IMLebanon

فلسطين البابا فرنسيس والرئيس فرنسوا

على رغم تحريض نتنياهو الذي يمارس واجبات رئاسة حكومة إسرائيل في ظل إتهامات له بالفساد وتتسع حلقات المطالبين برحيله، جرى يوم الأحد الماضي (15 كانون الثاني 2017) في باريس إنعقاد المؤتمر الدولي من أجل السلام الفلسطيني – الإسرائيلي كخطوة تؤدي إلى إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي.

حاول نتنياهو كثيراً منْع إنعقاد المؤتمر. ووجد في موقف متذبذب للرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترامب سنداً لمحاولته مفترضاً أن ترامب بعد التسلم الرسمي للمنصب سيفي بوعد مألوف من معظم الذين يخوضون سباق الفوز بالترشح لرئاسة الولايات المتحدة ولذا فإنه يتسم بطابع المداهنة والمراوغة والإبتزاز، وسيقدِّم للذئب الفاغر شدقه الهدية التي تنقله من رئيس وزراء متفوق كمعتدٍ فاشل كرجل دولة يحقق الأمن للإسرائيليين. وهذه الهدية هي نقْل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس. وفي حال حدث ذلك فإن صيغة الدولتيْن لا تعود واردة ولا تعود المطالبة بالقدس عاصمة لدولة فلسطينية موضع قبول دولي. وبهذا الإجراء يتم إدراج إسم نتنياهو في قائمة الذين حققوا «الحلم التوراتي» ولا يعود هناك ما يسمى فلسطين في حسابهم!

لم تثمر محاولات نتنياهو لتعطيل مؤتمر باريس. فقد تمسَّك الرئيس فرنسوا هولاند بالخطوة التي دعا إليها ونشطت الدبلوماسية الفرنسية كما لم تنشط من قبل بهذه الحيوية وهذا الإصرار. وكان قرار مجلس الأمن الذي فاجأت إدارة الرئيس باراك أوباما إسرائيل وسائر دول العالم بأنها عند طرْح مشروع القرار الذي يدين إنشاء المستوطنات على التصويت في مجلس الأمن لم تستعمل ورقة «الفيتو» لإسقاط المشروع القرار وبذلك باتت هذه الخطوة التي أحدثت هلعاً في نفس نتنياهو، شكَّل دعامة للقرار الذي سبق أن أصدرتْه منظمة اﻟ « يونيسكو».

وهكذا لم تعد إعتراضات نتنياهو مجدية. كما أن إتهاماته لما تقوم به فرنسا وإستعماله عبارات منقوصة التأدب لم تؤثر على المؤتمر الذي إنعقد ونجح، ولقي من القيادة السعودية الترحيب المقرون بتجديد التأكيد على ثوابت المملكة تجاه القضية الفلسطينية التي لها الأولوية في «أجندة» الحُكْم السعودي الذي دعم سعي الرئيس هولاند لعقد المؤتمر وكان الرئيس الفرنسي عند حُسْن الملك سلمان بن عبدالعزيز به.

ما إنتهى إليه مؤتمر باريس كان خطوة نوعية كون إنعقاده تم إذا جاز التوصيف في «العاصمة السياسية » للقارة الأوروبية. ومع أن مضمون إعلانه يتسم ﺑ « الوقفة المعنوية» إلاَّ أن هذه الوقفة عدا مسألة الحوافز الإقتصادية ذات تأثير بالغ الأهمية كونها تنفض الغبار عن قرار دولي تعبث به إسرائيل تحت سمْع الدول الكبرى وأبصارها دون إستثناء، وعن مبادرة لم تتلقفها إسرائيل ولا تعاملت الدول الكبرى مع هذه المبادرة على النحو المطلوب. ففي إعلان باريس تأكيد على ضرورة أن تكون حدود ما قبل الإحتلال الناشىء عن حرب الخامس من حزيران 1967 هي الحدود التي يقوم حل الدولتيْن على أساسها. وفي إعلان باريس تأكيد على أهمية المبادرة العربية للسلام التي إرتبطت بالملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي طرحها وكان ما زال ولياً للعهد على القمة العربية الدورية في بيروت (28 آذار 2002) وحظيت بإجماع عربي غير مسبوق.

مرت خمسة عقود على ذلك القرار(242) من دون إلتزام إسرائيل المعتدية بتنفيذه مع أنه كان من صياغة بريطانيا (التي مع الأسف لم تصوِّت على إعلان باريس ربما لإرضاء ترامب ومعه نتنياهو) كما أنه صدر بإجماع الدول الأعضاء بمَن في ذلك الولايات المتحدة. وعندما ينفض إعلان باريس الغبار عن قرار مجلس الأمن 242 (صدر بتاريخ 22 تشرين الثاني 1967) فإنه بذلك يقول ما معناه إننا يجب إحترام تواقيعنا على ذلك القرار كونه في المادة الأُولى «يؤكد عدم شرعية الإستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب والحاجة إلى سلام عادل ودائم يستطيع أن تعيش فيه كل دولة في المنطقة».

ومرت خمس عشرة سنة على صدور «مبادرة السلام العربية» من دون أن تتبنَّاها بقوة الدول الكبرى في الدرجة الأُولى، وهي لو دعمت المبادرة وفرضت على إسرائيل التجاوب معها لكانت قامت الدولة الفلسطينية وبدأ الإسرائيليون العيش في أمان ما دام حدث القبول بهم.

وبعد الخطوة الفرنسية المحمودة، هل إن الذي لم يحدث ماضياً سيتحقق في ضوء صحوة ضمير بدأها الرئيس فرنسوا هولاند الذي يغادر المنصب في الربيع المقبل وهو موضع إمتنان على سعيه وعلى تأكيده قبل إنعقاد المؤتمر بيوميْن أمام أعضاء السلك الدبلوماسي بأن السلام «يصنعه الإسرائيليون والفلسطينيون» بينما نتنياهو يردِّد وبكل الإرتباك «إن مؤتمر باريس خدعة فلسطينية برعاية فرنسية». وهذا الإمتنان مشمول به البابا فرنسيس الذي أضاف إلى حاضرة الفاتيكان سفارة جديدة إسمها سفارة فلسطين ترفع عَلَمها كما سائر أعلام السفارات لدى الحاضرة… وفي إنتظار رفْع العَلَم في البقية المتبقية من عواصم العالم. والله المعين للصابرين إذا صبروا.