IMLebanon

هواتف السفارات… والحشد الدولي المنتظر

ككلّ إنتخابات رئاسية، يستعدّ لبنان لإستقبال عددٍ كبيرٍ من الديبلوماسيين العرب والأجانب، على رغم أنّ الحذرَ ما زال مسيطراً على الساحة المحلية لأنّ إنتظار نحو سنتين ونصف السنة، يصعب إختصاره بيوم واحد أو أقله بساعات تستغرقها الجلسة المرتقبة في 31 تشرين الأوّل.

بعد المقاطعة الشديدة التي شهدها لبنان في الإنتخابات النيابية عام 1992، حضر عددٌ كبير من الديبلوماسيين ومسؤولي الدول الجلسة الأولى للبرلمان، ما دفع البعض الى القول إنّ مقاطعتنا ذهبت سدىً لأنّ ما كُتب دولياً قد كُتب.

أمّا الآن، فلا شكّ في أنّ المجتمع الدولي يراقب الوضع الداخلي عن كثب، وهو الذي أبدى إهتماماً لافتاً طوال فترة الفراغ الماضية وتمثّل في دعم الجيش والقوى الشرعية لحفظ الأمن والإستقرار ومحاربة الإرهاب.

لا تهدأ هواتفُ السفارات، وكلّ الكلام عن أنّ المجتمعَين العربي والدولي غير مهتمَّين بالوضع اللبناني لا ينطبق على الواقع، فالدولُ الكبرى مشغولة إما بإنتخاباتها كأميركا، أو بمحاربة الإرهاب الذي قارع أراضيها مثل فرنسا وألمانيا والدول الأوروبية، وإما تخوض حروباً في المنطقة مثل روسيا وإيران ودول الخليج، لكنّ أحداً لا يريد أن يتحوّل لبنان بقعةً لتفشي الإرهاب.

لا يختلف إثنان على أنّ الفاتيكان كان من أوّل المهتمّين بالشأن الرئاسي، ومع تقدّم التسوية التي ستؤدي الى إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً، يُبقي الكرسي الرسولي على حذره وتخوّفه من المفاجآت، إذ ينقل زوّار السفير البابوي غبريال كاتشيا لـ«الجمهورية» قوله إنّ الفاتيكان يراقب التسوية من الآن الى الإثنين بحذر، وهو يباركها وليست لديه أيّ مشكلة مع الأسماء، لكن بعد طول الإنتظار والمواعيد التي ضُربت سابقاً بات يطبّق المثل القائل: «توما ما بصدّق غير ما يحطّ إصبعو»، أي إنه لن يدلي بأيّ موقف أو يتحمّس للعملية الحاصلة قبل تصاعد الدخان الأبيض من ساحة النجمة.

بالتنسيق مع الفاتيكان، كانت باريس «إمّ الصبّي» التي لم تهدأ في تحرّكها نحو الرياض وطهران لحلحلة العقد الرئاسيّة، لكنّها منذ فترة، فضّلت العملَ بصمت خصوصاً بعدما واجهت مبادرة ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية العراقيل المعروفة، وقد آثر السفير ايمانويل بون في الفترة الأخيرة الإبتعاد من الأضواء والحركة المكشوفة على رغم أنّ الإتصالات بقيت شغّالة.

تبارك باريس عملية إنتخاب الرئيس لكنها لم تحسم حتّى الساعة مستوى حضورها وتمثيلها في جلسة الإثنين، مع العلم أنّ الرئيس فرنسوا هولاند يعتزم زيارة لبنان قريباً لأنّ الملفات المشترَكة بين البلدين كثيرة جداً، وباريس مهتمّة بإبقاء العلاقات التاريخية المميَّزة. في وقت يُحكى عن عزمها إقامة مؤتمر دعم للبنان بعد إنتخاب الرئيس وتأليف الحكومة الجديدة.

وبالنسبة الى اللاعب الجديد في المنطقة أي روسيا، فإنها كانت محطّ أنظار التسوية الرئاسية، في حين قال البعض إنّ مباركة موسكو للتسوية سرّع إنجازَها لأنها اللاعبُ الدولي الوحيد في المنطقة بعد إنكفاء الإدارة الأميركية.

وعن زيارة نائب وزير الخارجية الروسية وموفد الرئيس فلاديمير بوتين الى الشرق ميخائيل بوغدانوف الى لبنان، أوضحت مصادر وزارة الخارجية لـ«الجمهورية» أنّ «موعدها لم يُحدَّد بعد، فالخارجية اللبنانية لم تتبلّغ من نظيرتها الروسية أيَّ شيء جديد، وبالتالي فإنّها تنتظر اتصالاً روسياً في هذا الصدد لم تتلقاه بعد».

مهما قيل عن الدور الأميركي المتراجع، لكنّ واشنطن تبقى القوة العظمى التي تحكم العالم على رغم تراجع نفوذها في بعض المناطق، وبعد موقف وزير خارجيّتها جون كيري من التسوية الرئاسية والذي إعتُبر تصريحاً ملتبساً، جالت السفيرة الأميركية إليزابيت ريتشارد على القيادات اللبنانية، وزارت أمس وزير الخارجية جبران باسيل الذي يمثّل أحد أهم عرّابي التسوية الرئاسية وما بعدها.

وفي السياق، أكّدت مصادر وزارة الخارجية لـ«الجمهورية» أنّ «الإيجابية خيّمت على اللقاء، حيث جدّدت ريتشارد موقفَ بلادها الداعم أيَّ إتفاق يحصل بين اللبنانيين على رئيس الجمهورية»، مشيرة في الوقت نفسه الى أنّ أميركا «لا تضع «فيتو» على أيّ مرشّح، ما يدحض كلّ الشائعات التي سرَت وتشير الى أنّها لا تريد وصول عون الى الرئاسة».

ولفتت المصادر الى أنّ «موقف أميركا واضحٌ في تأييد التوافق بين اللبنانيين، وتصريح الوزير جون كيري الأخير لا يعني أبداً سعيَ بلاده الى منع وصول أيّ مرشّح، بل حمل تفسيرات عدّة أوضحتها ريتشارد لباسيل خلال إجتماعهما».

تشكّل هذه الجولة عيّنة من مواقف السفارات والدول الكبرى، وبعد موقف مصر وإيران المرحّب بالتسوية، يبقى السؤال عن رأي بقية الدول العربية والإقليمية بما يحصل، وحجم المسؤولين الذين سيحضرون جلسة الإنتخاب الإثنين المقبل، وسط التخوّف من تدخّلات قد تقلب المعادلات.