IMLebanon

لا سقف زمنياً لولاية الرئيس المكلف

مع بداية الشهر الثاني لتكليف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري تشكيل الحكومة العتيدة، تعود إشكالية تشكيل الحكومات إلى الواجهة من جديد وتصبح الأحكام الدستورية في قفص الاتهام.

فالنص الدستوري تضمن احكاماً دقيقة وواضحة لكل المراحل التي تسبق استكمال الحكومة دستوريتها من تكليف واستشارات وبيانات وزارية ونيل ثقة مجلس النواب وكانت جميع تلك المراحل تتم فوراً باستثناء البيان الوزاري الذي يتطلب مناقشة في المجلس النيابي كونه يحدد سياسة الحكومة في المجالات، ولذلك احتاط المشترع لذلك فوضع نصاً للمدة التي يمكن ان يستغرقها إعداد البيان وترك مرحلة التشكيل من دون سقف زمني لإنجازه وصدور مراسيمه، وهذا ما أدى إلى استنزاف وقت طويل بدأت ملامحه مع بداية الشهر الثاني لتكليف الحريري تشكيل الحكومة، وهذا ما يجب تداركه إذا لم يقتنع المعنيون بإعادة قراءة النص الدستوري واستنباط نية المشترع بدل الخضوع لحرفية النص.

والأهم من هذا ان السقف المفتوح للرئيس المكلف تشكيل الحكومة وغير المقيد بأية فترة زمنية من شأنه ان يصادر رغبة رئيس الجمهورية ومجلس النواب تشكيل حكومة جديدة. في المقابل، لا يستطيع أحد ردع رئيس الحكومة المكلف مهما طال الزمن لذلك أصبح السؤال: من أين أتى مكلف بمثل تلك الصلاحيات الخارقة لأسس النظام؟

وما يلفت الانتباه هنا ويجب أخذه في الحسبان عند قراءة النص الدستوري الذي حرر المكلف من أي مدة لإنجاز التشكيلة ان الحكومة التي اعتبرت مستقيلة تبقى تمارس صلاحية تصريف الاعمال وفق الفقرة 2 من المادة 64 ـ دستور وهذه الحكومة لا تستطيع ان تتوقف عن التصريف حتى إذا كان أعضاؤها قد استقالوا بأنفسهم ليرتاحوا، فالرئيس المكلف «يأمرهم» بالبقاء في الوقت الذي يتحرر فيه من أي قيد يحد من حريته وسلطته تلك، فمن أين جاء بمثل تلك الصلاحية يا ترى؟

ان الإجابة واضحة، وهي تتمثل بعدم وضع سقف زمني للتشكيل، وهو الأمر الذي يخالف فيه المشترع عندما «تجرأ» على عدم ذكر السقف كما في البيان الوزاري المحدد لإنجازه في مدة ثلاثين يوماً.

فالتشكيل عملية سياسية لا ترتب أي تغييرات دستورية على المستفيدين من نتائجها باعتبار ان السياسة العامة للدولة والسلطة الإجرائية منوطة بمجلس الوزراء (المادة 65 ـ دستور)، ولذلك فإن التشكيل قد يكون من ثلاثين وزيراً أم من عشرة وزراء أم أكثر أم أقل، مما يفترض القول ان الحرية امام الرئيس المكلف تكون متاحة لاختيار ما يكون مساعداً على نيل ثقة المجلس النيابي انطلاقاً من مضمون البيان الذي يحدد سياسة الحكومة.

أما البيان الوزاري، فهو عكس ذلك تماماً باعتبار ان تحديد سياسة الحكومة في كل المجالات قابل للنقاش خصوصاً أن الوزراء يأتون من كتل وأحزاب متعددة ولكل منهم نظرته الخاصة فتكون وظيفة البيان ان يوفر قواسم مشتركة بينها، ولذلك يمكن الجزم ان البيان الوزاري في ظل النظام السياسي القائم والواقع الحزبي والسياسي السائد في لبنان هو العقدة التي تستحق وقتاً أطول من أي وقت يمكن ان تستغرقه مرحلة أخرى من مراحل تشكيل الحكومة، وبرغم ذلك، حدد المشترع سقف الثلاثين يوماً لتتقدم الحكومة ببيانها الوزاري امام مجلس النواب لنيل الثقة.

لهذا يمكن القول ان المشترع عندما نص على مدة الثلاثين يوماً لتتقدم الحكومة ببيانها الوزاري وتنال الثقة على أساسه من دون ان يحدد أي مهلة لإنجاز التكليف، يكون قد حدّد الوقت المتاح لإنجاز أصعب مرحلة من المراحل التي يمر فيها تشكيل الحكومة، وبالتالي من غير الجائز ان يستغرق التشكيل أكثر من ثلاثين يوماً على الأكثر ويكون تجاوز ذلك بمثابة الاعتذار ما دام المشترع لم يضع نصاً صريحاً يحدِّد مدة التشكيل.

من هنا، يتبين ان اعتماد صيغة السقف الزمني المفتوح لتشكيل الحكومة ضرورة وطنية، فهل يجري اكتشاف نية المشترع بالتشكيل إلى ما يقارب الأحد عشر شهراً كما حصل في الماضي القريب جداً أم انه سيبقى على ما هو عليه؟