IMLebanon

يا أمة ضحكت من أوضاعها الأمم    

أما بعد… بعد كل ما حصل وما هو مستمر بالحصول على مدى العالم العربي بأسره، خاصة منه أقطاره المحيطة بإسرائيل، ألا يحق لنا جميعا أن نعمد بكل جدية وكلّ وعي لحقيقة أوضاعنا الكارثية التي تهدد بلادنا، كل بلادنا في هذه المنطقة المنكوبة، بكثير وبمزيد من الويل والثبور وعظائم الأمور؟ هل هناك من خطر وجودي على أرضنا وشعوبنا ودولنا، أدهى وأشد مما هي الحال عليه في كل من سوريا والعراق ولبنان وليبيا واستفحال الأوضاع وتفاقم تحدياتها في بلدان الخليج وما تيسر للمؤامرة الكبرى التي تحمل في هذه الأيام، سكّين التقطيع والتقسيم، فإذا بنا جميعا وقد بتنا أمام أوضاع باتت تظهر «خرائط» دويلات الغد، بارزة الأسس وواضحة المعالم، كما باتت تظهر إتنيات ومذهبيات عديدة أخذ بروزها يتعاظم ويتفاقم إلى حدود الإنعزال بنفسها إلى دويلات مستقلة مدعومة بأطماع المصالح الدولية الكبرى متمثلة بتقاسم الأرض العربية ومصالحها وثرواتها بعد استكمال طمس شعوبها وتهجيرهم وتغيير المعالم الديمغرافية في بلادهم، وها هي عمليات توزيع جديدة لمواطني هذه المنطقة ينتقلون بها من بلد إلى بلد ومن منطقة إلى أخرى، كأحجار الدومينو وكألعاب القمار المغشوشة والمهيأ لها سلفا وعن سابق تصور وتصميم. ما يحصل الآن من عمليات تهديم وتفتيت وتقاسم لدول وشعوب وثروات ومواقع إستراتيجية لهذه المنطقة، كانت معالمها قد بدأت تظهر منذ عدة عقود، وبالخصوص منذ أن رسّخت اسرائيل أطماعها في مزيد من الأراضي العربية بكل امتداداتها ومواقعها الاستراتيجية وثرواتها، وكم تحسّبنا لفداحة الخبث الإسرائيلي وتخطيطاته بعيدة المدى والاستهداف. وكم لمسنا منها ومن حماتها في المجتمع الدولي نهجها «التاريخي» الذي عرف منذ قرون عديدة، عن يهود هذا العالم وسعيهم إلى بث الفتنة بما تيسر لهم من سمومها ومؤامراتها المتمحورة حول افتعال الفتن وتأجيجها، سواء من خلال استغلال التناقضات الطائفية والمذهبية والعرقية، وحالات الجهل والتخلف التي أورثنا إياها استعمارٌ متعدّد الاشكال والأحوال فتم تقسيم أرضنا العربية بكل مقوماتها، إلى جملة من الدول في وليمة استعمارية تجسدت في «يالطة»، حيث تم توزيعها لقما سائغة ما بين قوتين كانتا الأبرز في تلك الأيام المرّة، حتى اذا ما تمكن النضال الوطني من تحقيق الاستقلال في كل من الدويلات التي انشأتها القوتان الأعظم آنذاك، بدأ التخطيط والاستعداد لما نفذته عقب الحروب العالمية التي طغت على العالم، وكانت اسرائيل أول المصائب المستجدة على بلادنا التي نكبت بمخططات اليهود بإنشاء دولة لهم، وكان من نصيب العرب المشؤوم أن حلت هذه الدولة في صلب أرضنا ومقدساتنا، وهي تزداد اليوم طموحا وسعيا إلى مزيد من التهام ما تبقى من فلسطين وفي طليعتها ما تنم عنه في هذه الأيام بالذات، جريمة إقفال المسجد الأقصى بتلك الصورة الإجرامية التي تحدث للمرة الأولى منذ استيلاء اسرائيل على القدس وتحكّمها بمقدساتها الدينية على هذا النحو الوقح والمريع، وسط ركود إسلامي وعربي مستغرب ومستهجن، حتى الأزهر الشريف، وحتى الدول العربية والإسلامية التي كان يتوقع منها ردات فعل حارة ومؤثرة، لم نسمع ولم نلحظ منها إلاّ بيانات خجولة ومتخفية ومتكاسلة، كأنما المسجد الأقصى ليس في صلب وفي صميم مقدساتها وعقيدتها الإيمانية!!

– دون أن ننسى مستجدات لاحقة، أتحفتنا بتأجيج الصراعات المذهبية والدفع إلى انشاء دولة ولاية الفقيه في إيران التي باتت تقاتل في هذه الأيام، من خلال طموحاتها المذهبية والفارسية، الهادفة إلى اختراق دول المنطقة بدءا من طهران وصولا إلى لبنان وشاطئ البحر الأبيض المتوسط.

– ودون أن ننسى ذلك المستجد الداعشي وتنظيماته الإرهابية التي تمتهن الأساليب الوحشية في تعاملها مع البشر ومع الدول ومع الشعوب، الأمر الذي هيّأ أمام العالم بأسره لتصوير العرب والمسلمين على هذه الوضعية الإرهابية البشعة التي أسهمت في إيذاء سمعتهم وشرعية مطالبهم وفي إيذاء الدين الإسلامي الحنيف وحرف مزاياه العقائدية والروحية والإنسانية إلى أجواء معاكسة لحقيقة الإسلام السّمحة المنزّهة عن كل هذه العوالق التكفيرية والإرهابية التي اختلقها داعش بدفع من صانعيه الذين أطلقوا المشبوهين من سجنائهم وسلّموهم من الأسلحة والسلطة والثروة ما مكّنهم من القيام بالمهمات البشعة والمروعة والتي مرّغت سمعة العرب والمسلمين بشتى أنواع الوحول.

– ودون أن ننسى بعد كل ذلك أوضاعنا الداخلية في لبنان، بعد أن طرأت عليها فجأة معضلة جرود عرسال وملاحقها المتعلق بعضها بالنازحين السوريين، وذلك اللغط المفتعل من حولها وفي الطليعة، موقف البعض من الجيش اللبناني والذي علّق عليه اللبنانيون كل آمالهم في حماية هذا الوطن المنكوب من عواتي الزمان وطغيان التوجهات المشبوهة التي باتت تدفع إلى معالجة أمورنا الوطنية بروح طائفية ومذهبية متشنجة تعيد البلاد والعباد إلى أجواء الحقن الطائفي والمذهبي وتدخل إليه كل أصناف التوتر والتشنج مما بات يهدد السلم الأهلي والاستقرار الوطني بأسره.

أما بعد… وبعد كل ما حصل ويحصل، هذا كله من ثمار الأوضاع التي يُعْمَل على إيجادها وخلقها منذ عقود من الزمان، ومعظم تفاصيلها ليست سرّا ولا تكهّنا، بل إن بعضها وأخطرها منشور في وسائل إعلام غربية كثيرة، وسبق أن أُدلي به على لسان أكثر من مرجع غربي واسرائيلي في أكثر من مناسبة. وما يقلقنا ويخيفنا أننا بتنا مع الأسف الشديد نعيش في مراحله التنفيذية المباشرة، وما هو بارز منها لا يدعو إطلاقا إلى الاطمئنان، وهو يستلزم صحوة عربية سريعة، لأن المأساة يمكن أن تكون أسرع وأكثر اتساعا وخطورة من المآسي التي طاولتنا في العقود الماضية، إلى درجة أنه لم يعد يحرّكنا في الدفاع عن وجودنا وقضايانا ومصيرنا الوطني والقومي والإنساني، أي محرك ذو شأن وذو نتيجة ملموسة.

أما بعد، وبعد كل ما حصل وما هو مستمرّ… نسأل دولنا وشعوبنا: إلى أين… يا أمة ضحكت من «أوضاعها» الأمم .