IMLebanon

«فوبيا» العهد الجديد

الظروف الراهنة اليوم تستوجب مستوىً عالياً من المسؤولية والأداء وتقديم العديد من التنازلات من كلّ الأفرقاء للوصول الى تحقيق كلّ الاستحقاقات المفروضة علينا. ويُشكّل العهد الجديد فرصة ذهبيّة لخلق حالة وطنية جامعة للتخلّص من الشلل والفرملة التي تعاني منها الدولة.

الأهم أنّ على الجميع الاقتناع اليوم بأنّ العمل السياسي والذي يجب أن يتّصف بالشراكة الحقيقية، وإن كانت للأسف شراكة طائفيّة بالمعنى الضيّق للكلمة، إلّا أنّ هذا هو الواقع المرير الذي ما زلنا نتخبّط به، وبالتالي إنّ هذه المحاصصة الطائفية التي كانت ناقصة في السنين الماضية اكتملت وباتت تتّصف بعدالة أكبر.

إنّ الذين يُصوّبون اليوم على اتفاق الحزبين المسيحيين الأكثر شعبيّة، ينطلقون من ذلك من استغراب لأنهم اعتادوا أنّ الصف المسيحي مشتّت ولا يفاوض كجهة واحدة، وبالتالي فإنّ الواقع الجديد شكل إزعاجاً للبعض الذي اعتاد على ثنائية شيعية متّفقة، وجمهور سنّي بغالبية واضحة، وموقف درزي موحّد، أقلّه على المستوى الأكثري، وموقف مسيحي مشتّت.

أكره الحديث في التقسيمات الطائفية وأحلم بواقع أن تتحوّل الحركة السياسية حركةً حزبية تنقسم عامودياً بسبب الأفكار السياسية والاقتصادية لا أن تنقسم طائفياً، فهذه أصعب الانقسامات، ولكن بما أنّ الحال على ما هي عليه، فإنّ الواجب اليوم أن يقتنع الجميع بأنّ هذه الشراكة الطائفية قد تحقّقت وبات على الجميع التعامل معها على مستوى المسؤولية والاهم المصلحة الوطنية الجامعة.

أما اليوم والبلد ينازع مجدَّداً لتشكيل حكومة، فالتجربة أثبتت بما لا يقبل الشك أنّ حكومة الوحدة الوطنية ليست حكومة منتجة، ففي كلّ ديموقراطيات العالم، توجد حكومة تنفّذ استراتيجيّتها، وهناك معارضة تراقب وتُحاسب.

هناك نواب المعارضة ووزراء ظلّ يعارضون ويقيّمون الأداء، تقويماً للأداء. إنّ حكومة الوحدة الوطنية هي نقل خلافات البلد الى داخل الحكومة، أي وضع الأزمات في حضن الحكومة ممّا يشلّها عن التنفيذ. وكون هذه السلطة هي تنفيذية فقد يكون من الأفضل نقل الملفات الخلافية الى مجلس النواب وإعطاء الحكومة الهامش المطلوب لحلّ الأمور الحياتية التي تتراكم يوماً بعد يوم وتشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في أيّ لحظة.

الحكومة اليوم وهي سلطة تنفيذية يجب أن تتخصّص في متطلّبات الشعب وحقوقه، وتعمل على تطبيقها من دون تمييز، وما يخيفني هو الصراع على الحقائب، فهل هذا الصراع هو التعبير الأفصح عن أنّ الوزارات تحوّلت أيضاً الى وزارات طائفية، إذا لم تكن كذلك، فلماذا هذا الشَره الغريب لاحتكار وزارة معيّنة وهل تنتفي حقوق بقية الأفرقاء اذا ذهبت هذه الوزارات الى طرف معيَّن. والأسوأ اليوم النظرة الى الوزارات وهو تعبير كبير عن خلل يبدأ بثقافة العمل السياسي، فالوزارة ليست مكافأة وليست مكرمة أو جائزة.

الوزارة منصب حكومي هدفه الخدمة العامة، خدمة موجَّهة لجميع المواطنين من دون تمييز، وتصنيف الوزارات بين سيادية ووزارات درجة أولى ودرجة ثالثة، تصنيفات غريبة عجيبة. فهل المقعد الوزاري هو ما يُعطي القيمة الحقيقية لأيّ حزب؟ عسى أن ننتقل الى عصر تكون فيه قيمة الحزب السياسي أو حتى الطائفي في إنجازاته الوطنية وليس في الحقائب التي تُمنح له.

قد يكون الاتفاق اليوم على اعتماد حكومة الوحدة الوطنية مقبولاً، لأنها ستواكب مرحلة أساسية وهي الانتخابات النيابية والتي ستعلن إعادة الحياة الدستورية كاملة الى لبنان.

وعلى رغم ذلك يجب أن لا تغرق الحكومة المقبلة في وحول التجاذبات والمكتسبات التي تبغيها كلّ طائفة من القانون الانتخابي الجديد، بل وبغض النظر عن شكل القانون الانتخابي يجب أن تكون الأولوية للإصلاحات المواكبة لهذه الانتخابات، مثل اللائحة الرسمية المطبوعة سلفاً، الإنفاق الانتخابي، فصل النيابة عن الوزارة، الإعلان الانتخابي وإعطاء المرشحين فرصة متساوية في الاعلام، وتعزيز مفهوم المناظرات الإعلامية التي تناقش في البرامج والخطط لا في المناكفة السياسية والطائفية، والأهم إقرار انتخابات المغتربين ووضع الآلية المناسبة لها، لأنها ستكون في خضمّ بناء لبنان الجديد الحاضن لجميع أبنائه، وحيث إنّ المغتربين هم القوة المضافة للبنان، ومن الممكن أن يلعبوا دوراً اساسياً في نموّه الاقتصادي وزيادة الصادرات والازدهار السياحي والاقتصادي، لا يمكن أن نطلب من المغتربين أن يشكّلوا عاملاً لتطوير لبنان من دون اشراكهم في العملية الديموقراطية والتي يُعتبَر حقّ الانتخاب أهمّها.

وما علينا إلّا أن ننظر ونقيّم جولات معالي وزير الخارجية لنتأكد أنّ ثروة لبنان الاغترابية من الممكن أن تلعب دوراً مهماً في نموّ لبنان المرتقب وهذه قيمة مضافة يجب أن نعطيها حقها.

التطوّرات الإقليمية اليوم تشير الى أننا سنشهد تغييراتٍ جذرية في المدى القريب، حيث إنه وبلا شك سيكون للبنان دور أساس في المستقبل في الإعمار والسياحة والاقتصاد، هذا إذا عرفنا كيف نستفيد، لا أن نضيف المرحلة المقبلة كما فعلنا دائماً الى لائحة الفرص الضائعة، وبدل أن يكون لبنان جاهزاً لذلك عبر حكومة شرعيّة تُواجه هذه التطوّرات وتستفيد منها، نرى العرقلة والولدنة عبر حقيبة من هنا، وموقف من هناك، وإيقاف مستقبل بلد بكامله تنتظره استحقاقاتٌ جمّة على رضى فريق أو زعله من حصّته، ويبدو أنّ المعرقلين مستفيدون من استمرار الفوضى والتي يستتر تحتها الفساد.

وربما الخوف من أن يكون التغيير والإصلاح هو سمة العهد الجديد، وهو علّة وجود التكتل الذي ننتمي اليه، علماً أنّ الاصلاح ليس احتكاراً لأحد بل يجب أن يكون مطلباً جامعاً لجميع الأفرقاء ننطلق منه نحو دولة حقيقية من خلال ورشة لتحديث القوانين والتشريعات للبدء بأمّ المعارك وهي معركة لبنان الجديد المبني على الشفافية وإرساء قواعد الإصلاح والتغيير التي تريدها الأكثرية الصامتة من الناخبين.

هذا العهد الجديد هو فرصة حقيقية، فاليوم لدينا رئيس لا ينكر أقواله ويتمتّع بالصدق اللازم ليقود هذه المسيرة، وهذه الإيجابية يجب أن تشكل اطمئناناً لدى الجميع الحلفاء وغير الحلفاء، ومَن سيستمرّ في عرقلة انطلاق هذا الأمل وهذه المحاولة لن يرحمه التاريخ.