IMLebanon

عن التغريدات والتحذيرات.. من «الوصاية» الروسية إلى «السجادة» الإيرانية

«بعيداً عن الانتخابات الخرافية، عن الطغيان، عن الايديولوجيات التوتاليتارية التي تستخدم الأساليب النازية، عن طعنات الأعداء أو الأصدقاء المفترضين.. وبعيداً عن السجن العربي الكبير الذي رفضه كمال جنبلاط».. يقف وليد جنبلاط في صورة تذكارية حازماً مواقفه وحقائبه مغرّداً في أوروبا خارج الفضاء السيادي الافتراضي بعد أن دقّ ناقوس خطر عودة الوصاية على لبنان.

لعله من أخطر التوقعات السياسية في الآونة الأخيرة ما قاله لقناة «سكاي نيوز» عن عودة الهيمنة وإعادة تطويع لبنان ليصبح «محافظة جديدة في سوريا المفيدة» الممتدة من درعا إلى طرطوس واللاذقية. وليس تفصيلاً أبداً أن يحذّر جنبلاط اللبنانيين من «الوصاية» المحدقة بهم. لكن أي وصاية؟ وهل هي معطيات سياسية أم مجرد هواجس سيادية؟

الوصاية التي كانت ذات يوم سورية، تكاد تعود «روسية» هذه المرة على لبنان كما يستنتج المتعمّقون في ما بين سطور التغريدات والتحذيرات الجنبلاطية، مستذكرين للمناسبة تعليقه على شكل «البرقية العاجلة» الشهيرة التي كان قد تسلّمها لبنان لتقييد حركة ملاحته الجوية ربطاً بالمناورات الحربية الروسية في المتوسط، حينها انتقد على طريقته «الأمر» الوارد من «القراصنة» الروس ورفض تحويل لبنان إلى «حي من موسكو». واليوم في ضوء ما يستشعره من «لحظة تخل» عربية وغربية عن لبنان، ها هو يعود إلى التذكير والتحذير مما يراه آتياً سيادياً على بساط «الوصاية الروسية» بعد إخضاع الشعب السوري.. ورئاسياً على «السجادة الإيرانية» بعد تطويع الشعب اللبناني.

وللرئاسة قصة موازية في قاموس الهواجس الجنبلاطية، بدأت فصولها تتوالى وتتكشف تبايناً في الأداء والمواقف مع «حزب الله» منذ ما قبل قبل التشنج الذي ظهّره جلياً أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله خلال إطلالته الرئاسية قمعاً لتغريدات زعيم المختارة التهكمية على الديموقراطية الإيرانية. فمن يراقب ويواكب أداء كل من الفريقين يلحظ بكثير من الوضوح تموضعهما على خطين بيانيين متباعدين في أكثر من استحقاق وتجاه أكثر من ملف: «حزب الله» يربط مصالح البلد والناس بتحقيق مصلحة مرشحه الرئاسي الواحد الأحد للرئاسة مستخدماً بذلك كل وسائل التعطيل والتنكيل بالجمهورية ومجلسيها النيابي والوزاري، أما جنبلاط فأوصد أبوابه وأحكم إيصادها في وجه كل المحاولات التي جرت لاستمالته إلى سياسة الابتزاز الحكومي والنيابي والرئاسي، ولم يتوانَ عن الوقوف بصلابة في عزّ الأزمة الحكومية إلى جانب الحكومة ورئيسها منحازاً إلى تفعيل العمل الحكومي وضرورة النأي بمصالح البلاد والعباد عن الصراع الرئاسي الشخصاني الذي يخوضه الحزب على مختلف الجبهات والاستحقاقات الدستورية.

.. ومن التباعد الحكومي بدأ التباين يشق طريقه بين ضفتي «كليمنصو» و«حارة حريك»، مروراً بمحطات عديدة تفصيلية صغيرة قد لا تكون ملحوظة بالعين الإعلامية المجردة لكنها ربما ساعدت وسارعت في خلق تراكم تصاعدي بين الجانبين حتى بلغ التراكم ذروته والتوتر أشدّه مع إطلالة نصرالله الأخيرة. فمن المراقبين من وقفوا بتمعّن أمام مشاهد تفصيلية بالنسبة إلى كثير من اللبنانيين لكنها مفصلية بالنسبة لـ«حزب الله» ولعلها شكلت مؤشرات يُستدل منها لرسم سياق تراكم الانزعاج من أداء جنبلاط، ومنها على سبيل المثال لا الحصر رفض «الحزب التقدمي الاشتراكي» الانضواء تحت راية الحزب في مهرجانات التنديد بسياسة المملكة العربية السعودية تحت عنوان التضامن مع قناة «المنار»، لاعتباره أنه موضوع ذو أبعاد سياسية لا إعلامية والمشاركة فيه تعني بشكل مباشر تضامناً اشتراكياً مع المحور الإيراني ضد السعودية.. «لا أكثر ولا أقل».

وإذا كان جنبلاط لم يبدُ آبهاً إعلامياً كثيراً لتهديد نصرالله ووعيده دفاعاً عن «الديموقراطية الإيرانية» فواظب على التغريد والتهكم انتقاداً لهذه الديموقراطية، غير أنّ الاستهداف الذي تعرّض له بشكل لم يخلُ من أبعاد شخصية لا شك أنه ترك أثراً كبيراً في نفس «البيك»، خصوصاً وأنّ أمين عام «حزب الله» بدأ خطابه واختتمه بالرد الشخصي والشكلي على جنبلاط بينما في المضمون صادق بشكل أو بآخر على كون الرئاسة تنتظر «كلمة سر من المرشد» من خلال عدم قدرته على تبرير الموانع التي تحول دون ترجمة «النصر الرئاسي» الذي حققته 8 آذار.. ثم أوليس اشتراط الإذعان المسبق لتعيين مرشح الحزب قبل انعقاد النصاب والانتخاب واحداً من خيوط «السجادة الإيرانية» الرئاسية التي يتحدث عنها جنبلاط؟

أما الضرب على وتر «الأحجام» الحساس في محاولة لتحجيم «التغريدات» الجنبلاطية بعدما نجحت (كما بدا من توتر نصرالله) في وضع الاصبع على المكمن الحقيقي للنزف الرئاسي، فلربما قابله رد غير مرئي من النوع «التفصيلي» إياه.. فهل من رسالة «في مكان ما» وراء قرار «الاشتراكي» عدم تلبية دعوة «حزب الله» للمشاركة في ذكرى أربعين سمير القنطار، في اليوم التالي لإطلالة أمين عام الحزب؟

.. لعلها «رسالة» أدرجها جنبلاط أيضاً في «إطار حرية التعبير عن الرأي والديموقراطية التي لا شك أن حزب الله يحترمها ويقدرها عالياً»!