IMLebanon

أهداف وخلفيات «رسالة» الكونغرس الى حزب الله

لماذا بدت ردة فعل حزب الله على قرار الكونغرس الأميركي بهذه الحدّة، رغم ان القرار ظاهرياً، يأتي استكمالاً لقرارات أميركية سابقة، تندرج في اطار التضييق على الحزب مالياً، وتصعيب مهام تمويله، على مستوى الدول والافراد؟ واستطراداً، هل سيتأثر لبنان اقتصادياً بالقرار الجديد، ام ان المسألة تتعلق بمصالح «الحزب» فحسب؟

اعتُبر القرار الأخير الذي أصدره الكونغرس الأميركي، لتشديد الخناق على حزب الله، بمثابة انتصار للجناح المتشدّد في الادارة الأميركية، خصوصا انه لا يهدف الى ممارسة المزيد من الضغوطات على الحزب فحسب، بل يستهدف بصورة خاصة، تضييق هامش حرية الحركة على الرئيس الاميركي نفسه حيال اي تساهل في الملف، وممارسة ضغوطات اضافية على الافراد والدول التي لها صلة بالحزب، أو حتى تلك التي تحاول ان تتملّص من المواجهة مع الحزب من خلال تجاوز بعض الاجراءات المطلوبة أميركياً.

الى جانب التضييق الاعلامي، يحتل الملف المالي اولوية في القرار الصادر، والذي يتضمّن ست نقاط تتمحور كلها حول الدفع في اتجاه تصنيف حزب الله «منظمة تهريب مخدرات أجنبية ومنظمة إجرامية عابرة للحدود»، بالاضافة الى إلزام الرئيس الاميركي بالتعاطي بتشدّد أكبر مع الهيئات والدول التي تسمح بوجود ثغرات تُسهّل خرق القوانين الدولية والاميركية.

هذا القرار يهدف الى نقل الحصار على حزب الله من مستوى الارهاب الى مستوى الاجرام المنظّم العابر للحدود. قد يتراءى للبعض ان هذا الانتقال هو بمثابة تراجع وليس تصعيداً، على اعتبار ان الارهاب قد يكون الجريمة الاكثر مكافحة في العالم، وتستقطب الرأي العام حولها. لكن الواقع غير ذلك، انطلاقا من وجود صراع دولي حول تعريف الارهاب.

هذا الصراع استفاد منه حزب الله في الفترة الماضية، بحيث ان الدول التي رفضت تصنيف الحزب كمنظمة ارهابية استطاعت ان تتملّص من اي قرارات أميركية تمّ اتخاذها ضد الحزب. ومن البديهي، ان الحكومة اللبنانية اول المستفيدين من هذا الخلاف الدولي حول تعريف الارهاب.

هذا التباين عكسه مجلس النواب اللبناني على شكل تحفّظ عندما أقرّ الاتفاقية الدولية لمكافحة التبييض لتمويل الارهاب، رغم ان هذا التحفّظ لا قيمة حقيقية أو قانونية له. كذلك، فان منظمات الامن الدولية، لا تستطيع التحرّك بحرية ضد الارهاب، ما دام تعريف هذه الجريمة غير مُتفق عليه دولياً.

وقد جرت محاولات قبل سنوات لادراج الارهاب في خانة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، على أساس أن الإرهاب في حقيقته جريمة منظمة، ولا وطن له، وله آثار مباشـرة وخطيرة على الكيان الاقتصادي للدول، إلا أن المناقشات انتهت إلى عدم إدراج الإرهاب مـن ضمن الأفعال المشمولة بالاتفاقية استناداً إلى أن المجتمع الدولي لم يتفق بعد على تعريف محدّد للإرهاب، وأن خطورة الإرهاب كجريمة يتطلّب اتفاقية مستقلة تتولّى الأمم المتحدة الإعداد لها.

من خلال هذه الحقائق، ينبغي ان تتمّ قراءة قرار الكونغرس الاميركي الجديد. اذ مجرد وضع حزب الله في خانة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، تصبح العقوبات ضده اكثر شمولية، ويتمّ تضييق الخناق المالي عليه اكثر فأكثر. هذا الوضع، سيُحرج بعض الدول، خصوصا تلك التي لا تناصب العداء للولايات المتحدة، كما هي حال بعض الدول الافريقية، والتي يعتمدها حزب الله قاعدة لتسيير ملفات تمويله.

كذلك، ستكون دول أميركا اللاتينية في وضع معقد، اذا لم تتشدد اكثر في اغلاق المنافذ التي يستخدمها الحزب، حسب التقارير الأميركية للاتجار بالمخدرات وغسل الاموال.

وكان معهد «راند» الأميركي قد أصدر تقريرا ذكر فيه «أن المنظمات الإجرامية التي تعمل في منطقة المثلث الحدودي بين البرازيل-الأرجنتين- بارغواي تقوم بتمويل عمليات وأنشطة حزب الله»، مؤكداً أن تلك المنطقة تحولت إلى مركز مالي لتمويل أنشطة حزب الله من خارج منطقة الشرق الأوسط، وأنه يتم تحويل مبالغ مالية ضخمة من هذه المنطقة لحزب الله ، تقدّر بنحو 20 مليون دولار سنوياً.

اذا نجح الكونغرس الاميركي في فرض هذا التصنيف على الادارة الاميركية اولاً، وعلى منظمة الامم المتحدة لاحقاً، فهذا يعني ان حزب الله سيواجه أزمة في العثور على حكومات اومؤسسات او افراد، على استعداد للاستمرار في تغطية نشاطاته المالية.

وتأتي هذه الخطوة قبيل الافراج عن كامل الارصدة الايرانية المجمدة في المصارف الاميركية والغربية، بمثابة رسالة مفادها ان ايران لن تكون حرة في استخدام هذه الارصدة في تمويل الحزب.

يبقى ان المصارف اللبنانية، والتي تتخذ مسبقا اجراءات قاسية لتحاشي اية هفوة في هذا السياق، ستكون مُطالبة بمزيد من التشدّد مع الافراد والمؤسسات التي يمكن ان تكون على علاقة مع حزب الله، بشكل مباشر أو غير مباشر.

اخترنا لك