IMLebanon

للضرورة أحكام… يا حكيم

في السجال الذي دار حول مشاركة محتمَلة من وزراء حكومة الرئيس سعد الدين الحريري، في الدورة السنوية لمعرض دمشق الدولي، تلبية لدعوة رسمية تلقَّاها الوزراء الثلاثة، وزير الصناعة غازي زعيتر، ووزير الصناعة حسين الحاج حسن، ووزير المال علي حسن خليل، كانت للدكتور سمير جعجع، رئيس حزب «القوات اللبنانية» وقفة احتجاجية أشبه بنقطة نظام، طبيعية منه كرجل سياسة لبعض لبنان، حيث إنه يقود حزباً فئوياً جمهوره من طائفة واحدة، وتلك نقطة الضعف؛ لكنها ليست كذلك بالنسبة إلى سمير جعجع الذي يبني خطوة خطوة مشروع خلافة الرئيس ميشال عون، وكذلك إلى سمير جعجع الذي ارتبطت بشخصه صفة «الحكيم» كدرجة علمية، ومِن مصلحته تطويرها إلى صفة مَن يسدي النصح، بالقول الطيِّب والموعظة الحسنة الهادفة التي تستوجب الحنكة أحياناً.

ونحن إذا نظرْنا إلى كلمة «الحكيم» صفةً للدكتور جعجع، وليس كما ذكرنا درجة علمية، لجاز القول، تعليقاً على مطالعة اعتراضه على أن يلبي الوزراء الثلاثة الدعوة الرسمية أعضاء في الحكومة التي كل وزير فيها له مرجعية ثانية: «للضرورة أحكام».

فمِن حيث المبدأ، إن الحالة السورية لا تلغي حقيقة أساسية، وهي أن النأي بالنفس عنها لا يشمل عملياً الوزراء الثلاثة؛ لأنهم يمثِّلون في الحكومة اللبنانية حزبيْن لا يُخفيان اعتبارهما حليفيْن للنظام السوري؛ بل إنهما عندما شاركا في الحكومة التي من الاستحالة بمكان تشكيلها من دونهما، لم يخضعا لشروط مسبقة، وإنما تمت المشاركة على أساس أن لكل طيف خياراته وعلاقاته – تحالفاته داخلياً وخارجياً، وعلى هذا الأساس فإن تلبية الوزراء الثلاثة للدعوة لا يلغيها «فيتو» كلامي. كما لا يلغي الصفة التمثيلية لكل من الثلاثة، بحيث يقال لهم إن الزيارة مسموح بها بصفة شخصية أو سياحية، ويجب ألا تتم بالصفة الرسمية.

وهنا نجد أنفسنا نتساءل، ونحن نضع خطيْن تحت عبارة وردت في مطالعة الدكتور جعجع، «إن الزيارة ستُصنِّف لبنان في خانة المحور الإيراني في الشرق الأوسط»: هل الرئيس نبيه بري عندما زار إيران مهنئاً بتنصيب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية، وقال من الكلام الطيِّب في حق إيران ما قرأناه وسمعناه مبثوثاً، كان بزيارته هذه يؤكد التصنيف الذي قاله الدكتور جعجع؟ وهل كان أيضاً في زيارته يمثّل «حزب الله» الذي يدعم «حركة أمل» وكلاهما في علاقة قديمة ودائمة لا تنفصم عراها في سوريا، ما دام النظام أسدياً كما حاله سابقاً في عهد الرئيس حافظ الأسد وحالياً، رغم كل الذي يفعلونه بسوريا في عهد الرئيس بشَّار الأسد؟ أم إنه لبى الدعوة وهو يمثِّل، كشعبية فئوية وحزبية، ثلثي لبنان، وكسلطة تشريعية يترأسها يُمثِّل كل لبنان، بما في ذلك حزب «القوات اللبنانية» الذي للبيت المعرابي فيه (أي في البرلمان) مَن تُمثِّله أشْيَك تمثيل، والذي للحزب أيضاً مَن يمثِّله في الحكومة كتفاً إلى كتف مع مَن يمثِّل «حركة أمل» و«حزب الله»؟ والتمثيلان المشار إليهما (في البرلمان وفي الحكومة) أوجبتْهما الضرورة التي لها أحكام، كما الضرورة التي أوجبت الصفح التاريخي المتبادَل بين تيار العماد الرئيس ميشال عون، وحزب الدكتور سمير جعجع، وحالات صفْح متبادَلة مؤجلة غير مستبعَدة أو ملغاة.

وفي الغد الذي لناظره قريب، عندما سيلبي الرئيس بري دعوة من رئيس مجلس الشورى وُجِّهت إليه يوم كان لا يزال الدكتور علي عوَّاض عسيري سفيراً للمملكة العربية السعودية، لزيارة الرياض وأوجبت الظروف الناشئة عن ارتباك الحالة السياسية في أكثر من محور، أهمها مسألة انتخاب رئيس الجمهورية، إرجاء التلبية إلى حين آخر، وربما يفاجئ الرئيس بري الجميع بأن يقوم بالزيارة بعيد الأضحى المبارك، مهنئاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بحلوله، ومهنئاً أيضاً الأمير محمد بن سلمان بولاية العهد.. إن الرئيس بري عندما لا بد سيقوم بهذه الزيارة إلى الرياض، فإنه لن يزورها بصفة متقاسم الزعامة السياسية للطائفة الشيعية، ولا يزورها حاجاً؛ لأن موسم أداء الفريضة انتهى، وإنما يزورها ممثِّلاً من خلال الرئاسة الثانية كل لبنان.

لا نتصور أن الزوار سيُحدثون اختراقاً في المأزق السوري. فهذا المأزق قائم رغم ترحيبات رسمية مقدادية خجولة من الدبلوماسية السورية بالموقف الأميركي المتأرجح، الذي تبدو فيه إدارة الرئيس ترمب في بعض الجديد من عباراتها، قريبة الشبه بما كان يقوله أحياناً الرئيس أوباما، ثم زادها ببعض الإطراء سفير سوريا لدى الصين عماد مصطفى، الذي قال في مقابلة مع صحيفة «الوطن» السورية: «إن الولايات المتحدة وسوريا في الأصل ليستا عدوتيْن، وبالتالي لا توجد حالة خصومة مزمنة بينهما، وعندما تقترب الأزمة السورية من فصولها الأخيرة، فإن العلاقات الأميركية – السورية التي وصلت إلى الحضيض ستعود إلى أعلى مرة أُخرى». وهذا الكلام الإطرائي يقال عبْر صحيفة ذات شأن لدى النظام، هو بمثابة رسالة برسم إيران وروسيا، أمْلتها الضرورة التي لها أحكام.

وحتى إذا سمعْنا أن وزير الخارجية جبران باسيل الذي هو حليف الحليف، تلقَّى دعوة للمشاركة في حلقة نقاش للوضع السوري تستضيفها طهران، أو أنه زار دمشق لإعادة جدولة المعاهدة التي أبرمها الرئيس إلياس الهراوي برغبة من الرئيس حافظ الأسد، والتي هي لا ملغاة ولا تفعيل لها، فإن التلبية هنا تكون على قاعدة «للضرورة أحكام»، ويكون الوزير باسيل في زيارته يمثِّل كل لبنان، بمَن في ذلك الشريك الأساسي «القوات اللبنانية»، ومن دون أن يلغي هذه الحقيقة اعتراض من جانب الدكتور جعجع أو حتى بعض التحفظ.

عموماً، إن لبنان حالة دائمة تنطبق عليها قاعدة «للضرورة أحكام»، وهي قاعدة مألوفة يعتمدها حتى كبار الحكام في العالم؛ خصوصاً عندما تتقدم الحكمة لدى هؤلاء على الحنكة. ولنا في الخطوات الأميركية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إزاء حالات دولية بالغة التعقيد الدليل على ذلك. وسواء كانت الخطوة مثل «دبلوماسية كرة المضرب» من جانب الولايات المتحدة مع الصين، أو زيارات رسمية استطلاعية بتكليف من رئيس البيت الأبيض إلى كوبا وفيتنام وقطر، كما أحدث الخطوات، وقبْلها زيارة وفد فرنسي إلى دمشق في فبراير (شباط) 2015، فإنها تتم على قاعدة «للضرورة أحكام».