IMLebanon

لا استقرار إلاّ باتفاق السعودية وإيران

التدهور الأخير والخطير في العلاقة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي تمثّل بقطع العلاقات الديبلوماسية جرّاء حرق سفارة الأولى في طهران، أطلق “جرس الإنذار” في العالم. ذلك أن الفشل في إعادة علاقة طبيعية وسلمية بينهما سيتسبّب بجعل الأزمة الإنسانية في سوريا أكثر سوءاً، وفي زيادة عدم الاستقرار في منطقة هي أساساً متفجرة، كما أنها قد تعوق المعركة ضد الإرهاب وأبرز تنظيماته “داعش”. علماً أن الدول الإقليمية لا تستطيع منع الآثار الكارثية لاستمرار العداء بين الرياض وطهران. لذلك فإن على الدول الكبرى في العالم القيام بحملة ديبلوماسية لمنع الدولتين من الوقوع في هاوية العداء المستحكم والمنفتح على الحروب المباشرة أو على الحروب بالواسطة، وفي الوقت نفسه لإنقاذ عملية السلام المتعلقة بسوريا ولمنع “داعش” من استغلال تأجيج التوتر بين العاصمتين. وما يجب أن يدفعها إلى ذلك هو معرفتها الوثيقة أن “المملكة” و”الجمهورية” هما عنصران محوريان في الصراعات المحتدمة في المنطقة، وإذا صارت علاقتهما صحية فإنهما تستطيعان أن توفّرا فرصاً كبيرة للاعبين الدوليين مثل أميركا وروسيا كي ينخرطوا مع اللاعبين المحليين في سوريا وغيرها من المناطق الملتهبة في محاولة جدية لتقليص الصراعات الناشبة. أما إذا استمرت علاقات عدائية فإنها تُصعِّب إلى درجة الاستحالة قيام هؤلاء بمهمة كهذه. كما أنها تزيد أخطار انجرار القوى الأجنبية إلى مناطق الصراع مثل سوريا والعراق واليمن، وتضمن انتشار الفوضى فيها.

وكي لا يبقى هذا الكلام عامّاً، يشرح أصحابه وهم باحثون جديون في مركز أبحاث أميركي عريق، أخطار استمرار العداء السعودي – الإيراني على المستوى المحلي فالإقليمي ثم الدولي. ففي سوريا مثلاً يعزّز ويعمّم الكابوس الحالي في سوريا التي هي الآن مركز عدم الاستقرار الإقليمي. إذ أن إيران ستضاعف جهودها لتقوية نظام الأسد، والسعودية ستزيد كثيراً مساعدتها للمجموعات المتمرِّدة. وإذا أدى ذلك إلى انهيار المسار الديبلوماسي لوقف الحروب فإنها ستحتدم وقد تنجر إليها قوى أخرى. كما أن “داعش” قد يكون المستفيد الأول من ذلك.

هذا على الصعيد المحلي. أما على الصعيد الإقليمي فإن استمرار العداء بين طهران والرياض سيزيد الاستقطاب المذهبي والسياسي. وقد بدأ ذلك وظهر واضحاً في اجتماعات جامعة الدول العربية التي وقفت إلى جانب السعودية. كما أن هناك خطر اقتراب تركي من المملكة في الصراع الناشب. وقد يساعد ذلك المتشددين الإيرانيين في الانتخابات “المزدوجة” المقررة خلال الشهر الجاري ويمكّنهم من الفوز فيها. وربما ينتج ذلك إيران أكثر مغامرة في وقت صارت السعودية بدورها أكثر هجومية وعدائية.

ما خطر استمرار العداء المذكور على الصعيد الدولي؟ وهل من اقتراحات لوقفه وتفاديه؟

الخطر الأول قد يكون ازدياد التوتر بين أميركا وروسيا، وهو كان موجوداً أساساً بسببها كما بسبب أوكرانيا، واندفاع كل منهما إلى دعم الفريق الأقرب إليه في الحرب رغم اقتناعهما بأن لا حل عسكرياً للأزمة السورية. وهذا يعني إنهاء العملية السياسية – الديبلوماسية التي اتفقتا على أن يكونا عرّابيها، ويصبح همّ موسكو المحافظة على نظام الأسد والدفاع عنه، وهمّ واشنطن القضاء على “داعش”. ويعني ذلك مزيداً من تورّطهما العسكري، وربما يرفع حظوظ اصطدامهما مباشرة.

أما الاقتراحات فيعتقد الباحثون الجديون الأميركيون أنفسهم أنها ثلاثة:

الأول اتفاق روسيا وأميركا على تقويم واحد للوضع في سوريا، والاعتراف بأخطار المزيد من تردّي علاقة الرياض وطهران، وبأن مساراً عسكرياً من دون مسار ديبلوماسي موازٍ لا يحلّ شيئاً ويحوّل الصراع تهديداً دولياً. لذلك عليهما معاً إنشاء جبهة واحدة وتوجيه رسالة واضحة إلى العاصمتين تفيد أنهما مصممتان على إيجاد حل سياسي لسوريا بصرف النظر عن علاقتهما.

والثاني ضرورة اعتماد صيغة المجموعة الدولية 5+1، التي توصلت إلى إقفال الملف النووي الإيراني بالتفاوض المباشر مع طهران، من أجل حلّ معضلة سوريا، أو صيغة أخرى مشابهة. والثالث إقناع الدول الإقليمية المهمة وفي مقدمها تركيا بعدم الانحياز في الصراع السعودي الإيراني وبالعمل مع الآخرين لاحتوائه. طبعاً لمصر دور في هذا المجال، لكنه أصغر من دور تركيا لإنها إلى حد ما “احتُوِيَت” من السعودية في مقابل المساعدة المالية الضخمة التي قدمتها لها لمعالجة صعوباتها الاقتصادية.

وإذا لم ينجح كل ذلك في تدفئة العلاقة السعودية – الإيرانية المُجلَّدة فإن الأمل في استقرار سوريا واليمن وفي هزيمة “داعش” سيضعف كثيراً.