IMLebanon

من فلسفة أوباما  الى ثرثرة ترامب

الرئيس باراك أوباما مهجوس مثل الرؤساء الذين سبقوه بما يحكم عليه التاريخ. وهو ينشط في أيامه الأخيرة لتسليط الأضواء على إرثه السياسي. ومن الطبيعي ان يستخدم براعته الخطابية في اتجاهين: تكبير ما أنجزه، وهو قليل ومحل أخذ وردّ. وتبرير ما تردّد في فعله، وهو كثير، وخصوصا في الشرق الأوسط.

لكن أوباما محظوظ مرتين: مرة بالوصول الى الرئاسة بعد الرئيس جورج بوش الإبن الذي كان الاعتراض على سياساته ومغامراته العسكرية في افغانستان والعراق من الأسباب المهمة التي أدت الى انتخاب رئيس أسود من أجل تبييض البيت الأبيض. ومرة بكون من يخلفه دونالد ترامب قطب العقارات صاحب الآراء والممارسات الغريبة، بحيث سيسارع المؤرخون الى إنصاف أوباما، وينتقل من بكى منه الى البكاء عليه.

ذلك ان ترامب ليس فقط أول رئيس لم يخدم في أي منصب رسمي في حياته بل أيضا أول رئيس منتخب لم يتوقف يوميا عن الثرثرة والتغريد عبر تويتر والسعي لممارسة السلطة قبل تسلمها رسميا. فهو يرد على كل صحافي يقول عنه أي شيء. يساجل ميريل ستريب بألفاظ مهينة وكثيرين سواها بتعابير فظّة وسوقية. يطلب من بريطانيا أن تسمي اليميني المتطرّف نايجل فاراج سفيرا لها في أميركا. يوجه انتقادا غير مسبوق للمستشارة الألمانية انغيلا ميركل بالقول ان قبولها مليون نازح كان غلطة كارثية. ويغازل الرئيس فلاديمير بوتين وسط امتداح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واعتبار ما يزعج موسكو وهو الحلف الأطلسي، منظمة متقادمة.

ومن الصعب على من ينتظرونه في الشرق الأوسط والعالم ليروا اتجاه الأحداث والسياسة الأميركية ان يعرفوا ما سيفعله ترامب بالفعل من بين ما يقوله. وآخر ما يفيد في قراءة الموقف الأميركي الجديد بعد مواقف أوباما الفلسفية هو ما قاله المرشحون لتولي المناصب الأساسية في الادارة. إذ هم أعلنوا مواقف مختلفة عن مواقف ترامب، ولكن بالتفاهم معه لكي يصوّت مجلس الشيوخ على تثبيتهم في المناصب. وهو، في الحديث الصحافي الأخير، تحدث في السياسات والاستراتيجيات بعقل تاجر مقاول: دفاع أميركا عن أي عضو في الناتو يتطلب أن يتحمّل العضو كلفة القتال، كأن أميركا بندقية للايجار. ويلوم أوباما لأنه لم يقرر اقامة مناطق آمنة في سوريا تدفع كلفتها الدول الخليجية.

ولا أحد يعرف، وهو يسمع ترامب يقول ان الغزو الأميركي للعراق كان كارثة كبيرة، كيف يوازن الرجل بين التشدّد مع ايران والصين والتحالف مع روسيا المتحالفة معهما. وليس أمرا قليل الدلالات ان يطلب مدير الاستخبارات المركزية ضبّ لسان الرئيس المنتخب.