IMLebanon

لا عودة لحكم “ديموقراطية الأكثرية” في لبنان إلا بعودة التعدّدية إلى داخل كل طائفة

بات على لبنان أن يختار بين “الديموقراطية العدّدية” و”الديموقراطية التوافقية” لا أن يظل يخلط بينهما وفق الظروف والمصالح والأمزجة كما حصل حتى الآن ومنذ عام 2005.

لقد نجح لبنان في الماضي في تطبيق النظام الديموقراطي العددي فكان الحكم للأكثرية من رئاسة الجمهورية الى رئاسة مجلس النواب الى رئاسة الحكومة، وهي أكثرية تنبثق من انتخابات نيابية حرّة ونزيهة في ظلّ الطائفية ولكن أيضاً في ظلّ أحزاب وطنية كان يختصرها حزبان كبيران هما حزب “الكتلة الوطنية” وحزب “الكتلة الدستورية”، وكلاهما يتألف من شخصيات مسيحية واسلامية ومن كل المناطق. وكان لكل منهما مرشحون للرئاسات الثلاث. وعند تشكيل الحكومات كان من تسميه الأكثرية في الاستشارات يشكلها ويختار الوزراء فيها بالتشاور والاتفاق مع الكتل والأحزاب التي تؤلف الأكثرية، ولم تكن اي طائفة أو مذهب كما اليوم تحتكر ذلك بحيث أن الطائفة الشيعية مثلاً إذا لم تتمثل بصبري حمادة كانت تتمثل بعادل عسيران أو بأحمد الأسعد، وإذا لم تتمثل الطائفة السنية بسامي الصلح لرئاسة الحكومة كانت تتمثل بصائب سلام أو برشيد كرامي، وإذا لم تتمثل الطائفة المارونية بكميل شمعون فأنها كانت تتمثل ببيار الجميل أو بريمون إده أو بسليمان فرنجيه عندما تكون حكومات أقطاب مع مراعاة التوازن الطائفي وكذلك الوزن في التمثيل.

إلا أن ما حال دون الاستمرار في تطبيق ديموقراطية الأكثرية ليست الطائفية فقط إنما الأحزاب الطائفية، بحيث لم يعد في الامكان تمثيل طائفة كبرى من دون الحصول على موافقة زعيم هذه الطائفة أو رئيس الحزب الممثل لها تمثيلاً حصرياً. فالطائفة الشيعية مثلاً زالت فيها التعدّدية بعد قيام “التحالف الثنائي” المؤلف من “حزب الله” وحركة “أمل” وامتلاكه حصرية اتخاذ القرارات باسم الطائفة، فلا انتخاب رئيس للجمهورية يتم إلا بموافقة هذا التحالف، ولا تشكيل حكومة إلا بموافقته أيضاً وإلا أصبحت الحكومة غير ميثاقية إذا لم يتمثل فيها من يسميه هذا التحالف بالذات من دون سواه، وهو وضع لم يكن سائداً في الماضي داخل أي طائفة أو مذهب، ما جعل تطبيق “الديموقراطية العددية” متعذراً في غياب التعددية داخلها واعتبارها شبه ديكتاتورية، فحلَّت محلها بدعة “الديموقراطية التوافقية” وهي شبه فيديرالية، والتي لا بديل منها في ظل الطائفية والاحزاب المذهبية، وقد صار تطبيقها منذ عام 2005 مع نمو الشعور الطائفي وتراجع الشعور الوطني، وتطبيقها لم يضمن دوام الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، ولا كانت الحكومات التي تتألف على أساسها حكومات منتجة لأنها تتألف من أضداد قلّما يتفقون، وباتت العودة الى”الديموقراطية العددية” تتطلب الغاء الطائفية السياسية أو انشاء احزاب وطنية أو عودة التعددية الى داخل كل مذهب وطائفة لتصبح الأكثرية خاضعة للتغيير بفعل نتائج الانتخابات النيابية، في حين أن هذه النتائج لا تغير شيئاً مع تطبيق “الديموقراطية التوافقية”، لا في انتخاب رئيس للجمهورية ولا في تشكيل الحكومات، وهو الحاصل اليوم إذ يكفي امتناع نواب “حزب الله” عن حضور جلسات الانتخاب ليتعطل انتخاب الرئيس، ويكفي امتناع الحزب عن المشاركة في الحكومة إلا بشروطه لكي تصبح غير ميثاقية، مع إصرار كل حزب وتكتل على تسمية الوزراء فيها بحيث يجتمع الأضداد في الحكومة ويتحمل الشعب عواقب صراعهم. فاذا اتفقوا فانهم يتفقون بالمحاصصة على حساب المصلحة العامة، واذا اختلفوا كان على حساب هذه المصلحة أيضاً، عدا ان حكومات كهذه لا تخضع لأي محاسبة من مجلس النواب ولا من اي متضرر لأن كل الاحزاب والكتل على اختلاف اتجاهاتها ممثلة فيها، فمن يحاسب مَن؟!

لذلك بات مطلوباً من القادة في لبنان حسم الخلاف حول أي نظام يريدون ويكون ضامناً للاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي ويتلاءم وتركيبة لبنان السياسية والطائفية الدقيقة. فتطبيق نظام “الديموقراطية العددية” بات في حاجة الى الغاء الطائفية أو عودة التعددية الى داخل كل مذهب وطائفة، و”الديموقراطية التوافقية” أثبتت بالممارسة أنها تجربة فاشلة إذ أن في استطاعة أي مذهب أو طائفة استخدام حق “الفيتو” لتعطيل صدور أ قرار أو تعطيل تنفيذه.

الواقع أن كل نظام لا تقوم فيه موالاة ومعارضة هو نظام ديكتاتوري، وكل نظام تقوم فيه موالاة ومعارضة هو النظام الذي يستطيع مكافحة الفساد ومحاسبة المرتكبين.