IMLebanon

اداء الحكومة وفر لـ «الكتائب» فرصة الاصطياد في مياهها العكرة

من بين نقاط الضعف الرئيسية في اداء «حكومة المصلحة الوطنية» برئاسة الرئيس تمام سلام، أنها خاطت لنفسها منذ الاسبوع الأول للشغور في سدة رئاسة الجمهورية، ثوباً لا يليق بمؤسسة على هذا القدر من المسؤولية، والبست كل وزير فيها ثوب رئيس وأعطته حق النقض (الفيتو).

يوماً بعد يوم، واسبوعاً بعد اسبوع أخذت تتظهر الأزمة في مجلس الوزراء، وعلى نحو غير مسبوق، وكل فريق يتمسك برؤيته وخياراته، وان أدى ذلك الى تعطيل العمل بالسلطة التنفيذية العليا.. والأدلة على هذا أكثر من ان تعد، والملفات التي حولت الى «الجارور» لاتزال تنتظر اعادة وضعها على طاولة مجلس الوزراء لاصدار القرار النهائي بها.

 

من يتحمل المسؤولية؟!

الكل مسؤول، وان كانت الكرة في ملعب الرئيس سلام الذي، ومن باب توفير حسن النية والطمأنينة للآخرين، بادر الى هذه الخطوة وايدها. لكن ماذا كانت النتيجة؟!

يأتي هذا السؤال في ظل «الاهتزاز السياسي» الذي تعرضت له الحكومة، أولاً باستقالة وزير العدل أشرف ريفي، وثانيا باستقالة وزيري «الكتائب» سجعان قزي وآلان حكيم».. وثالثاً الخرق الأمني الذي استهدف «بلوم بنك» في شارع فردان بيروت، إضافة الى العديد من القضايا والملفات، من أبرزها فضيحة الانترنت غير الشرعي، المغطاة سياسياً بحدود او بأخرى، وعودة الاحتدام حول جهاز أمن الدولة الى الواجهة من جديد.. هذا في وقت تبدو سائر مؤسسات الدولة في وضع لا تحسد عليه، والكل يرمي المسؤولية على «الشغور في سدة رئاسة الجمهورية..» الذي كان وراء النزف الحكومي المتواصل، والشلل في مجلس النواب، الذي يتقاضى أعضاؤه ملايين الليرات وهم قابعون في مكاتبهم الخاصة، منقطعين عن القيام بأبسط الواجبات في المراقبة والمحاسبة والتشريع، وقبل ذلك في انتخاب رئيس للبلاد، بات الجميع يسلمون أنه ليس في أيدي الافرقاء اللبنانيين الذين ينتظرون لحظة الفرج الآتية من الخارج، الدولي والاقليمي والعربي..؟!.

وبعيداً من الدخول في تفاصيل «الانترنت غير الشرعي» و»التخابر الدولي غير الشرعي» كذلك، كما وبعيداً عن تفاصيل أزمة جهاز أمن الدولة التي عادت الى التداول من جديد وبلهجات لا يتخلو من التهديد من قبل البعض، فإن ما يحدث يؤشر الى ان الدولة ممثلة بمجلس الوزراء، «غائبة عن الوعي» وكل فريق يراها «فرصة العمر» لتمرير مشاريعه ومصالحه ولو على حساب المؤسسات.. غير عابئين بالمخاطر الحقيقية التي تهدد لبنان وتواجهه، وعلى كافة المستويات، دولياً وعربياً..

قد لا نكون نغالي اذ قلنا ان استقالة الوزيرين سجعان قزي وآلان حكيم، بما يمثلان سياسياً في البيئة المسيحية، وتحديداً «المارونية السياسية» قد أعطيت أكثر كثيراً من حجمها، والأنظمة الديموقراطية تشهد على حالات عديدة من هذا النوع، فمن حق الوزير ان يستقيل، ومن حق هذا الحزب ان يخرج من السلطة ويختار لنفسه طريق المعارضة لسلوك لا يرضى عنه.. لكن ان تقرأ هذا الأسئلة – من قبل البعض – على أنها مقدمة لاهتزاز المؤسسة الحكومية فمسألة مبالغ فيها، لاسيما وان التمثيل المسيحي في مجلس الوزراء، لايزال على القدر الكافي لتحقيق «الميثاقية».

إلى الآن، تبدو الأسباب التي ساقها رئيس الكتائب النائب أمين الجميل، غير كافية وغير مقنعة، وان كانت تحظى بـ»منطقية في الظاهر».. وكثيرون من بيئة الجميل، باتوا على قناعة، بأن المسألة أبعد كثيراً مما ساقه رئيس الكتائب الذي يتطلع الى استعادة دور أساس لحزبه من أيدي منافسين أساسيين، هما «التيار الحر» و»القوات اللبنانية» ولبنان – على ما هو مفترض – على أبواب الانتخابات النيابية.. والرهان على استعادة ورقة الاستقالة في غير محلها او تعزيز الاستقالة باستقالة وزراء آخرين غير وارد..

ليس من شك في ان لبنان يمر في ظروف صعبة وبالغة التعقيد وعلى كل المستويات، والمواجهات، لم تعد داخلية – داخلية، بل في جزء منها، داخلية – خارجية، وتحديداً بعد القوانين الاميركية التي استهدفت «حزب الله»، معنويا ومالياً وسياسياً، وقد يكون في وقت لاحق أمنياً وعسكرياً، مباشرة او بالواسطة.. لاسيما وان السيناريوات التي تتزاحم هذه الأيام، تؤشر الى ان الحزب بات في رأس أولويات المتابعات الاميركية.. وهذه مسألة في رأي عديدين، لم تعد محصورة بـ»حزب الله» وان تداعياتها ستحط على لبنان من أقصاه الى أقصاه ولن تستثني أحداً.. وفي هذا، تتظهر صورة الحكومة، وقد نأت بنفسها عن معالجة هذه المسألة البالغة الدقة والخطورة..

في لقائه مساعد وزير الخزانة الاميركي دانيال غلايزر، خلال زيارته الأخيرة الى بيروت، قرع الرئيس نبيه بري «جرس الانذار» وراح بعيداً في تبيان مخاطر قانون العقوبات الاميركي على «حزب الله»، ليخلص الى وجوب لبننة هذه التدابير بالاحتكام الى مصرف لبنان والى القوانين المالية التي صدرت في لبنان في تشرين الثاني عن العام الماضي.. مقترحاً مراقبة الحسابات بدل الأشخاص، فإذا تبين بعد التدقيق والتحقيق ان هناك ما هو موضع ريب وشك في أي حساب، تتخذ التدابير المناسبة وفق التشريعات اللبنانية..»؟!

وبعيداً من أي التباس، فإن الحكومة بطريقة عملها وادارتها ومعالجتها للملفات الدقيقة والمهمة والحساسة، وفرت للكتائب مادة حية، خلاصتها: «ان هذه الحكومة انتهت صلاحياتها وانتقلت من العجز الى الضرر..» لكن السؤال هل أقفلت الطرقات في وجهها، أم ان هناك لايزال من القدرة على مواجهة التحديات ومنع «تدحرج الرؤوس»، لاسيما وان تفجير فردان الأخير حمل العديد من رجال السلك الديبلوماسي الأجنبي الى التحذير من «الأوقات الصعبة التي يمر بها لبنان..» والجميع يقدر معاناة الرئيس سلام، لكن الاستسلام للمعاناة وحدها لا يكفي ولا بد من تحمل المسؤوليات التي تليق بالموقع.. وإلا تكون الحكومة قدمت خدمة جليلة لكل المصوبين عليها وفرصة للمصطادين في مياهها العكرة من بينهم «الكتائب»؟!