IMLebanon

ليست العلة في النظام …  بل في العقلية السياسية

احتاجت السياسة اللبنانية الى عقد ونيف من الاقتتال الداخلي والخراب والدمار الى أن يقتنع رجالها بأن النظام اللبناني فقد أهليته ولم يعد صالحاً للاستعمال، وبعد ذلك اجتمعت عليهم ضغوط الأنس والجن حتى يجتمع سياسيوهم في الطائف ويتفقوا على نظام لبناني جديد يخرجهم من الحرب ويعيدهم الى السلم… ولا نقول الى الديموقراطية! وبعد أكثر من ربع قرن على وضع نظام الطائف ودستوره عاد الجميع الى نقطة البداية والى الصفر الذي كانوا وصلوا اليه وانطلقوا منه وها هي نخبهم السياسية اليوم وممثلوهم داخل هياكل الدولة وخارجها يحوصون في دائرة مفرغة، ويضربون أخماساً بأسداس، وتتدلى ذقونهم انذهالاً من الأحوال المتردية على كل صعيد، وتنتقل يوماً بعد يوم من السيئ الى الأسوأ…

***

الحقيقة الصارخة هي أن المشكلة العويصة والعقدة المستعصية ليست في النظام، بل في أهل النظام، أي في طبقة سياسية أدمنت انتاج نفسها على مر العقود، وفي عقلية متحجرة ومتكلسة تختصر مفهوم السياسة بمعنى وحيد، هو الهيمنة على الدولة ومقدراتها ومواردها والاثراء المشروع وغير المشروع بالمال الحلال والحرام! ولا نعمم هنا، وانما نقول إنها عقلية موجودة وثقافة سائدة في أوساط الطبقة السياسية بحيث يذهب فيها الصالح بعزا الطالح! وهذه العقيدة الشاذة والمنحرفة بالذات هي الولاّدة الحقيقية للمشاكل، وتفريخ الأزمات المتناسلة من رحم بعضها بعضاً، بحيث لا تُعدّ ولا تُحصى من أزمات المياه والكهرباء والسدود والنفايات والفساد والفضائح في كل مجالات الحياة تقريباً، الى حين الوصول الى شلل الدولة في غالبية سلطاتها، مع شغور رئاسي متمادٍ الى أجل غير منظور…

***

مهما بالغ السياسيون في الهرب من قدرهم، فإنهم محكومون بمواجهته في النهاية، لأنهم لا يستطيعون تمغيط الزمن الى ما لا نهاية، وسد فجوة هنا لتنفجر عشرات الثقوب والفجوات في مكان آخر. وخير لهم وللبنان أن يفعلوا ذلك في أقرب وقت، ما دام لا يزال بعض النبض في العروق، وقبل طلوع الروح. وليس عليهم أن يخترعوا شيئاً، فهذا دستور الطائف فطبّقوه، وأكملوه بانشاء مجلس الشيوخ الطائفي ما دمتم مغرمين بالطائفية الى هذا الحد… وأسهل منه قانون انتخاب نسبي ينصف الجميع!