IMLebanon

رأي في مُبادرة رئيس مجلس النواب…

يُسجّل لرئيس مجلس النواب نبيه بري انه صاحب المبادرات للخروج من الأزمات، كل مرة تحولت الأزمة الى مصدر تهديد للاستقرار والوحدة وميثاق العيش المشترك.

نبيه بري هو من اطلق طاولة الحوار الوطني في العام 2006 وهو من وضع السيناريو المحلي لتسوية الدوحة عام 2008 وساهم في عملية الإخراج والتسويق، وهو من أخرج حكومة تمام سلام الحالية من مأزق التشكيل بعد ازمة دامت اكثر من تسعة اشهر.

وهو يحاول اليوم إخراج البلد والانتخابات الرئاسية من المأزق والطريق المسدود بعدما تأكد له ان الوضع مقفل في ظل المعطيات والتوازنات الداخلية المرتبطة بمعادلات وامتدادات اقليمية وان الدعوات المتكررة الى جلسات انتخاب رئيس للجمهورية لا تجدي نفعاً ولا تغير في الواقع شيئاً، وان الحاجة باتت ملحة لكسر هذه الحلقة المفرغة من الجمود والمراوحة، عبر خلط جديد للأوراق واعادة ترتيب الأولويات.

واخيرآ وليس آخرآ ما كانت الستارة تُسدل على الانتخابات البلدية في بيروت والبقاع والجنوب حتى أطلق رئيس المجلس النيابي مبادرة سياسية فحواها الذهاب اولاً الى انتخابات نيابية مبكرة او في موعدها، تجري على اساس قانون الستين اذا أخفقت محاولات الاتفاق على قانون جديد للانتخاب، على ان تتعهد كل القيادات والقوى السياسية بانتخاب فوري لرئيس الجمهورية، بعد انتخاب المجلس النيابي الجديد.

من هنا كان لا بد من اعطاء رأي حول هذه المبادرة بكل محبة واحترام …

اولاً: اننا لا نشك لحظة واحدة في نية الرئيس بري الصادقة ومحاولته اخراج لبنان من الدوامة البائسة التي يعيشها، لكن اذا اعتمدنا الصراحة والصدق سبيلاً لا بد لنا من الاعتراف انه لا يمكن لأي مسؤول في لبنان ومهما علا شأنه وموقعه ان يضمن او يؤكد ان انتخاب مجلس نيابي جديد يعني الوصول حتماً الى انتخاب رئيس للجمهورية.

وذلك للأسباب الآتية : ان انتخاب رئيس للبنان لم تنضج بعد على الصعيد الاقليمي والدولي وان الاسباب والظروف التي حالت دون ذلك ما تزال قائمة، وإذا كانت المعادلة متمحورة حول طرفين اساسين على الساحتين «السنيّة والشيعية» فان الواقع يقول ان «تيار المستقبل وحزب الله» لديهما ارتباطات وثيقة بدولتين اقليميتين كبيرتين هما «السعودية وإيران» ويتلقيان منهما الدعم السياسي والمالي ويلتزمان سياسات وتوجهات هاتين الدولتين، وسيكون من الصعب عليهما المضيّ قدماً على طريق انتخاب رئيس في مثل هذه الظروف وعزل الوضع اللبناني عن التطورات والاجواء الاقليمية بما فيها اجواء العلاقة بين «السعودية وإيران»، كما ان العلاقة بين «إيران والسعودية» الدولتين الأكثر تأثيراً في لبنان ما زالت على درجة عالية من التوتر والتشنّج، ولا تظهر في الأفق القريب مؤشرات إلى حوار «سعودي إيراني».

اضف الى ذلك العامل الاسرائيلي المتربص والحاضر دائماً، فإسرائيل هي المستفيدة الوحيدة من كل الثورات والحروب التي اجتاحت المنطقة العربية وهي التي تكيّف وبمساعدة أميركية الاحداث وتسيّرها بما ينسجم مع مصالحها ومشاريعها لتفتيت المنطقة وتفكيك جيوشها، ولا يمكن للساحة اللبنانية ان تكون في منأى ومأمن من التدخلات الاسرائيلية المستترة والخفيّة في معظمها ولا يمكن لاسرائيل ان تدع لبنان ينعم بسلام دائم وتسويات شاملة تعاكس مشاريعها ومصالحها واهمها تفتيت الشرق الى دويلات طائفية ومذهبية متناحرة.

ثانياً: على الصعيد المحلي هناك سؤال يطرحه المسيحيون في لبنان : لماذا «خربطة» الأولويات وتقديم الانتخابات النيابية على «الرئاسية» واعتبار ان انتخاب رئيس للجمهورية مسألة فيها نظر وممكن ان تنتظر؟ اليس هذا إخلالاً بالقواعد الميثاقية واستخفاف بها؟

ثالثاً : هذا الترتيب للأمور من بلدية الى نيابية الى رئاسية ليس له ما يبررّه، وهو يتعارض مع الميثاقية والأصول ومع الدستور، لأن الترتيب يجب ان يكون معاكساً ومن الأعلى الى الأسفل. فيُصار الى انتخاب رئيس للجمهورية اولاً لأنه هو رأس الدولة والسلطات وهو الناظم لعمل المؤسسات الدستورية وضابط ايقاعها، وبعد ذلك تُشكل حكومة جديدة مهمتها تنظيم وإجراء انتخابات نيابية على اساس قانون جديد. والبرلمان الجديد تنبثق منه حكومة جديدة تعكس ميزان القوى الشعبي والسياسي الصحيح.

اما ان يبلغ التعامل مع موقع رئاسة الجمهورية هذا الحدّ من الاستخفاف والتهميش والإيحاء بأن لا مشكلة اذا استمر شغور مركز الرئاسة وان الأمور ماشية مع رئيس ومن دونه، وكل الانتخابات يمكن ان تجري ما عدا الانتخابات الرئاسية، فهذا ما يدعونا الى التوجّس من هكذا مسار سياسي «مقلوب» وهكذا تعاطٍ مع الموقع المسيحي الأول في البلاد.

رابعاً : ماذا يعني التلويح بالعودة الى قانون الستّين النافذ حالياً والذي اعتُمد استثنائياً ولمرة واحدة بموجب اتفاق الدوحة؟ ولماذا يجري التسويق للعودة الى هذا القانون المجحف والظالم ومحاولة تمريره بطريقة اقل ما يقال فيها غير عادلة؟ ولماذا القول وبكل بساطة وخفة ان التمديد للمجلس النيابي مرة ثانية لم يعد ممكناً ولا مقبولاً بعد نجاح الانتخابات البلدية وسقوط المبررات الأمنية، وإجراء انتخابات نيابية صار امراً محتماً سواء حصل اتفاق على قانون جديد ام لم يحصل، فإذا لم يحصل اتفاق لا مشكلة، وقانون الستّين جاهز؟

النتيجة العملية والاستنتاج المنطقي لهذا الطرح يعني ان الانتخابات النيابية المقبلة اذا جرت ستجري على اساس قانون الستّين وليس على اساس اي قانون آخر وبصريح العبارة اقول قانون الستين هو الوجه الآخر للتمديد، لأن النتيجة التي ستحصل من قانون الستين هي هذه النتيجة الموجودة اليوم اي الوجوه نفسها الكتل النيابية نفسها، لأن ما صعب الإتفاق عليه خلال سنوات لن يكون الاتفاق عليه ممكناً خلال أشهر ومعظم الأطراف بدأوا من الآن تبرير الإبقاء على قانون الستّين بالقول ان انتخابات مع قانون سيىء افضل من اللاانتخابات.

من هنا وامام هذا الخطر الداهم المتمثّل ببقاء قانون الستّين ايا تكن المبررات والذرائع والظروف، اقول للقيادات المسيحية انتم تتحملون اكثر من غيركم مسؤولية هذا المنحى المقلق وهدر فرصة سانحة قد لا تتكرر لإصدار قانون انتخابي جديد عادل ومتوازن، كما تتحملون مسؤولية اضاعة فرصة تاريخية لوضع قانون جديد للانتخابات هو في اساس عملية تصحيح المسيرة التطبيقية لاتفاق الطائف واعادة انتاج التوازن الوطني، وعليكم ان تعرفوا ان قانون الإنتخابات الذي يؤمن التمثيل الشعبي الصحيح ويتيح للمسيحيين انتخاب من يمثلهم هو الأساس في اعلاء البنيان اللبناني وفي اعادة الدور والحضور للمسيحيين في مؤسسات الدولة واداراتها.

وفي هذا المجال اتوجه الى قطبي الثنائية المسيحية المنبثقة من «اتفاق معراب» تحديداً لاقول لهما، عليكما يقع عاتق التخلص من قانون الستّين وواجب عدم الانجرار الى تسوية سياسية هجينة لا يكون من خلالها قانون للانتخابات يرضي تطلّعات المسيحيين ويحصّل حقوقهم المشروعة في «الشراكة» وصناعة القرار الوطني.

فهذا التحالف الثنائي الذي هلّل له المسيحيون واستبشروا به خيراً ليس معدّاً للإنتخابات البلدية ولا للانتخابات النيابية لتحصيل مقاعد وتوسيع كتلهم النيابية فقط، وانما مفصل على قياس مرحلة تاريخية صعبة يجتازها لبنان ومسيحيوه وهدفه قبل اي شيء آخر اعادة المسيحيين الى الدولة بفاعلية وقوة واعادة حقوقهم وثقتهم بأنفسهم ومستقبلهم.

في الختام ليعلم الجميع ان قانون الانتخابات هو اهم من انتخاب رئيس الجمهورية، ووضع قانون صحيح وعادل ودائم اهم من انتخاب رئيس عابر. واذا كان من ايجابية للفراغ الرئاسي فلتكن لإيجابية الوقت المستقطع والمتاح لتمرير قانون الإنتخاب وجعله في اساس وصلب اي تسوية سياسية يُنتخب رئيس للجمهورية على اساسها.