّ تيار «المستقبل» لم يرَ في كلام نصرالله الأخير أيّ مبادرة سياسية قد تؤدي إلى خرق صمت الفراغ الرئاسي، فكلّ ما يبدو هو أنّ «حزب الله» وأمينه العام يمارسون نوعاً معكوساً من قضية تحكيم صفين، بحيث يقوم تيار «المستقبل» بدوره في تسهيل الأمور، ويستمر «حزب الله» في لعبة التعطيل.

يعني أنه حتى ولو وصل سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، فـ»حزب الله» وأعوانه سيعطلون تشكيل الحكومة أو يجعلونها مفرغة من مضمونها.

وإن تمت التشكيلة بعد عناء، فإنّ الخلاف على البيان الوزاري قد يفجّرها. وحسب التجارب السابقة، فمَن يقول إن لا إنقلاب جديد على مثال عام ٢٠١١ سيحدث، وإن لم يحدث فمَن سيضمن عدم حصول سابع من أيار.

ببساطة، فإنّ «حزب الله» وريث أمين لمبدأ التقية الصفوية، فلا عهد ولا ميثاق يربطه، ولا خوف عنده من سيل الدماء في سبيل النصر، فهو فرقة عسكرية وليس حزباً سياسياً.